شوف تشوف

الرئيسيةالملف السياسي

«الميركاتو» الانتخابي…صحاب «الشكارة» يشعلون «بورصة» التزكيات

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
على بعد أشهر قليلة من موعد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، افتتح الأمناء العامون للأحزاب السياسية «بورصة» التزكيات الانتخابية، وبدأت التحركات داخل الأحزاب الكبرى لاستقطاب «أصحاب الشكارة» وأعيان الانتخابات في مختلف الجهات، وكثيرا ما تعرف المرحلة التي تسبق أي انتخابات، سواء كانت متعلقة بالاستحقاقات الجماعية والجهوية، أو انتخابات تجديد أعضاء مجلس النواب، ظاهرة «الترحال السياسي»، الذي تظهر فيه «كائنات انتخابية»، تكون منتمية في الأصل إلى أحزاب معينة، وسرعان ما تقرر خلع معطف حزب وارتداء جبة حزب سياسي آخر، بسبب ما أضحى يعرف بالاستقطاب الحزبي، فضلا عن الاستقالات الجماعية التي غالبا ما تكون مرتبطة بالصراع حول التزكيات الانتخابية.

مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية، تعرف جل الأحزاب السياسية إن لم قل كلها، حراكا داخليا، ليس من أجل التنافس والاجتهاد في وضع برامج ترقى إلى طموحات المواطنين، وإنما من أجل انتزاع تزكية حزبية تشكل بالنسبة إلى البعض مفتاح الترقي الاجتماعي والحصول على «صفة» برلماني أو رئيس جماعة أو مستشار جماعي، وهي الصفة التي «يناضل» من أجلها أعيان الانتخابات، لأنها تفتح في وجوههم كل الأبواب وتجعلهم يكسبون «الجاه» ومكانة متميزة داخل المجتمع، خاصة عندما تختلط السياسة بالمال والأعمال، وتختلط المصالح العامة مع المصالح الشخصية، لذلك لا غرابة في وجود «كائنات» تحترف الانتخابات ولا تحترف العمل السياسي، بإمكانها الحصول على مقعد برلماني أو مقعد داخل مجلس جماعي ولو ترشحت بأي لون سياسي، هذه «الكائنات الانتخابية» نجدها في كل موسم انتخابي تغير جلدها.

الترحال السياسي
من بين ما يواجهه المرشحون، الذين يقررون تغيير الأحزاب مع اقتراب كل محطة انتخابية، المصير الغامض المتعلق بالصفات الانتخابية التي تكون لديهم. ففي حال غير أي سياسي حزبه القديم بحزب جديد، القانون يجرده من صفته القديمة، ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية والجهوية والجماعية المقبلة، سيكون كل من غير حزبه، وترشح باسم حزب آخر، معرضا مثلا لفقدان صفته في البرلمان أو مجلس جماعي أو غرفة مهنية أو مجلس العمالة، ما يجعل البعض يطالبون أحزابهم الأصلية بتفعيل قرار الطرد في حقهم، وهو ما يخول لهم الاحتفاظ بمناصبهم، لأن القانون يمنع القياديين والأعضاء العاديين من الترحال أو الانتماء إلى حزبين في نفس الوقت، وتنص المادة 21 من قانون الأحزاب السياسية على أنه «لا يجوز لأي شخص أن ينخرط في أكثر من حزب سياسي في آن واحد»، وتنص المادة 20 من القانون على أنه «لا يمكن لعضو في أحد مجلسي البرلمان أو في مجالس الجماعات الترابية أو في الغرف المهنية التخلي عن الانتماء للحزب السياسي الذي ترشح باسمه للانتخابات، تحت طائلة تجريده من عضويته في المجالس أو الغرف المذكورة»، كما أن قانون الأحزاب ينص على معاقبة المخالفين له بغرامة مالية تتراوح ما بين 20 ألفا و100 ألف درهم في حق الأشخاص الذين ينخرطون في أكثر من حزب سياسي.
وتنتشر ظاهرة الترحال السياسي في هذه المرحلة بالذات، التي تسبق موعد إجراء الانتخابات التشريعية الخاصة بأعضاء مجلس النواب، بالنظر إلى عدد من الأسباب الموضوعية، غير أنه من الناحية القانونية، المسطرة القانونية واضحة، إذ لا يمكن إطلاقا لأي شخص أن يترشح باسم حزبين، كما تشير إلى ذلك المادة 21 من القانون التنظيمي المتعلق بالأحزاب السياسية‎، فيجب عليه أن يقدم استقالته من الحزب الأول، حتى يكون في حالة قانونية للترشح باسم حزب ثان، وفي حال كان أمين عام الحزب الأصلي، وجب حل الحزب، حتى يصير منعدم الوجود، وبالتالي يكون من حقه الترشح باسم أي حزب أراد، وسبق للمجلس الدستوري أن أصدر قرارات في هذا الشأن، خصوصا في ما يتعلق بالنواب البرلمانيين، والأمر نفسه لم يعد مقتصرا فقط على المستويين المحلي والجهوي، بل أصبح يشمل حتى قياديي الأحزاب على المستوى الوطني.
ومع اقتراب موعد الانتخابات، هناك أسماء كثيرة تريد تغيير المعطف السياسي، بداعي البحث عن معطف آخر، والأمر ذاته بالنسبة للأحزاب، التي تبحث عن مرشحين هم في الحقيقة «أعيان الانتخابات» أو «أصحاب الشكارة»، في حين تتجاهل الأُطر الحزبية التي تتوفر على الإمكانيات المادية والعلاقات القبلية بالقرى أو الامتداد داخل الأحياء الشعبية بالمدن الكبرى، بمبرر ضمان الحصول على أصوات انتخابية، وبالتالي مقاعد أكثر في مجلس النواب، غير أن هذا يثير إشكالية مدى الالتزام بالانتماء الأصلي للحزب، والظاهرة أضحت تهم رموز أحزاب كبيرة وهذا يطرح إشكالا أخلاقيا وسياسيا أكثر منه قانوني، وهنا مربط الفرس الذي يفسر هذه الظاهرة الموسمية، فهذا إشكال قديم جديد بالنسبة إلى متتبعي سوسيولوجيا الانتخابات بالمغرب، الذي يتمحور حول الخزان الانتخابي نفسه، والذي يتم اجتراره وتقاسمه مع الأحزاب الأخرى، وأحيانا الصراع حوله، لأن الأحزاب تتصارع حول الأحصنة الانتخابية الرابحة، التي تشكل أوراقا رابحة يمكنها أن تضمن الفوز، وتهمل القياديين والأسماء الوازنة التي غالبا ما تكون عبارة عن أطر قيادية، وغالبا ما تحدث صراعات في هذه المرحلة بالذات، وهذا ما يفسر استفحال الاحتجاجات والاستقالات والانتقال من هنا وهناك.

«بورصة» التزكيات
خلال كل موسم انتخابي، يكثر الحديث داخل الأحزاب السياسية عن ظاهرة «البيع والشراء» في التزكيات الانتخابية، وتشتعل المضاربات بين «أصحاب الشكارة»، حيث سعر التزكية يساوي الملايين في حال وجود منافسين أقوياء فوق حلبة المنافسة داخل نفس الدائرة الانتخابية، وهناك زعماء أحزاب راكموا ثروات طائلة من الاتجار في التزكيات الانتخابية، وهو ما يفسر في بعض الأحيان السباق المحموم حول المسؤوليات الحزبية الجهوية والمحلية، والتي تتيح بدورها للمسؤولين المحليين والجهويين للأحزاب السياسية، بدورهم «بيع» التزكيات للاستحقاقات الانتخابية المحلية، وأصبحت هذه الظاهرة مقترنة تقريبا بجل الأحزاب السياسية، وتتحول الساحة الانتخابية إلى مثابة سوق بكل معنى كلمة السوق، يكون فيه «بائع» وهو المسؤول الحزبي، و«المشتري» وهو الشخص الراغب في الترشح للانتخابات، ويكون فيه السماسرة و«الشناقة» الذين يتوسطون بين الطرفين أو يساهمون في إشعال سعر التزكيات.
وتابع الرأي العام، تزامنا مع الصراعات الداخلية التي عرفها حزب الأصالة والمعاصرة، كيف تسربت معلومات حول جمع الملايير من «بيع» التزكيات الانتخابية، وصلت إلى درجة تبادل الاتهامات بين قادة الحزب، عندما طالب بعضهم بالكشف عن مصير المبالغ المالية التي جمعها في إطار الاستعداد للانتخابات الجماعية والتشريعية لسنة 2016، وتقدر قيمة هذه المبالغ بحوالي 21 مليارا، صرفت منها 16 مليارا في ظروف غامضة خلال الحملة الانتخابية، وبقي منها مبلغ 4 ملايير و500 مليون سنتيم بحوزة قيادي بارز.
وسبق للهيئة المركزية لمحاربة الرشوة أن طالبت بمراقبة استخدام أموال الحملات الانتخابية، مع تضمين قانون الأحزاب مقتضيات تنص على المسؤولية المدنية للأحزاب في ما يتعلق بجميع أفعال الفساد المرتكبة من طرف المترشحين للانتخابات المنتسبين إليها، بما يتفق مع مقتضيات المادة 26 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد. وحسب دراسة أنجزتها الهيئة حول «بناء منظومة للحكامة الجيدة على المستوى الترابي»، تقترح من خلالها وضع إجراءات تعاقدية تضمن التزام الأحزاب في اختيارهم للأشخاص المرشحين للانتخابات بمبدأ التطابق بين البرنامج الحزبي الانتخابي وبين المرشحين المؤهلين لتنفيذه، خاصة من خلال تقديم البرامج خلال الحملات الانتخابية مصحوبة بنبذة تعريفية بمؤهلات المرشحين الذين سيضطلعون بتفعيلها، وذلك لتوفير فرص موضوعية أمام المواطنين لممارسة اختياراتهم السياسية، مع تضمين قانون الأحزاب مقتضيات تنص على المسؤولية المدنية للأحزاب في ما يتعلق بجميع أفعال الفساد المرتكبة من طرف المترشحين للانتخابات المنتسبين إليها، بما يتفق مع مقتضيات المادة 26 من الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد.

إعادة تزكية المفسدين
هناك عشرات الملفات القضائية تخص رؤساء الجماعات الترابية من مختلف الأحزاب السياسية، التي تفجرت أخيرا، والمعروضة على غرف جرائم الأموال بمختلف المحاكم، أو الواردة في تقارير المجلس الأعلى للحسابات والمفتشية العامة للإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، وتؤكد هذه الملفات أن الفساد يضرب أطنابه داخل المجالس المنتخبة، وأصبح السباق نحو رئاسة المجالس الجماعية بمثابة ورقة رابحة من أجل الاغتناء السريع على حساب المال العام، وهناك العديد من رؤساء الجماعات، الذين أصبحوا بين عشية وضحاها من كبار الأثرياء بعد قضائهم فترة وجيزة على رأس الجماعات الترابية، ويصرفون أموالا باهظة في حملاتهم الانتخابية للحفاظ على مناصبهم.
والآن مع اقتراب موعد الاستحقاقات الانتخابية التشريعية والجماعية، وانطلاق السباق نحو الحصول على التزكيات الانتخابية، فإن الأمناء العامين للأحزاب السياسية يتحملون مسؤولية المساهمة في تخليق الحياة العامة ومحاربة الفساد، إذ لا يعقل أن يحصل برلماني أو رئيس جماعة متابع أمام غرفة جرائم الأموال، مرة أخرى، على التزكية للترشح إلى الانتخابات، خاصة أن وزير الداخلية أصدر أخيرا دورية موجهة إلى الولاة والعمال من أجل حث رؤساء الجماعات على «تزيار السمطة» للحفاظ على المال العام في ظل تداعيات أزمة كورونا، خاصة أن جل الجماعات الترابية تحولت إلى مرتع لتفشي الفساد والريع واختلاس وتبذير المال العام، كما جعل رؤساء من بعض الجماعات «بقرة حلوبا» للاغتناء الفاحش.
لذلك، فإن هذا الوضع يفرض ضرورة مراجعة القوانين الانتخابية وإعادة النظر في الشروط المطلوبة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى