شوف تشوف

الرأيالرئيسيةمجتمع

الصمت المُزعج

 

 

يونس جنوحي

كلما ذُكروا، لا بد أن يخطر أحدهم ببالك الآن. لكن من يحاول القيام بأمر ما من أجلهم؟ من يفكر في جعل حياتهم سهلة؟

المكفوفون لديهم لغة برايل. يستعملون العصي، وقد يتعاطف معهم المارة، بمجرد ما ينتبه أحد إلى أنهم كذلك.

الأشخاص العاجزون عن النطق، يتدبرون أمورهم كذلك عن طريق تعلم لغة الإشارة، أو استعمال حركات بسيطة لتسهيل التواصل مع الآخرين الذين لا يفهمون لغة الإشارات.

لكن كيف سوف تعرف أن الماثل أمامك لا يسمع؟

الذين فقدوا حاسة السمع يعيشون فعلا مأساة في الشارع العام، يسيرون مثل الأشخاص العاديين وبعضهم قد يتحدثون ببضع كلمات، لكنهم لا يسمعون نهائيا ما يدور حولهم.

الخطر الداهم الذي يتربص بالجميع في الأرصفة، والأماكن العمومية، يُعرض حياتهم يوميا للخطر أكثر من غيرهم.

في الشارع، نتواصل باستعمال منبه السيارات والصراخ. ودائما في اللحظات الأخيرة يقفز المارة لتجنب اصطدام مروري. لكن الشخص الذي فقد حاسة السمع، لا يعي نهائيا ما يدور حوله من حروب طاحنة يوميا في الشوارع.

لا يمكن لمن فقد السمع مثلا أن يلج إدارة عمومية، لأن الناس يصرخون باستمرار لقضاء أغراضهم الإدارية، وبعض الموظفين ينادون على «الزبناء» بالصراخ. ونادرا ما توجد طوابير محترمة وأرقام ترتيب لقضاء أغراض المواطنين.

يتعين على الفاقدين لحاسة السمع أن يرافقوا دائما أشخاصا قادرين على سماع الضجيج والصراخ والنداء وأصوات الآلات الإلكترونية، لكي يحصلوا على دور لقضاء أغراضهم الإدارية.

حتى في العمارات السكنية، يصعب فعلا على الفاقدين لحاسة السمع أن يعيشوا حياة «هادئة» في العمارة. ربما أراحهم الله من سماع ضجيج الجيران الذين لا يزال بعضهم يعيشون في ظروف القرون الوسطى ولا يأبهون بمن يعيش بجوارهم، لكنهم بالمقابل معرضون للخطر في حال وقوع حادث. إذ إنهم لا يستطيعون سماع صفارات الإنذار، حتى لو وُجدت في بعض العمارات الحديثة، ولن يسمعوا طرق الأبواب ولا صراخ السكان. الهواتف وحدها قد تنقذ أرواحهم، خصوصا وأن الفاقدين لحاسة السمع يضعونها على وضع «الاهتزاز»، لكي ينتبهوا إليها في حال ورود اتصال أو رسالة.

لكن أغلب المرافق السكنية وحتى الإدارات، لا تتوفر على الأضواء المرافقة لصفارات الإنذار. وهكذا فإن الفاقدين لحاسة السمع، لن يستطيعوا إدراك الخطر في البنايات أو الإدارات أو الأماكن العمومية، حتى لو أطلقت صفارات الإنذار. ويزداد الخطر دائما إن كانوا بدون مرافقة.

في بعض الدول التي تحترم الإنسان، توضع إشارات خاصة بالفاقدين لحاستي السمع والبصر.

بل هناك أمثال وحكم للترفيه عنهم، تُكتب بطريقة برايل على جنبات أزرار المصاعد وفي المقابض المعدنية للسلالم وطوابير الانتظار.

أما الفاقدون لحاسة السمع فتوضع لهم إعلانات خاصة يستطيعون فهمها دون استعمال الأصوات.

بعض شركات إنتاج الأفلام والمحتوى المرئي، لديها دفاتر تحملات للتعاقد مع دور السينما وكبريات شركات الترفيه في العالم، تلتزم فيها باستصدار وصف دقيق للفيلم كاملا لكي يوضع أسفل الشاشة، حيث يستطيع الفاقدون لحاسة السمع أن يتابعوا الفيلم وهم يقرؤون أوصاف أي صوت يسمعه المتفرجون الآخرون. وهكذا يطالعون، في لحظات صمت الممثلين، ولجوء المخرج إلى استعمال المؤثرات الصوتية فقط: «صوت محرك سيارة»، «صوت إطلاق نار بعيد»، «صوت وقع أقدام».

ويعيش الفاقدون لحاسة السمع كل تلك التفاصيل الصوتية المستعملة في الأفلام، والتي تزيد من التشويق أو تخدم القصة.

لكن يكون حالهم هكذا فقط في دور السينما، أو خلال متابعة الأفلام على المنصات الغربية التي تعرض هذه الخدمة، إلى جانب كتابة ترجمة الأفلام إلى عدد من اللغات العالمية.

الفاقدون لحاسة السمع لا يسمعون تحية الصباح، وحتى لو ألقيت عليهم فإنهم لا يستطيعون ردها. لكن ابتسامة في وجههم كفيلة بجعلهم يُدركون أن أحدا ما قد ألقى التحية عليهم أولا.

أما الخطر الداهم المحيط بنا جميعا، وحدّة الضجيج الذي تعيشه أغلب الأماكن العمومية في المغرب، فهناك حكمة وراء إعفائهم من سماعه. والأمر نفسه يتعلق بسهرات التلفزيون وأصوات بعض المطربين الجدد، وتفاهة السيتكومات التي لن يفهمها أحد، سواء من يسمعها ولا من يشاهدها.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى