
يونس جنوحي
«العدالة للجزائر» كان، إذن، آخر فصول هذه المذكرات التي خطها الصحافي الجزائري هشام عبود، حيث رصد في الصفحات الأخيرة من «مافيا الجنرالات» أوجه التناقض القاسي الذي فرضه العسكريون على الجزائريين.
ماذا إذن بعد وصول فضيحة مافيا الجنرالات إلى الصحافة الدولية مع بداية الألفية؟ يحكي هشام عبود كيف أن بعض المحاولات لجر الجنرالات إلى المحاكم الدولية لم تلق التجاوب المرجو منها، وظل عسكريون مارسوا جرائم ضد الإنسانية في حق الجزائريين، طُلقاء.
عدالة السماء
يقول هشام عبود إن الحكومات الغربية لم تدعم الشعب الجزائري الواقع تحت الخطر. وأيضا، لم تتم مقاطعة نظام الجنرالات رغم أن الشهادات التي تسربت إلى الصحافة الدولية وفضحت ما وقع في الجزائر خلال العُشرية السوداء طيلة فترة التسعينيات، كانت صادمة للغاية وتتعلق بتفاصيل ارتكاب جرائم ضد مواطنين عُزل باسم مكافحة الإرهاب.
كيف يعقل أن تتقدم بعض عائلات الضحايا الذين قتلوا بالرصاص الحي في شوارع الجزائر، أو إفادات الناجين من الأحداث أو أقربائهم، بإفادات للإعلام تذكر الأماكن والحيثيات وتحدد أماكن وقوع تلك الجرائم وأسماء مرتكبيها، ولا يتم التدخل لإنصاف هؤلاء من قبضة الجنرالات الذين كانوا يُعطون الأوامر لمباشرة تصفية المعارضين وحتى الذين خرجوا للتظاهر ضد الأوضاع المزرية التي كان يعيشها الجزائريون.
يقول هشام عبود إن الحكومات لم تدعُ إلى مقاطعة مطارات الجزائر، في إشارة إلى أن بعض الأنظمة السياسية الغربية لم تتخذ أي موقف ضد الحكومة الجزائرية ومؤسسة الجيش الجزائري على وجه التحديد، رغم أن الاتهامات التي وجهت لبعض الجنرالات كانت خطيرة للغاية وتتعلق بجرائم ضد الإنسانية.
بما أن العدالة داخل الجزائر لم تجد طريقا لكي تتحقق، لم يتبق أمام الجزائريين سوى المطالبة بعدالة السماء.
يرى هشام عبود أن الحل الوحيد للقضاء على مافيا الجنرالات و«تشطيبهم» من الحياة السياسية للجزائريين، هو متابعتهم في المحاكم الدولية، واقترح «المحكمة الجنائية الدولية» منصة لوضع الشكايات. يقول هشام عبود في هذه المذكرات إن ترجمة المحاضر ورفعها إلى القضاء الدولي والمطالبة بفتح تحقيق ومتابعات للاستماع إلى الجنرالات الذين ارتكبوا تلك الجرائم في حق الجزائريين هي الحل الوحيد لتحقق العدالة وإزالة الجنرالات من فوق صدور الجزائريين.
يقول: «إذا رفضت المحكمة الجنائية الدولية التكفل بملف الجنرالات أعضاء المافيا والمتورطين معهم، فلن يكون أي معنى لوجود هذه المحكمة».
يعطي هشام عبود هنا المثال بالدكتاتور «ميلوسيفيك» الذي ارتكب فظاعات في حق شعبه، وكانت نهايته عبرة لكل زعماء الأنظمة الدكتاتورية، ويقول إن هذا الدكتاتور ليس إلا مجرد طفل وديع إذا ما قورنت جرائمه بالجرائم التي ارتكبها الجنرالات في حق الجزائريين. ألم يبالغ هشام عبود هنا قليلا؟ بالرجوع إلى كل المآسي والفظاعات التي تطرقنا إليها في هذه الحلقات، فإن الأمر لا يتعلق بمبالغة بقدر ما يلخص صورة من داخل الجزائر التي حولها الجنرالات في قيادة الجيش إلى مزرعة تابعة لهم، طوقوها بسياج شائك من قمع الحريات وكتم أنفاس الجزائريين والسيطرة على كل موارد اقتصاد البلاد، وأرسلوا كل من يعارضهم إلى «وراء الشمس».
هذه العبارة الأخيرة التي كانت كناية عن المصير المجهول لآلاف الجزائريين الذين لا يزال مصيرهم مجهولا إلى اليوم، اختفوا مباشرة بعد ظهورهم لآخر مرة وهم يدلفون باب مخفر للبوليس أو يمرون بجانب نقطة تفتيش، ومنهم من اختفى بعد أن رفع شعارا يدعو إلى محاسبة الجنرالات وكبح سلطاتهم التي كانت تتعدى بكثير سلطة رئيس الجمهورية.
صحيح أن هذه المذكرات التي قدمها هشام عبود للجزائريين كانت تتحدث عن سياق سنة 1997، السنة التي غادر خلالها الجزائر وطلب اللجوء السياسي في فرنسا، إلا أنها تساعد اليوم على فهم الحراك الجزائري الأخير الذي أنهى ولاية بوتفليقة وأنهى سطوة بعض الجنرالات الذين أدينوا بالفساد في آخر سنوات حياتهم، لكن بدا واضحا أن نظام الجنرالات كان أقوى من أن يقضي عليه حراك الشارع ومطالب تحقيق العدالة، والواضح أن الحرب ضد «مافيا الجنرالات» سوف تطول أيضا.
يختم هشام عبود هذه المذكرات بعبارة بليغة جدا كانت موجهة إلى مافيا الجنرالات الذين كانوا وراء إبعاده وطلب اللجوء في باريس: «يمكنكم أن تأخذوا حياتي الآن، بعد أن قلتُ كلمتي الأخيرة».





