شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

العودة الأمريكية للشرق الأوسط

 

 

 

عبد اللطيف المناوي

 

 

 

عندما قال الرئيس الأمريكي جو بايدن، خلال جولته في الشرق الأوسط، العام الماضي، والتي بدأت كالعادة بتل أبيب وانتهت بـ«قمة جدة» للأمن والتنمية، إن واشنطن لن تترك فراغا في الشرق الأوسط لروسيا والصين، كانت التصورات تدور بشكل رئيسي حول أشكال تضمن لأمريكا الوجود في المنطقة، ولكن دون التورط بقوات لها على الأرض.

الملاحظة الرئيسية على السياسة الأمريكية أخيرا تؤكد أن هناك عملية انسحاب تدريجي تمت خلال العقد الأخير لصالح منطقة المحيط الهادئ، وأن حسابات واشنطن تركزت على الاهتمام بالبعدين الصيني والهندي، على حساب تراجع واضح في حسابات الاهتمام بالشرق الأوسط. وكان التصور الأمريكي في هذا الوقت يعتمد على الثقة الكبيرة التي باتت راسخة لديها، بأن إسرائيل بما لديها من إمكانات تضمن بها تفوقا كبيرا على حساب كل الجيران العرب متفرقين أو مجتمعين، وأن هذا يكفي تماما لملء أي فراغ عسكري ناتج عن انسحاب القوات الأمريكية من الأرض، وهذه الثقة هي ما أعطت أمريكا الإحساس النسبي بالاطمئنان. المتابع لثوابت السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة، منذ منتصف القرن الماضي، يجد أنها تمحورت في ثلاثة أهداف رئيسية، وهي؛ حماية أمن إسرائيل، وأمن الطاقة وتأمين وصولها إلى العالم، وعدم وجود أقطاب دولية في المنطقة، خاصة روسيا.

ولكن يظل أمن إسرائيل بالفعل هو أولوية الأجندة الأمريكية كما هو الحال منذ عقود، فبالإضافة إلى الاطمئنان بأن إسرائيل باتت الدولة الأقوى في المنطقة، كما ذكرت، سعت واشنطن ودعمت عقد اتفاقيات سلام معلنة بين تل أبيب وبين بعض الدول العربية، وتفاهمات مع البعض الأخرى، وتعاونا غير معلن مع الجزء الأخير، وبالتالي زاد إحساسها بأنها في مأمن الآن عن ذي قبل. أما الطاقة، فلدى الولايات المتحدة ما يكفيها من احتياطيات، بل باتت المنتج الأول للطاقة على مستوى العالم. أما الهدف الأخير وهو عدم السماح لقوى أخرى بملء الفراغ في الشرق الأوسط، فصحيح أن الولايات المتحدة فقدت الكثير من مصداقيتها لدى دول المنطقة، التي باتت تبحث عن توازن بخلق علاقات وترسيخ القائم منها مع قوى دولية أخرى، وبناء تحالفات سياسية وأمنية من داخل المنطقة، إذ بدأ إحساس يتعمق لدى أطراف عربية بأهمية الاعتماد على الذات من خلال إقامة شراكات استراتيجية في إنتاج وتطوير القدرات العسكرية مع قوى دولية أخرى، حتى لو كانت مختلفة مع أمريكا أو المعسكر الغربي.

ولأن أمريكا تدرك جيدا خطورة فقدان حليف سياسي وعسكري واقتصادي بحجم دول الشرق الأوسط، فإن السؤال الذي يطرح نفسه الآن بعد التغيرات الكبيرة في توجهات دول الشرق الأوسط هو: هل تعود واشنطن إلى المنطقة بأي شكل من الأشكال، ومنها الشكل العسكري؟ أم أن سياسة الابتعاد والانسحاب التدريجي هي سياسة نهائية لديها؟ نعرف أن لا ثوابت في السياسة، ولكن نطرح التساؤل ونحاول الإجابة عنه، بحثا عن خطة التعامل مع الأمر في المستقبل، حال العودة الأمريكية إلى المنطقة بعد الفشل الإسرائيلي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى