حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

شوف تشوف

النموذج الألماني

الحكومات المتعاقبة في المغرب استثمرت في المنعشين العقاريين وأهملت الاستثمار في الأطباء المنعشين. لذلك فعندما ستوفر الحكومة ثلاثة آلاف سرير إنعاش فهل سيكون لدينا من يشغلها كاملة؟
أتمنى ألا نحتاج إلى استعمال كل هذه الأسرة وأن تنجح السلطات والأطر الطبية في تجنيب المغرب هذا السيناريو.
الذين يعلقون اليوم بغضب على تلك الفيديوهات التي يسجلها بعض المصابين بكورونا في غرفهم بالمستشفيات، وهذه ظاهرة مغربية فريدة إذ ليس هناك مستشفى واحد في العالم يسمح للمرضى بتصوير أنفسهم في غرفه وأجنحته كما لو أنهم سياح في فندق، كان عليهم أن يغضبوا عندما قرر بنكيران رئيس الحكومة السابق أنه حان الوقت لكي ترفع الدولة يدها عن الصحة والتعليم، وكان عليهم أن يغضبوا عندما قال رئيس الحكومة السابق إن الطبيب ليس محتاجا للمعدات لكي يعالج المرضى بل هو بحاجة فقط لكي يعاملهم بلطف لكي يتماثلوا للشفاء، وكان عليهم أن يغضبوا عندما تم التصويت بتخفيض ميزانية 2017 الخاصة بالصحة، كما كان عليهم أن يغضبوا عندما كانت الأطر الصحية تحتج في شوارع العاصمة على ظروفها المادية والمهنية المزرية.
أما أن تقبل كل هذا راضيًا وتأتي اليوم لكي تعبر عن غضبك في الفيسبوك من الإهمال الذي يتعرض له مريض بسبب مطالبة الطاقم الطبي لهذا الأخير بأن يخلع ثيابه أو أن يقضي حاجته في كلاس عوض المرحاض، فاسمحوا لي أن أقول لكم إن البكاء خلف الميت خسارة. كان عليكم أن تغضبوا عندما كنا نعارض قرارات الحكومة التي حطمت دعائم الصحة العمومية وتسببت في تهجير الآلاف من الأطر الطبية، أما الآن وفي أوج حالة الطوارئ الصحية المعلنة فليس أمامكم سوى أن توفروا غضبكم لأنفسكم والصبر وانتظار انقشاع هذه الغمة.
ولعل المفارقة العجيبة التي نشاهدها اليوم هي أن لدينا أجانب يصورون فيديوهات يشكرون فيها الطواقم الطبية المغربية ورجال الأمن والسلطات المحلية والوقاية المدنية على تفانيهم في أداء واجبهم الوطني والإنساني، وفي الوقت نفسه لدينا مغاربة يصورون فيديوهات يسفهون فيها جهود هؤلاء جميعا، لأسباب قد تبدو وجيهة في زمن السلم لكنها تبدو تافهة في زمن الحرب هذا الذي نعيشه.
اليوم السؤال الذي يشغل بال المغاربة ليس هو ظروف الإيواء والأكل في المستشفيات، فهم يرون في نشرات الأخبار المرضى في إسبانيا وإيطاليا وأمريكا ينامون في الكولوارات ويسمعون الأطباء أنفسهم يشتكون من قلة الإمكانيات وكثير منهم يموت بالعدوى، مع أن هذه الدول يتعدى دخلها القومي دخل المغرب بمرات ومرات، لكن ما يشغل بال المغاربة اليوم هو سؤال ارتفاع نسبة الوفيات وانخفاض نسبة المتعافين بالمقارنة بدول أخرى. بالنسبة لمدير مديرية الأوبئة فالنسبة عادية جدا وهي مستقرة في الحدود العالمية.
حسب متخصصين مطلعين على ما يجري فعدد المتعافين سيعرف ارتفاعا مهما بدءا من الأسبوع المقبل، لماذا؟ لأن أغلب المصابين تم تشخيص حالتهم في 10 أيام الماضية، ووزارة الصحة لا تعطي الإذن للمرضى الذين تعافوا بالمغادرة إلا إذا كانوا قد تعافوا بالفعل بعد الخضوع لتحاليل مدققة. لذلك فمن المنتظر أن يغادر الأسبوع المقبل عدد لا بأس به من المتعافين مستشفيات المملكة.
وما جعل نسبة الوفيات مرتفعة هو أن التحاليل المخبرية كانت تستهدف المرضى المحتملين الذين تظهر عليهم أعراض الوباء المعتادة، وهؤلاء غالبا ما يصلون إلى المستشفيات بعد وصول الإصابة مراحل متقدمة.
شيء جيد أن يقتني المغرب أسرة إنعاش لكي يصل العدد إلى ثلاثة آلاف سرير. لكن يجب إرفاق ذلك بالفحوصات المكثفة والعاجلة والمستمرة.
فرنسا وقعت في الخطأ نفسه وركزت في البدء فقط على أسرة الإنعاش عوض التركيز على إجراء الفحوصات بالموازاة، والنتيجة أنها أصبحت تصدر مرضاها إلى مستشفيات ألمانيا التي يجري أطباؤها 500 ألف فحص أسبوعيا، مما جعل ألمانيا، رغم احتلالها المركز الرابع عالمياً من حيث عدد الإصابات بفيروس كورونا، إلا أن عدد الوفيات عندها مقارنة بالدول الأوروبية الأخرى لا يزال منخفضاً.
قبل يومين قال رئيس الحكومة إن وتيرة الفحوصات سوف تعرف ارتفاعًا كبيرًا بعد اقتناء 100 ألف جهاز فحص. نتمنى ذلك، فالفحوصات هي الطريقة الوحيدة التي تغلبت بها كوريا الجنوبية على العدوى وسارت على نهجها ألمانيا رغم أنها تملك خمسة وعشرين ألف سرير مجهز بأجهزة تنفس صناعي في أقسام العناية المركزة.
النموذج الفرنسي في مواجهة كورونا أثبت فشله، فيما النموذج الألماني أثبت نجاحه.
إنه من الحكمة أن نتبع الناجحين ونتجنب اتخاذ الفاشلين قدوة.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى