شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

اللغز المحير حين يصبح مرض رؤساء وزعماء الجزائر سرا من أسرار الدولة

حسن البصري
تناوب على حكم الجزائر العديد من الرؤساء منذ الاستقلال، لكن مصيرهم يختلف من زعيم لآخر، بالرغم من أن نهاياتهم لم تكن بنفس التوهج، إذ انتهى بهم المطاف في الإقامات الجبرية أو مسرح الاغتيالات أو في أقبية المرض.
أحمد بن بلة الذي يعد أحد أبرز مؤسسي جبهة التحرير الجزائرية، وأول رئيس للجزائر المستقلة، كانت سنواته الأولى في الحكم محاولة لاستنساخ النموذج الناصري بعد أن حظي بدعم كبير من نظيره المصري آنذاك جمال عبد الناصر، لكن سرعان ما انقلب عليه رفيق دربه الهواري بومدين وحوله إلى نزيل في الإقامة الجبرية، هناك تكالبت عليه النكبات وحاصره المرض.
وتولى رئاسة الجزائر هواري بومدين الذي استمر في منصبه إلى غاية سنة 1978، حيث مات بمرض غامض قيل إنه تسمم ونسجت روايات عديدة حول نهاية هذا العسكري الذي أعلن عداءه للمغرب. ولأن وفاته اعتبرت مؤامرة ضد عسكري فقد اختار الجيش رئيسا من الثكنة ويتعلق الأمر بالشاذلي بن جديد الذي انتخب رئيسا للجمهورية، ثم أعيد انتخابه مرتين، قبل أن يعلن استقالته ويقضي ما تبقى من حياته يداوي أمراضه إلى أن توفي في صمت.
وحين اعتقد الجزائريون أن الرئيس محمد بوضياف لن يطول مقامه في قصر الجمهورية بسبب عامل السن، فضل معارضوه لغة الرصاص وقاموا بتصفيته في عملية اغتيال صيف 1992، أثناء إلقائه خطابا في مدينة عنابة.
أما الرئيس عبد العزيز بوتفليقة فقد استنفد جميع ولاياته القانونية، وأصر على التمديد رغم أن صحته لا تسعفه، حتى أصبح مثارا للسخرية، ولولا الحراك الشعبي لأعلن نفسه رئيسا أبديا للجزائر.
وأعاد مرض الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، إحياء الجدل حول «طريقة تعامل النظام مع مرض الرؤساء، وكيفية التستر على الآلام التي هي قدر ولا دخل فيها للسياسة، لكن بداعي الحفاظ على التوازنات يتم حجب الرؤية عن الشعب حتى يظل الزعيم محنطا.

عبد المجيد تبون.. بين مضاعفات شراهة التدخين و»كورونا»
كلما غادر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون ألمانيا صوب الجزائر، إلا وعاد إليها لاستكمال العلاج من تبعات إصابته بفيروس «كورونا»، وفق بيان للرئاسة الجزائرية قالت فيه إنه توجه لعلاج «مضاعفات في قدمه إثر إصابته سابقا بكورونا». دون أن يعرف أحد ما إذا كانت «كورونا» تخلف مضاعفات في أقدام المصابين بالفيروس.
قال بيان صادر عن الرئاسة الجزائرية، إن علاج المضاعفات كان مبرمجا قبل عودة الرئيس تبون البالغ من العمر خمسة وسبعين سنة، من ألمانيا، «لكن التزاماته داخل الوطن حالت دون ذلك، وأن إصابة القدم ليست حالة مستعجلة»، ولم تصدر أي معلومات عن مدة بقاء الرئيس الجزائري في ألمانيا لاستكمال علاجه في برلين.
وقال الناشط الجزائري رضوان بوصاق، في حوار مع إذاعة مونتي كارلو: «الوضع الصحي للرئيس تبون غامض والحراك لم ينته». بينما قال الإعلامي الجزائري بوعلام غمراسة إن رئاسة الجمهورية اختارت موقعين إلكترونيين تابعين لصحيفتين خاصتين، لنشر خبر عودة تبون إلى الخارج، للتداوي من تبعات الإصابة بفيروس «كورونا»، التي أبعدته عن الشأن العام لمدة فاقت الثلاثة أشهر.
وذكر المصدر نفسه أن «الجبيرة التي وضعها الطاقم الطبي الألماني على رجل الرئيس عبد المجيد تبون كانت بسبب إصابته بفيروس كورونا»، فيما أوضحت جريدة الشرق الأوسط استنادا إلى تصريحات طبيب حكومي، حصول انسداد في أوردة رجل تبون، بسبب شراهة التدخين التي تميزه. أما بخصوص طول مدة تطبيب الرئيس بالخارج قياسا إلى حالات إصابة بكورونا مماثلة كثيرة، فإن ذلك يعود، حسب الطبيب نفسه، إلى حدوث مضاعفات في الرئتين، سببها أيضا إدمانه على التدخين.
ولم يظهر الرئيس الجزائري واقفا على قدميه، عندما صورته كاميرات التلفزيون الحكومي، وهو يعود من رحلة العلاج بألمانيا، كما كان لافتاً أن إحدى قدميه كانت ملفوفة بجبيرة، ما خلف انطباعا بأنه لم يتعاف كليا من المرض، إلا أن غيابه الطويل دفع نشطاء الحراك إلى المطالبة بعزل الرئيس بسبب مانع صحي مزمن وخطير، وإطلاق ترتيبات انتخابات رئاسية مبكرة لاختيار خليفة له.
وكان الرئيس الجزائري تبون قد دخل مستشفى عسكريا في الجزائر، بعد ثبوت إصابة عدد من كبار مستشاريه بفيروس كورونا. وقد خضع للحجر الطوعي عدة أيام، قبل أن يرحل إلى مصحة في برلين.

عبد العزيز بوتفليقة يسير الجزائر من غرفة العناية المركزة
خرج سعيد بوتفليقة شقيق الرئيس الجزائري عبد العزيز، عن صمته حين قال إن الرئيس طلب منه إخبار الجزائريين بحقيقة مرضه والتحدث إلى الصحافيين. كان ذلك خلال محاكمة سعيد بوتفليقة حيث أوضح للرأي العام أن الرئيس الجزائري السابق عبد العزيز بوتفليقة يوجد رهن الإقامة الجبرية وليس حرا كما يعتقد البعض. وقال سعيد بوتفليقة للقاضي والحاضرين في قاعة المحاكمة إن فخامة الرئيس أطال الله عمره، لا يزال حيا يرزق ويمكن الاستفسار منه.
ولم يظهر سعيد للرأي العام كرجل نافذ وقوي إلا بعد تدهور الوضع الصحي لبوتفليقة بشكل كبير منذ منتصف 2011 إلى غاية إصابته بنوبة شلل نصفي يوم 27 أبريل 2013، أرغمته على الجلوس في كرسي متحرك.
وكشف البروفيسور رشيد بوغربال، الطبيب الخاص للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، في لقاء مع صحيفة «النهار» الجزائرية، حيثيات الوعكة الصحية التي تعرض لها رئيس الجمهورية، وقال: «هي عبارة عن إصابة في شريان المخ أو ما يعرف بنوبة إقفارية عابرة أوقفت أجهزة الرئيس بوتفليقة العضوية لمدة تراوحت بين 10 و20 دقيقة، لتعود جميع الأجهزة إلى العمل بطبيعتها الصحية، مضيفا أن الرئيس كان يحرك جميع أعضائه، عكس ما تداول حول تعرضه لشلل نصفي».
وأضاف البروفيسور بوغربال أن الرئيس كان يلح على العلاج بالجزائر، «بوتفليقة طلب مني أن أقوم بكل ما بوسعي قصد العلاج في الجزائر، حيث استشارني حول احتمال أن يعالج في الجزائر، إلا أنني رفضت ذلك، ما جعل الطاقم يتأخر في نقله إلى مستشفى فال دو غراس بفرنسا». وأوضح أنه «لو توفرت هذه التحاليل بالجزائر لكان الرئيس أول من رفض الذهاب إلى الخارج»، وعن سر خروجه الإعلامي المتأخر قال الطبيب: «الرئيس بوتفليقة أمرني بالحديث مع الصحافة الجزائرية بكل وضوح حول صحته، كما أوصاني بالحذر في حالة الحديث إلى الصحافة الأجنبية لتفادي التأويلات الخاطئة والتهويل الإعلامي».

الشاذلي بن جديد..كان منهارا نفسيا وواجه الوضع بتلاوة القرآن
رغم أن الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد لا يختلف عن سابقيه من حيث الانتماء للجيش، إلا أن الجزائريين يعتبرونه عسكريا «ديمقراطيا». جاء لسدة الحكم بعد أن كان وزيرا للدفاع وأصبح بعد وفاة هواري بومدين رئيسا للجزائر خلافا لما كان يعتقد وقتها أن بومدين سيخلفه في كرسي الرئاسة إما عبد العزيز بوتفليقة أو محمد صالح يحياوي، وكان سباقا لتعديل دستور البلاد وفي عهده دخلت الجزائر عهدا جديدا حيث انتقل البلد سياسيا من حالة الأحادية الحزبية (حزب جبهة التحرير الوطني) إلى عهد التعددية الحزبية. توفي الرئيس الجزائري عن عمر يناهز الـ83 عاما، بالمستشفى العسكري بالجزائر العاصمة، وذلك بعد معاناة مع سرطان الكلي.
صبيحة الحادي عشر من يناير 1992، لم تكن عادية على الإطلاق، وبحلول المساء، وفي حدود الساعة الثامنة مساء بتوقيت الجزائر، بثت نشرة الأخبار على التلفزيون الجزائري، مشهد الرئيس الشاذلي بن جديد وهو يعلن تنحيه من المنصب.
قال خليفة بن جديد شقيق الرئيس الجزائري الشاذلي، متحدثا عن لحظة الاستقالة: «حللت بمنزل الرئيس في حدود الساعة العاشرة صباحا، أخبرني بقرار استقالته»، موضحا أن الراحل قضى أياما عصيبة ما بين 26 دجنبر 1991 إلى غاية إعلانه استقالته في 11 يناير 1992، فقد كان منهارا نفسيا ويواجه هذا الوضع الصعب بتلاوة القرآن، ملتزما بصلواته الخمس، وحث عائلته على تأديتها في وقتها.
وقال شقيق بن جديد إن الرئيس كان يحرص على أن يقرأ جهرا ما تيسر من الكتاب الحكيم، كان يتلو آية بعينها وهي: « يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ».
سيرحل الشاذلي إلى دار البقاء عن عمر يناهز ثلاثة وثمانين سنة بعد عشرين سنة من استقالته من رئاسة الجمهورية جراء إصابته بمرض السرطان، الذي ظل يعالجه في صمت.
وقالت حليمة بن جديد زوجة الرئيس الشاذلي، في حوار مع صحيفة «الحياة» اللبنانية، إن زوجها مات مقهورا من سلوك كثيرين كانوا يحيطون به، وتابعت المتحدثة بأن غالبيتهم طعنه في الظهر بالأفعال والأقوال، بعضهم قالت إنهم كانوا يحظون برعايته واهتمامه، وبعضهم الآخر كان يأكل من طعامه وملحه ويتغطى ببرنوسه، مضيفة أن الراحل أصيب بخيبة أمل كبيرة من هؤلاء، منهم شخصيات سياسية وعسكرية، مما زاد من تدهور وضعه النفسي قبل الصحي.

هل تنبأ الحسن الثاني بدنو أجل الرئيس الجزائري؟
يصر محيي الدين عميمور، الناطق الرسمي السابق باسم الجمهورية الجزائرية، على أن «السوفيات وحدهم من يعلم حقيقة المرض الذي أودى بحياة هواري بومدين»، قبل أن يوسع الدائرة العالمية لتشمل برأيه المخابرات المرتبطة بموسكو.
قال الراحل هواري بومدين عندما اشتد به المرض وهو في أحد مستشفيات الاتحاد السوفياتي سابقا، لوزير خارجيته عبد العزيز بوتفليقة: «علينا أن نعود الليلة إلى الجزائر، أريد أن أموت في فراشي». عبارة كانت كافية لشرح حالة الرجل العائد من آخر قمة عربية عقدت بدمشق، والتي كانت بعد التصدع الذي أحدثته مفاوضات كامب دايفيد التي عقدت بين الرئيس المصري أنور السادات وبيغن.
قبل ظهور أعراض المرض على الرئيس بومدين، حدث أمران في غاية الغرابة لم ينتبه أحد لهما إلا بعد وفاته، الأول كانت مكالمة من الملك الحسن الثاني اختتمها بقوله: «إذا لم نلتق مطلع العام فإننا لن نلتقي أبدا». أما الأمر الثاني، فهو وفاة كلبه المدلل «عنتر» حيث كان لبومدين كلبان، الأول «عنتر»، والثانى «كريم»، إذ ظل بومدين يشرف بنفسه على «العناية بهما»، وقبل ظهور أي أعراض مرضية عليه، وبينما كان الرئيس في طريقه إلى مقر عمله وجد مصادفة كلبه «عنتر» ملقى على الأرض ميتا، فنادى خادمه (حسين بن خبو) الذي نقل الكلب الميت إلى البيطري، وبعد عملية التشريح اكتشف أن الكلب مات مسموما. وعندما عاد الرئيس في المساء إلى بيته وجد أخته «يمينة» أمامه فقال لها: «عنتر مات مسموما والذي وضع السم لعنتر سيجعله لي أنا لاحقا».
هناك رسالة بعثها بومدين قبل وفاته إلى الملك الحسن الثاني وهي آخر رسالة جاءت ردا على رسالة الملك، كما وردت في مجلة «الصياد» اللبنانية التي نشرتها بتاريخ 15/12/1978، علما بأنها أرسلت ـ حسب المجلة السابقة ـ بتاريخ 21 أكتوبر 1978، وهي رسالة مثيرة للدهشة لجهة ما جاء فيها، ومع أنها طويلة وسبق أن نشرت في كتاب «اغتيال بومدين: الوهم والحقيقة». لخالد عمر بن قفه، جاء فيها:
صاحب الجلالة
«تسمحون لي يقينا بأن أرثي هنا للدبلوماسية العلنية التي تبدو وكأنها اليوم قد طغت على الدبلوماسية التقليدية. باستطاعتي أن أؤكد لكم منذ الآن أن الجزائر لن تتأخر أمام أي مجهود لتقديم مساهمتها المتواضعة في البحث عن سلام عادل بين المتحاربين في النزاع الدائر حاليا بالصحراء. لقد استطاع جلالتكم وأنا بالذات أن نرتفع بسياسة بلدينا طيلة سنوات عشر إلى مستوى التطلعات الطبيعية لشعبينا، اللذين تربطهما ـ كما تعلمون ـ روابط أقوى».
كانت هذه الرسالة أشبه بكلمات وداع.

حكاية استقدام محمد بوضياف من القنيطرة وتصفيته بعنابة
على الرغم من اعتقال ما سمي بقاتل الرئيس الجزائري محمد بوضياف إلا أن لغز الإجهاز على الرجل في مدينة عنابة وهو يلقي خطابا لازال غامضا. جيء بمحمد من المغرب ليرأس المجلس الأعلى للدولة الجزائرية خلفا للرئيس الشاذلي بن جديد فانتهى به الأمر جثة هامدة.
كان محمد بوضياف، من أكثر الجزائريين حماسا للثورة المسلحة، فهي في نظره الخيار الوحيد لإسقاط الاستعمار الفرنسي، وكان يردد أمام رفاقه: «سنعلن الثورة المسلحة ضد فرنسا، معكم أو بدونكم أو ضدكم لو لزم الأمر».
عرض عبد العزيز بوتفليقة على بوضياف منصب رئيس للجزائر مباشرة بعد الاستقلال، فرفض ذلك رفضا قاطعا، وقبل أحمد بن بلة، رفيقه في السجن الفرنسي، إلى جانب ما بات يعرف بـ «جماعة وجدة».
يصف محيي الدين عميمور محمد بوضياف «بالرجل الذي قضى عمره في المعارضة والرافض الاشتغال تحت سلطة العساكر، وبعد اعتقاله في الجنوب لمدة ثلاثة أشهر اختار المنفى في المغرب حيث واصل نشاطا معارضا ضد نظامي الرئيس بن بله والرئيس بومدين».
كان من الصعب إقناع بوضياف الذي قضى 28 سنة، معارضا لحكم بن بلة ثم بومدين، وبعد وفاة هذا الأخير خفت صوته تماما، وحل الحزب الذي كان يرأسه، وقرر التفرغ والاعتناء بأسرته وإدارة مصنع الآجور الذي كان يمتلكه في مدينة القنيطرة، وكان يعاني من أمراض غالبا ما يخفيها عن الصحافة الجزائرية.
شبه عميمور حادث اغتيال بوضياف في 29 يونيو 1992، بواقعة اغتيال الرئيس الأمريكي جون كينيدي، وقال إن تصفيته تمت «بصورة مأساوية لم تعرف كل ملابساتها، ليست بعيدة عن ملابسات اغتيال جون كينيدي».
يتقاسم كثير من المحللين الجزائريين «خطأ الاختيار»، ويؤكدون أن أكبر خطأ اقترفه بوضياف، أحد كبار الثوار الذين ساهموا في تحرير الجزائر، هو قبول عرض الجنرالات في يناير 1992، وعمره قد جاوز السبعين، وهو الذي رفض، عن حق و صدق، «عرض الكولونيلات» في سنة 1962، حين كان النشاط والإقدام يغمرانه.

علي كافي.. وجه من سرير المرض انتقادات لاذعة لنظام بوتفيلقة
توفي الرئيس الجزائري الأسبق علي كافي عن عمر يناهز خمس وثمانين سنة، بعد وعكة صحية أدخلته المستشفى العسكري «عين النعجة»، في العاصمة الجزائر، حيث لفظ آخر أنفاسه بعد عمر طويل نصفه قضاه في جبال الأوراس حيث معاقل مجاهدي الثورة الجزائرية زمن الاستعمار الفرنسي كعقيد في صفوف جيش جبهة التحرير الوطني الجزائري.
ويعد علي كافي، سادس رئيس دولة للجزائر المستقلة، تولى شؤون الرئاسة في فترة هي من أحرج الفترات التي عرفها التاريخ السياسي الجزائري الحديث، حيث ترأس المجلس الأعلى للدولة مباشرة بعد اغتيال رئيسه محمد بوضياف. ورغم أن البلاغ الرسمي يتحدث عن موت في مستشفى «عين النعجة» العسكري إلا أن أخبارا تحدثت عن وفاته في جنيف السويسرية، حيث كان يعالج في سرية تامة رغم اعتزاله السياسة.
اعتزل علي كافي السياسة وانزوى ببيته، ولم يكن يظهر على شاشة التلفزيون إلا في المناسبات الرسمية على رأسها أعياد الثورة والاستقلال، وترك الراحل وراءه صفحات من التاريخ في كتابه «مذكرات الرئيس علي كافي: من المناضل السياسي إلى القائد العسكري، 1946-1962».
لكن كافي هاجم، قبل وفاته، الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بشدة، فوصفه بـ «اللص والسارق والفاسد»، وقال أيضا إن الجزائريين ينبغي أن يرفضوا ترشح بوتفليقة لعهدة رابعة. قال كلامه هذا وهو في إقامته بالعاصمة الجزائرية، حيث يداوي مرضه في صمت.
وحسب صحيفة «الخير» الجزائرية فإن تصريحات علي كافي قد تمت سنة واحدة قبل وفاته أي الرئيس السابق كافي، ما جعل بوتفليقة يصفها بـ «تخاريف الشيخوخة». قبل وفاته أوصى علي أفراد أسرته بمكتبته، وطالب بإهدائها لوزارة الثقافة بعد أن حرص على إحصائها، وهي الوصية التي ظلت حاضرة في أذهان أفراد عائلة الرئيس الأسبق وقامت بإهداء محتوى مكتبته الخاصة إلى «المكتبة الوطنية الجزائرية».

فرحات عباس.. وضعه بومدين رهن الإقامة الجبرية وقام بتأميم صيدليته فمرض
تقفز كتب التاريخ فوق هذا الرجل الذي صنع جزءا من تاريخ بلد المليون شهيد، قاد الجزائر في فترة عصيبة غداة الحصول على الاستقلال، لكنه تنحى بفعل فاعل دون أن يغادر خندق المواجهة مع النظام. عباس كان أول رئيس لأول مجلس وطني تأسيسي جزائري.
انقلب هواري بومدين على رفيقه بن بلة وصار رئيسا للجزائر، لكن موقف فرحات عباس لم يتغير مما يسميه «الحكم الفردي» في الجزائر، فوقع على «بيان إلى الشعب الجزائري» سنة 1978.
يقول عبد القادر بن داود، الباحث في تاريخ الجزائر، إن بومدين تعامل مع فرحات عباس «من منطلق ضرورة الدولة والنظام». مرت سنوات من سوء الفهم بين فرحات عباس والسلطة في الجزائر، إلى أن جاء الرئيس الشاذلي بن جديد وقلده وسام المقاومة في أكتوبر 1984، سنة قبل وفاته يوم 23 دجنبر 1985، حيث رد له بن جديد بعض الاعتبار، في إطار المصالحة التاريخية، حيث كان عباس يعد الوصية الأخيرة له قبل أن يرحل، وهو ناقم على من وصفهم بالانتهازيين «الذين وضعوا أرجلهم على رقبة جزائر ما بعد الاستقلال».
في تأبينه قال أحد رفاق درب فرحات إن بومدين أساء التعامل مع رمز من رموز الجزائر، «حتى ولو أخطأ، فإن هذا الغلط يكون انعكاسه أقل خطرا من أن يكمم أو يفرض عليه لباس المجانين».
ندد الرجل بنظام الهواري، وبالحزب الواحد وبالصحافة الموالية للحزب، وأصدر نداء إلى الشعب قال فيه إن الدولة غائبة وأن البلاد بدون دستور وبلا سكة طريق. نتيجة لذلك وفي صبيحة 10 مارس1976 اقتحمت الشرطة منزل فرحات عباس حيث وضع تحت الإقامة الجبرية، كما تم تأميم صيدليته إضافة إلى تجميد حسابه البنكي، قطع عنه الهاتف وسحب منه جواز السفر.
في العام الموالي وتحديدا بتاريخ 13 يونيو 1977، تم رفع الإقامة الجبرية عنه لكن لم يتم إعادة جواز سفره وبالتالي لم يسمح له بالسفر إلا يوما واحدا بعد وفاة الرئيس هواري بومدين، حيث كان يسعى للعلاج في الخارج.
الوصية الأخيرة التي تركها الراحل والمنشورة بعد ربع قرن من رحيله بعد أن اختير لها كعنوان العبارة التي ختم بها: غدا يطلع النهار. وفي آخر أيامه كمسؤول، كان شاهدا على اتفاقية وقعتها الرباط يوم 6 يوليوز سنة 1961 مع فرحات عباس، رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية، يعترف بوجود مشكل حدودي بين البلدين، وينص على ضرورة بدء المفاوضات لحله مباشرة عند استقلال الجزائر، لكن ما أن فتح المغاربة الحوار، حتى غضب الجيران.
بتاريخ 24 دجنبر 1985 توفي عباس بالعاصمة بعد مرض عضال لم يفصح عنه، ودفن بمقبرة العالية، لكن الغريب في حفل تأبينه هو انقطاع التيار الكهربائي عن قاعة الحفل في الجزء الأول من النشيد الوطني.

بن بلة.. داهمه المرض وتحول إلى داعية ديني
يعد أحمد بن بلة أول رؤساء الجزائر بعد الاستقلال، حيث قاد البلاد من 15 أكتوبر 1963 إلى 19 يونيو 1965. رغم أنه من مواليد مدينة مغنية المتاخمة للحدود مع المغرب، إلا أنه قضى فترة طويلة من حياته في وجدة ومدن الشرق المغربي. لذا كان الرجل محقا حين قال قبل سنة من وفاته «أنا ذو أصول مغربية»، مع ما ترتب عن هذا التصريح من «بوليميك» سياسي. ورغم أن مقامه بالمغرب كان قصيرا، إلا أن الرئيس الجزائري الأسبق أحمد بن بلة، فجر قبل وفاته مفاجأة من العيار الثقيل، حين قال إنه مغربي الانتماء، وهو ما جعل المغاربة يتلقون العزاء في فقدانه على غرار الجزائريين، رغم ما عرفته واقعة دفن جثمانه من توتر سياسي بين الجزائريين والوفد الرسمي.
في 19 يونيو 1965، عزل بن بلة من طرف مجلس الثورة، حيث انقلب عليه عسكريا وزير الدفاع العقيد هواري بومدين مع طاهر زبيري ومجموعة وجدة، بتهمة «الانحراف عن أهداف الثورة»، وقرر بومدين بعد توليه الحكم وضع سابقه بن بلة رهن الإقامة الجبرية. وحين غادرها سنة 1980، أي بعد وفاة بومدين، شرع في كتابة العديد من المؤلفات الدينية، بعد أن تشبع برصيد كبير من روح الإسلام، حتى قيل إنه «إخواني» الانتماء، إذ خلف رصيدا كبيرا من المؤلفات منها: «خطاب التوجيه» و»حول الإسلام والنظام العالمي الجديد» وكتاب «أي دور للإسلام في ولادة العالم الجديد»، ثم «الإسلام والثورة الجزائرية».
في حوار أجرته صحيفة الشروق الجزائرية مع شقيقة بن بلة، وتدعى الحاجة يمينة بن بلة، أوردت فيه، أنه «كان آخر شخص هاتفه المرحوم، هو أنا أخته، قبل أن يدخل في الغيبوبة وقال لي اشتقت إليك كثيرا يا أختي الحبيبة».
زاره في المستشفى أحد العسكريين الذي شارك في عملية الانقلاب عليه في 1965 وقال له: «اسمح لي يا أخي كنت عبدا مأمورا، ونفذت أوامر بوخروبة أي بومدين».
في 11 أبريل 2012، توفي أحمد بن بلة في الجزائر عن عمر يناهز 96 عاما بعد إصابته بوعكة صحية مزمنة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى