شوف تشوف

الأمير والبغرير

من تابع تعليقات سكان شبكات التواصل الاجتماعي، حول زيارة الأميرة ميغان وزوجها الأمير هاري للأطلس سيلاحظ أنها ركزت على نقش الحناء الذي وضعته الأميرة على ظاهر كفها.
البعض شعر بالإهانة بسبب هذا النقش، كما لو أن الأمر يتعلق بإهانة لرمز من الرموز الوطنية، فالنقش بالحناء هو أحد الفنون التي تتقنها النقاشات المغربيات، ولذلك فقد اعتبرن أن النقش الذي ظهر على كف ميغان لا يمثلهن، فهو نقش عادي لا يليق بكف أميرة.
والحال أن النقش الذي وضعته على كف الأميرة طفلة من الأطلس يحمل دلالة رمزية كبيرة، فهو يرمز للفأل الحسن بالنسبة للمولود الذي تحمله الأميرة في بطنها، وقيمة النقش ليست في شكله بل في رمزيته.
الناس العاديون يعتقدون أن زيارة الملوك والأمراء لبلادنا تكون تلقائية وعفوية، والحال أن كل حركة وكل سكنة تكون مدروسة مسبقا ولا مجال فيها للارتجال.
لذلك فالناس العاديون يجهلون أن الحناء التي نقشت بها الأميرة ميغان خضعت لتحليلات قبل الاستعمال، خصوصا بعدما شاع في صحافة الغرب من حالات لاحتراق جلود سياح نقشوا لهم أطرافهم في بعض الساحات بمواد كيماوية حارقة كالدوليو، كما أن الطفلة النقاشة تم اختيارها مسبقا، مثلها مثل الطفلتين اللتين كانتا تحملان العلم المغربي والبريطاني واللتين يندر أن ترى مثلهما في جبال الأطلس المغربي، فأطفالنا في الجبال يعانون من سوء التغذية، “وخناينهم ديما سايلا” بسبب أعراض البرد، كما أن أقدامهم حافية، والمحظوظ بينهم لديه “صندالة” بلاستيكية.
ولذلك فالبروتوكول البريطاني بكل صرامته كان حاضرا بقوة خلال هذه الزيارة، إلى درجة أن الأميرة الحامل في شهورها الأخيرة اعتذرت عن تناول حبة تمر من الطبق الذي يقدم للضيوف انسجاما مع البروتوكول المغربي، لكنها استدركت وتذوقت حريرة الشيف موحا وقضمت من نفس البغريرة التي تذوقها زوجها الأمير هاري.
وقد علق الساخرون في وسائل التواصل الاجتماعي على بغريرة الأمير هاري قائلين “هل تعلم أن فطيرة البغرير المغربي خلقت أزمة في بريطانيا إلى درجة وصل صداها إلى أستراليا وكندا ونيوزيلاندا؟ نعم الطريقة التي أكل بها الأمير هاري البغريرة جعلت الصحافة الإنجليزية تصفه “بالإنجليزي الشره” كما علق أحدهم في موقع “الديلي إكسبريس” البريطانية، منتقدا تصرف الأمير هاري الذي طوى البغريرة في يده ودفعها دفعا في اتجاه فمه ثم بلعها دون مضغ، متشبها بالعامة، ودون أدنى احترام منه، حسبهم، للتقاليد المرعية وللتاج ولآداب الأكل الملكية.
ورد آخرون هذا السلوك في الأكل إلى التأثير السلبي الذي تمارسه ميغان القادمة مِن وسط شعبي على الأمير سليل التاج البريطاني.
فيما علق آخر على هذه التعليقات قائلا “هادا غير بغريرة ورونتهم، كون وكلوه الحلبة كانت غادي تنوض الحرب العالمية”.
وما أثار انتباهي شخصيا في الفتيات اللواتي تم اختيارهن للسلام واستقبال الأميرة ميغان والأمير هاري هو كون تسعين بالمائة منهن محجبات، ومنهن من ارتدين غطاء رأس بثوب ولون مماثل، رغم أن تلميذات المدارس المغربية لسن جميعهن محجبات.
ويبدو أن التاج البريطاني ومعه المؤسسات الساهرة على مصالح بريطانيا في الدول الإسلامية، يحرصان أيما حرص على استحضار المكون الإسلامي وإبرازه خلال زيارات رؤسائها وأفراد العائلة الملكية إلى هذه الدول.
وما حرص بريطانيا العظمى على رعاية مؤسسات تعليمية في الأطلس ونشر وتشجيع تعلم اللغة الإنجليزية في تلك المناطق سوى جزء من جبل الجليد الذي يخفي الحروب الطاحنة للغات الأجنبية في المغرب، خصوصا بين الفرنسية والإنجليزية.
فالصراع يبدو لغويا في ظاهره لكنه في نهاية المطاف صراع على النفوذ التجاري والاقتصادي.
لا يجب أن ننسى بهذا الخصوص أن بريطانيا قررت مؤخرا توجيه استثمارات ضخمة نحو المغرب، خصوصا في مجال التنقيب عن الغاز والبترول وبقية مصادر الطاقة الثمينة، ولذلك فالسفير الذي عينته لندن في الرباط لديه علاقات جد وطيدة مع مدراء وشركاء شركات بترولية كبيرة.
وستبقى هذه الزيارة بالنسبة للصحافة البريطانية ذات طعم مر في الحلق، خصوصا بعدما تعذر على المصورين المرافقين للأميرين الحصول على معدات تصويرهم التي بقيت في مطار هيثرو ولم يتم شحنها، وقد عبر هؤلاء الصحافيون عن تذمرهم من هذا الأمر في تغريدات متفرقة، وحاولوا ربط هذا المشكل بتأخر موعد إقلاع طائرة الأميرين من هيثرو، رغم أن المسؤولية، والعهدة على لارام، يتحملها الضباب اللندني، فيما عتادهم الصحافي تم شحنه في طائرة تابعة لشركة طيران أخرى، ومع ذلك قرروا مهاجمة لارام دون غيرها.
وهكذا فإذا كان منظمو زيارة الأميرين للمغرب قد قرروا أن تكون عبر طائرة عادية في الدرجة الاقتصادية فعليهم أن يتوقعوا مثل هذه “العذابات الصغيرة” التي يعيشها يوميا المسافرون العاديون.
والواقع أن السبب في اختيار السفر عبر الدرجة العادية وقرار أن يكون سفرهما وظهورهما في المغرب بسيطا وغير مكلف، يعود إلى الحملة المفترسة التي تشنها الصحافة البريطانية حول نزوع الأميرة ميغان نحو مظاهر البذخ والإنفاق المبالغ فيه، فالملكية في بريطانيا غنية ولديها مشاريعها ورؤوس أموالها الخاصة لكنها تتجنب إثارة غضب الإنجليز باستعراض ممتلكاتها، لذلك فالملكة، وعبر “مصادرها الصحافية” صارمة في محاربة كل فرد من أفراد العائلة يتجرأ على استعراض مظاهر الثراء في المناسبات العامة أو الخاصة.
ولذلك فزيارة هاري وميغان للمغرب كانت مناسبة أيضا للقطع مع صورة الأميرة المبذرة والمختالة، والعودة لشخصية المتدربة العفوية والبسيطة التي لعبتها في السلسلة التلفزيونية “سيوت” التي ظهر فيها نجمها.
والواقع أن الصحافة البريطانية، الفضائحية والواسعة الانتشار منها، تتقفى آثار أفراد الأسرة الملكية بالفتيلة والقنديل، وأحيانا تختلق أخبارا وتبالغ في الوصف لمجرد إثارة الانتباه وسحب آلاف النسخ الإضافية من العدد.
مبالغات صحيفة الديلي ميرور مثلا وصلت حدا وضعت معه هذا العنوان الكبير في صفحتها الأولى بخصوص الزيارة: “الأميران هاري وميغان يطيران نحو منطقة الخطر”.
وحسب الصحيفة فالمغرب الذي شهد حركة احتجاجية في ذكرى عشرين فبراير للأساتذة المتعاقدين وسط الرباط هو منطقة خطرة، ولذلك فالاستخبارات البريطانية منعت على الأميرين ميغان ماركل والأمير هاري التجول في المغرب بسبب مخاوف من العنف.
ووصل الأمر بأجهزة الأمن البريطانية، كما كتبت الصحيفة، أن وضعت “خطط خروج” لإخراج الأميرين من وسط الحشود، أو حتى البلاد، إذا وقعت أحداث عنف.
وطبعا هذه مبالغات صحافية لإعطاء التغطية مسحة من الإثارة يجب أن يطالعها القارئ الإنجليزي حول بلدان إفريقيا البعيدة التي يجهل عنها كل شيء.
وكل من تابع سلسلة The crown التي تدور حول حياة الملكة إليزابيت الثانية سيلاحظ طريقة تغطية الصحافة لجولة الملكة وزوجها في بلدان إفريقيا وكيف ركزوا على الأدغال والقبائل البدائية.
وما كتبته الديلي ميرور لم تقله حتى الصحافة الألمانية عندما جاءت ميركل إلى مراكش وتجولت بحرية في ساحة جامع الفنا واشترت “التخالط” وشربت قهوة في مقهى جد شعبي وعادت إلى بلادها سالمة غانمة.
وها هي زيارة أكثر الأزواج الأمراء إثارة لاهتمام الرأي العام قد نجحت، مانحة المغرب حضورا قويا في كل وسائل الإعلام العالمية، مكذبة بذلك مزاعم هذه الصحيفة التي أرادت أن تحول المغرب إلى منطقة خطر بسبب احتجاجات في وسط الرباط يحدث أسوأ منها نهاية كل أسبوع في مدن فرنسا منذ أشهر دون أن تصنف الصحافة البريطانية باريس كمنطقة خطر، وهي التي شهدت مقتل الأميرة ديانا تحت إحدى قناطرها بسبب هذه الصحافة المفترسة نفسها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى