الرئيسية

المحكمة الدستورية تصفع الرميد

 

 

محمد اليوبي

 

بعدما صرحت في قرارها السابق بأن النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، المعروض على نظرها، يتعذر على الحال، البت في مطابقته للدستور وللقانونين التنظيميين المتعلقين بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية والنظام الأساسي للقضاة، رفضت المحكمة الدستورية 10 مواد من النظام الداخلي للمجلس الأعلى للسلطة القضائية، الذي أحاله إليها الرئيس المنتدب لهذا المجلس رفقة كتابه المسجل بأمانتها العامة في 15 غشت الماضي، واعتبرت المحكمة هذه المواد مخالفة للدستور، فيما وافقت على باقي مواد النظام الداخلي لمطابقتها لأحكام الدستور.

وأكدت المحكمة أن المادة الخامسة مخالفة للدستور، حيث إن هذه المادة تنص على أنه «تطبيقا للمادة 113 من القانون التنظيمي، يسهر الرئيس المنتدب على تتبع تنفيذ الاتفاقيات المبرمة مع المجلس، ويعمل على إحاطة أعضاء المجلس علما بمضمونها»، كما أن المادة 113 المذكورة تنص على أنه «يمكن للمجلس أن يقيم، في مجال اختصاصه، علاقات تعاون وشراكة مع المؤسسات الأجنبية المماثلة وكذا الهيئات الأجنبية المهتمة بقضايا العدالة من أجل تبادل المعارف والتجارب ونقل الخبرات…». واعتبرت المحكمة أن عبارة «يعمل على إحاطة أعضاء المجلس علما بمضمونها»، الواردة في المادة 5 المذكورة، يستفاد منها أن أعضاء المجلس لا يطلعون على مضمون الاتفاقيات إلا بمناسبة تنفيذها أو تتبع تنفيذها، وهو ما يخالف ما نصت عليه المادة 113 المذكورة من أن المجلس هو الذي يقيم علاقات تعاون وشراكة مع المؤسسات والهيئات الأجنبية الشبيهة والمماثلة.

وبخصوص المادة 17 من النظام الداخلي، التي تنص على أنه «يقوم المجلس بنشر نتائج أشغاله النهائية المتعلقة بتعيين المسؤولين بمختلف المحاكم وبتعيين القضاة في السلك القضائي فور موافقة الملك عليها، وتنشر باقي النتائج النهائية لأشغال كل دورة من دورات المجلس فور اتخاذها من طرف المجلس…»، واعتبرت المحكمة أن المطلوب من النظام الداخلي أن يحدد كيفية نشر نتائج الأشغال النهائية للدورة في كليتها دون تمييز لمواضيعها سواء تعلقت بمجال التعيين أو الترقي أو التأديب أو غيرها، وأكدت أن التمييز الذي أقرته المادة، بخصوص طريقة نشر أشغال دورة المجلس، ليس له سند في القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وحيث إن نشر مقررات أشغال دورات المجلس مباشرة بعد اتخاذها، ودون إطلاع الملك عليها، لا يراعي ما قرره الدستور من أن الملك هو الذي يرأس المجلس الأعلى للسلطة القضائية (الفصل 56)، وأنه الضامن لاستقلال السلطة القضائية (الفصل 107)، مما تكون معه المادة 17 المذكورة غير مطابقة للدستور.

كما رفضت المحكمة الدستورية مجموعة من المواد المتعلقة بوضع الشكايات لدى المجلس، معتبرة معالجة التظلمات والشكايات، يتوقف بدءا على تحديد طرق تلقي الشكايات والتظلمات، وإيرادها بشكل صريح داخل النظام الداخلي حتى يتأتى للمعنيين بها معرفتها والمفاضلة بينها لتوجيه شكاياتهم وتظلماتهم، وأشارت إلى أن ما نصت عليه الفقرة الأخيرة من المادة 48 المذكورة، من تلقي الشكايات والتظلمات «بأي وسيلة يعتبرها المجلس ملائمة»، دون تحديد هذه الوسيلة بشكل إجرائي، يعد مساسا بحق المواطنين في معرفة، وبشكل قبلي، الوسائل التي تمكنهم من الولوج إلى المجلس الأعلى للسلطة القضائية لتقديم شكاياتهم وتظلماتهم. كما اعتبرت المحكمة الدستورية أن المادتين 49 و50 لا تجدان في ما نصتا عليه من شروط، سندا في القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية، وتكونان غير مطابقتين له.

وحسب قرار المحكمة، فإن شعبة الشكايات أو التظلمات المشار إليها في المادتين 51 و52، لا تظهر في الهياكل الإدارية المحدثة بمقتضى النظام الداخلي، ولم يرد انتظامها في أي قطب من الأقطاب المحدثة.

وأضاف القرار، علاوة على ذلك، أن تخويل شعبة، غير محددة طريقة تشكيلها ولا مكانتها ضمن الهياكل الإدارية، مهام فحص جدية الشكايات والتظلمات، والاتصال بالمسؤولين القضائيين قصد التحقق من البيانات المضمنة فيها، وتلقي ملاحظاتهم عند الاقتضاء، يعد مندرجا في صميم إجراء البحث والتحري الضروريين، وهو ما لا يمكن أن يناط إلا بالأجهزة المؤهلة للقيام به، خصوصا وأن الشكايات أو التظلمات يمكن أن تكون مقدمة لتحريك المسطرة التأديبية تجاه القضاة المعنيين، واعتبرت إحداث أجهزة إدارية لتلقي الشكايات أو التظلمات، يجب أن يقترن بحصر مهامها في التدبير والمعالجة، دون أن يمتد عملها إلى تجهيز ملف الشكايات والتظلمات من الجانب القضائي، اعتبارا للضمانات التي خص بها الدستور والقانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية المسطرة التأديبية، سيما تخويله لقضاة مفتشين من ذوي الخبرة القيام بمهام البحث والتحري.

وبناء على ذلك، خلصت المحكمة إلى أن عدم تحديد مكانة شعبة الشكايات والتظلمات داخل الهياكل الإدارية للمجلس وعدم ترتيب مضمون موادها، وتخويلها مهام الاتصال بالمسؤول القضائي والتحري بشأن موضوع الشكايات والتظلمات مع إغفال ضمانة الاستماع إلى المشتكى به، يعد مخالفا للمادتين 86 و87 من القانون التنظيمي المتعلق بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى