حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

الرجل.. كائن لا تُحتمل خفته

اجتاحت موجة من العنف والأعمال التخريبية شوارع باريس، نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن قام مشجعو باريس سان جيرمان بتحطيم واجهات المحلات التجارية وإضرام النار في سيارات الشرطة احتفاء بفوز فريقهم بخماسية نظيفة ضد أنتر ميلان. مشاهد أبوكاليبسية ظهر فيها الكائن الذكري العقلاني وهو يتسلق عمود «الضو الحمر» محاولا اقتلاعه لأن «حكيمي ماركا بيت». نعم، يا سادة، إنه الرجل الذي يصر على اتهام المرأة بالحساسية المفرطة واللاعقلانية والعاطفة الزائدة. الرجل الذي يؤمن بأن رأي النساء لا يُعتد به بسبب تقلباتهن الهرمونية. الرجل الذي يترفع عن الخوض في أمور النساء باعتبار أنها لا ترقى لمستويات وعيه وإدراكه العميق. هذا الرجل أشعل، السبت الماضي، النار في كراسي محطات الباص الباريسية لأن هرمون الدوبامين ارتفع لديه مباشرة بعد صافرة الحكم.

وأنا أتابع مقاطع الفيديو التي وثقت أعمال الشغب والتخريب، لم أجد ولو سيدة واحدة بين جموع الرجال المنتشين بالنصر.. مما دفعني للتساؤل عن الدافع الحقيقي وراء التمظهرات السلوكية العنيفة للكائن الذي لا تُحتمل خفته.. لماذا يعبر الرجل عن ذاته وجنسانيته ورغباته وسلطته عن طريق العنف؟ هل كانت الحضارة الإنسانية بحاجة إلى غريزة العنف وروح القتال المتجذرة في الذكور حتى نتمكن من سبر أغوار مجالات مهمة كالعلوم والصناعة والاستكشاف والغزو العسكري؟

على مر التاريخ البشري، غالبا ما كان العنف أداة للغزو، وكان الرجال هم من استخدموه بأغلبية ساحقة. فمنذ الإمبراطوريات القديمة وحتى الحروب الحديثة، انخرطت الجماعات التي يهيمن عليها الذكور في عنف منظم للاستحواذ على الأراضي والسلطة والموارد. ودفع هذا النمط الباحثين والعلماء إلى دراسة أسباب ميل الرجال، أكثر من النساء، إلى السلوك العنيف، وأسباب شعورهم تاريخيا بأنهم مُجبرون على استخدام العنف كوسيلة للغزو.

من منظور تطوري، يمكن فهم عنف الذكور جزئيا من خلال منظور التنافس الإنجابي. ففي العديد من الأنواع، بما في ذلك البشر، تنافس الذكور تاريخيا على الشريكات والأراضي والمكانة الاجتماعية. ويجادل علماء النفس التطوري بأن هذا التنافس عزز سمات مثل العدوانية والمخاطرة والهيمنة لدى الرجال، والتي أصبحت مع مرور الوقت أكثر وضوحا في سلوكهم. ربما زادت هذه السمات من نجاح الإنجاب في البيئات التقليدية، لكنها غالبا ما تتجلى بأشكال عنيفة.

تلعب هرمونات مثل التستوستيرون دورا أيضا. تُظهر الدراسات باستمرار وجود علاقة بين ارتفاع مستويات التستوستيرون وزيادة العدوانية، وخاصة لدى الشباب. وبينما لا «يُسبب» التستوستيرون العنف، إلا أنه قد يُعزز سلوكيات الهيمنة، حيث تُشجع الأعراف الاجتماعية أو الضغوط السياسية على العدوان وأعمال عنف.

إلى جانب علم الأحياء، تشكل التوقعات الثقافية والمجتمعية سلوك الذكور بقوة. ففي العديد من المجتمعات، غالبا ما يُربى الأولاد اجتماعيا على أن يكونوا أقوياء، وحازمين ومنضبطين عاطفيا. وهي سمات قد تُكبت التعاطف وتُشجع على المواجهة. لا يُصبح العنف مجرد وسيلة لتحقيق غاية، بل تعبيرا ثقافيا عن الرجولة.

غالبا ما عززت المجتمعات التاريخية هذا من خلال قواعد المحاربين، مثل «بوشيدو» في اليابان الإقطاعية أو «قانون الفروسية» في أوروبا في العصور الوسطى.  احتفت هذه الأيديولوجيات بالبراعة العسكرية والغزو، واعتبرتهما أمرين مشرفين وضروريين للبقاء أو المجد. لم يكن الرجال مسموحا لهم فحسب، بل كان يُتوقع منهم أن يكونوا عنيفين عند الدفاع عن مجتمعهم أو أمتهم أو إمبراطوريتهم أو توسيعها.

تاريخيا، استخدم الرجال العنف للغزو لأسباب متشابكة عديدة، أبرزها الاستحواذ على الأراضي والموارد، وتوسيع النفوذ، والدفاع ضد التهديدات المحتملة، وتوطيد السلطة. في المجتمعات القبلية والدولة المبكرة، غالبا ما كانت الحرب ضرورية للبقاء. كان غزو الأراضي الجديدة يعني الوصول إلى الأراضي الخصبة والمياه وطرق التجارة، وهي موارد ضرورية لازدهار المجتمع.

مع ذلك، لم يكن الغزو السياسي دائما مجرد بقاء، بل غالبا ما أصبح طريقا نحو الهيبة والسلطة. سعى الأباطرة والملوك والجنرالات، وهم رجال تقريبًا، إلى ترك إرث، وكان الغزو وسيلة لحفر أسمائهم في التاريخ. في هذه السياقات، تم إضفاء طابع منهجي على العنف، وتمجيده، وإضفاء طابع مؤسسي عليه.  من الإسكندر الأكبر إلى جنكيز خان إلى نابليون، استخدم القادة الذكور القوة العسكرية ليس فقط لتأمين السلطة، بل أيضا لفرض هيمنتهم الأيديولوجية.

يشير بعض الباحثين إلى أن العنف قد يُشبع أيضا احتياجات نفسية معينة لدى الرجال، سيما الحاجة إلى السيطرة والهيمنة والتحقق. عندما يشعر الأفراد أو الجماعات بالعجز، قد يصبح العنف وسيلة مضللة لتأكيد الهوية والفاعلية. في السياقات التاريخية، قد يُفسر هذا سبب اقتران الغزو العنيف غالبا بالاضطرابات الاجتماعية أو المجاعات أو عدم الاستقرار السياسي، وهي أوقات شعر فيها الرجال، سيما ذوو المكانة الاجتماعية الأدنى، بالعجز.

غير أن الاعتماد على غريزة العنف في السياقات التاريخية التقليدية كان مبررًا لاعتبارات سياسية وعسكرية ودينية أيضا. أن تكون ذكرا عنيفا في ساحات القتال دفاعا عن أرضك وعرضك، فهذا سلوك نبيل ومشرف.. لكن أن تتسلق عمودا كهربائيا لتلقي منه بحجارة على المارة، فقط لأن أنتر ميلان تشوهو بخمسة لزيرو.. فأنت بحاجة لمراجعة مفهوم «الرجولة»..

 

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى