الرئيسيةالملف السياسيتعليمتقاريرسياسية

الهدر المدرسي.. أرقام صادمة

331 ألف تلميذ يغادرون مقاعد الدراسة سنويا

تراكمت مشاكل التعليم بشكل مهول خلال السنوات الأخيرة، بتسجيل ارتفاع نسبة الهدر المدرسي بشكل مخيف. وكشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية، خلال انعقاد الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، عن أرقام صادمة بخصوص ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، حيث أكد أن 331 ألف تلميذ غادروا أقسام الدراسة خلال الموسم الدراسي 2020- 2021، وتشير الإحصائيات إلى أن نسبة الانقطاع عن الدراسة في التعليم الإعدادي والثانوي انتقلت من 10,4 في المائة إلى 12,2 في المائة، والأزمة نفسها يعرفها قطاع التعليم العالي، حيث ينقطع 16,5 في المائة من عدد الطلبة الجدد في سلك الإجازة عن الدراسة في السنة الأولى، كما تقدر النسبة الإجمالية للانقطاع عن الدراسة بدون الحصول على أي شهادة، وبدون احتساب عدد السنوات المستهلكة

بـ47,2 في المائة. وأمام هذه الأرقام الصادمة، لم تنجح الحكومات المتعاقبة في وضع إصلاح حقيقي لقطاع التعليم، رغم وضع وصفات تجريبية من طرف الوزراء الذين تعاقبوا على تدبير القطاع، لكنها محاولات باءت بالفشل، ما جعل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي يدق ناقوس الخطر، بخصوص وضعية التعليم بالمغرب، محذرا من مغبة إرجاء إصلاح التعليم تحت أي ذريعة كانت، وفي مقدمتها محدودية الإمكانات المادية، وأكد على أهمية الإسراع في إصلاح المنظومة التربوية قبل تفاقم الأزمة.

 

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي

 

كشف فوزي لقجع، الوزير المنتدب المكلف بالميزانية في مداخلة ألقاها خلال انعقاد الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، عن أرقام صادمة بخصوص ارتفاع نسبة الهدر المدرسي، حيث أكد أن 331 ألف تلميذ غادروا أقسام الدراسة خلال الموسم الدراسي 2020-2021.

وأكد لقجع في كلمة له خلال جلسة حول «السياسات العمومية وتثمين الرأس مال البشري في المغرب»، أنه لا يمكن تصور إصلاح النظام التعليمي دون طرح الأسئلة المتعلقة بالإكراهات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه الأسر، وقال «إنه لا يمكن إصلاح النظام التعليمي دون استحضار القدرات والبيئة التي تعيش فيها الأسر، خصوصا في الوسط القروي»، معتبرا أن نجاح أي إصلاح في المجال التعليمي يجب أن يساير الورش الاجتماعي الذي يقوده الملك محمد السادس.

وتابع أن تجارب المبادرة الوطنية تعتبر فرصة حقيقية للنهوض بالنظام التعليمي في المغرب، مضيفا أن جلالة الملك أبرز في العديد من خطبه السامية أن تطور النظام التعليمي هو مفتاح التنمية البشرية، وأشار لقجع إلى أن الموارد المالية المخصصة لوزارة التربية الوطنية تضاعفت بشكل كبير خلال العقدين الأخيرين، لافتا إلى أنه رغم الجهود المبذولة في هذا الإطار تبقى النتائج أقل من الطموحات المرجوة.

وسبق لوزير التربية الوطنية والرياضة، شكيب بنموسى، أن أعلن أمام البرلمان، عن معطيات صادمة تتعلق بارتفاع نسبة الهدر المدرسي، مشيرا إلى أن حوالي 331 ألف تلميذ وتلميذة يغادرون مقاعد الدراسة سنويا، وأكد بنموسى في رده على سؤال شفوي خلال الجلسة التي عقدها مجلس النواب، أن  الهدر المدرسي يشكل انشغالا حقيقيا لما له من انعكاسات سلبية على وضعية التلاميذ المنقطعين وكلفته الاجتماعية والاقتصادية على بلادنا، وكشف الوزير أن معدل الهدر المدرسي على المستوى الوطني، بلغ بالأسلاك التعليمية الثلاث في القطاع العام 5.3 بالمائة، أي حوالي 331 ألف تلميذة وتلميذ انقطعوا عن الدراسة؛ وبلغت هذه النسبة بالوسط القروية5.9 بالمائة، في حين تم تسجيل نسبة 5.6بالمائة كنسبة انقطاع في صفوف الفتيات المتمدرسات بالوسط القروي.

وأوضح بنموسى أن وزارة التربية الوطنية حرصت على اتخاذ مجموعة من التدابير لمحاربة الهدر المدرسي، تتمثل أساسا في تعميم التعليم الأولي باعتباره عاملا أساسيا في الحد من الانقطاع عن الدراسة في سن مبكرة، وتوسيع العرض المدرسي، لا سيما عبر تعميم المدارس الجماعاتية بالوسط القروي، علما أن المنظومة تتوفر حاليا على 226 مدرسة جماعاتية، وتطمح إلى إحداث 250 مدرسة جماعاتية جديدة، منها 150 في إطار برنامج الدعم الممول من طرف البنك الأوروبي للاستثمار والاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى مواصلة توسيع تغطية الوسط القروي بمؤسسات التعليم الإعدادي، حيث تم تسجيل 71بالمائة كنسبة تغطية الجماعات القروية بالتعليم الإعدادي.

كما عملت الوزارة، يضيف بنموسى، على تعزيز خدمات الدعم الاجتماعي من خلال المبادرة الملكية «مليون محفظة»، وتعزيز خدمات النقل المدرسي، وتوسيع قاعدة المستفيدين من برنامج «تيسير» للدعم المادي المشروط للأسر، وتوسيع قاعدة المستفيدين من الداخليات، كما تم الشروع في إرساء وتعميم مراكز مدرسة الفرصة الثانية الجيل الجديد، حيث وصل عدد هذه المراكز حاليا 142، تستقبل حوالي 11 ألف متعلما ومتعلمة يستفيدون من تأهيل تربوي ومهني.

ومن جهة أخرى، يقول الوزير، يتم اعتماد مقاربة وقائية للتصدي للهدر المدرسي، من خلال تعزيز الدعم المدرسي لفائدة التلاميذ الذين يعانون من صعوبات في التعلم ، إلى جانب تنظيم حملات تحسيسية وخاصة في إطار عملية «من الطفل إلى الطفل» و»قافلة التعبئة المجتمعية» لإرجاع المنقطعين وتسجيلهم في المؤسسات التعليمية.

و قال بنموسى إنه تم رصد ميزانية مهمة لعمليات تأهيل المؤسسات التعليمية برسم سنة 2022 بلغت 2,6 مليار درهم، وتمت برمجتها على مستوى ميزانيات الأكاديميات الجهوية للتربية والتكوين، وأكد أن الوزارة تولي عناية خاصة لورش تأهيل المؤسسات التعليمية، مع تمييز إيجابي لفائدة المؤسسات القائمة بالمناطق النائية والقروية وشبه الحضرية، مشيرا إلى أن المنظومة التربوية عرفت تطورا ملحوظا في أعداد الحجرات الدراسية، بزيادة 5732 حجرة عن الموسم الدراسي 2019-2020، حيث يبلغ مجموع الحجرات الدراسية حاليا 161 ألفا و169 حجرة.

وأبرز الوزير في ذات السياق أنه تمت إعادة تأهيل1452 مؤسسة تعليمية، أغلبها في العالم القروي، وربط 1168 مؤسسة بشبكة الماء أو توفير صهاريج الماء الشروب، وربط 839 مؤسسة بشبكة الكهرباء أو تزويدها بالطاقات الشمسية، وتوفير المرافق الصحية لـ 1330 مؤسسة، وتوفير الأسوار والسياجات ل 6467 مؤسسة، منوها إلى أن الوزارة تواصل تنفيذ برنامج تعويض الحجرات المشيدة بالبناء المفكك، خاصة تلك المحتوية على مادة «الأميانت»، والتخلص من غير المستعمل منها.

وفي إطار برنامج تقليص الفوارق المجالية والاجتماعية بالعالم القروي، أكد بنموسى أنه تم العمل على تأهيل 1402 مؤسسة تعليمية، منها إعادة بناء 1151 حجرة منذ الانطلاق الفعلي للبرنامج سنة 2017، مبرزا أن الوزارة تشتغل في إطار الالتقائية التامة مع كافة المتدخلين على المستويين الجهوي والإقليمي في إطار هذا البرنامج واتفاقيات الشراكة مع الجهات.

كما تم في سياق تنزيل البرنامج الحكومي «أوراش»، يضيف الوزير، إدراج تنظيف وصيانة المؤسسات التعليمية ضمن الأوراش العامة المؤقتة، أخذا بعين الاعتبار حاجيات مختلف المؤسسات التعليمية، وترتيبها حسب الأولويات، مشيرا إلى أنه تم إعطاء الانطلاقة لبرنامج تدخل استعجالي لتأهيل المؤسسات التعليمية القائمة والداخليات المدرسية برسم سنتي 2022 و 2023.

الرهان على المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لمحاربة الهدر المدرسي

 

شدد مشاركون في ورشات نظمت في إطار الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، يوم الاثنين الماضي بالصخيرات، على محورية التلميذ في أي مشروع لإصلاح المنظومة التربوية والدور الحاسم للمدرس، باعتباره دعامة لاكتساب التعلمات.

وأبرز المتدخلون في هذه المناظرة التي نظمت تحت شعار «جودة التعلمات: مفتاح التنمية البشرية» ضرورة تحسين جودة التعلمات عبر اعتماد مقاربة شاملة تبدء من الولادة وصحة الطفل إلى غاية التمدرس مرورا بالتعليم الأولي، معتبرين أن تطور التلميذ يشكل عملية متواصلة.

وتطرقوا إلى عناصر أخرى لتعزيز محورية التلميذ، من بينها النهوض بالمناخ المدرسي (تدبير المؤسسات والبنيات التحتية والقواعد والقيم، والعلاقات مع الآباء) وتطوير نظام للتقييم ذي جودة، إضافة إلى استخدام التكنولوجيات الجديدة من أجل تحسين جودة التعلمات والذكاء الاصطناعي.

وفي هذا الإطار، شدد المتدخلون على أن التقييم يعتبر إجراء ضروريا لتحقيق الجودة، والتحسين المستمر للبرامج البيداغوجية وتدبير التكوين، مبرزين أن الأمر يتعلق بتقييم كفاءات الأطفال وممارسات الطاقم التربوي. وبخصوص الدور الحاسم للمدرس كدعامة لاكتساب التعلمات، أكد الخبراء المتدخلون في هذا النقاش على الدور الجوهري للمدرس في إنجاح أي منظومة مدرسية، حيث من المهم التركيز على انتقاء أفضل الطلبة لجعلهم مدرسين، ومنحهم أحسن تكوين ممكن وضمان التتبع على مستوى التكوين المستمر طيلة مسارهم المهني. وأكدوا أنه لابد من الانتقال إلى احترافية حقيقية لمهنة المدرس .

وخلال هذا الحدث، تم تقديم تجارب دولية تهم تحسين التعلمات، من بينها التجربة الهندية لبلوغ تعلمات ذات جودة لجميع الأطفال وتلك الخاصة بكينيا، من خلال التركيز على المقومات الأساسية للنجاح. كما تم إبراز آفاق تعميم مقاربة «التدريس وفق المستوى المناسب» (TARL)، والتي تتميز بستة أبعاد، مشيرين إلى أن ورش إصلاح المنظومة التربوية هو مسار طويل وشامل لا ينبغي القيام به على عجل.

ويتمثل الهدف من هذه المناظرة في تعبئة مختلف الفاعلين في مجال التنمية البشرية حول المواضيع الهامة والمستعجلة، ودراسة وتحليل الوسائل والمنهجيات والممارسات المبتكرة حول الإشكاليات المرتبطة بالتنمية البشرية بصفة عامة والرأسمال البشري بصفة خاصة، والتعريف بالأنشطة والتدخلات التي تقوم بها المبادرة الوطنية للتنمية البشرية وتبادل الممارسات الجيدة على مستوى المنظومة الوطنية للتنمية البشرية.

وأكد وزير التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، شكيب بنموسى، أن إصلاح منظومة التربية والتكوين يجب أن يأخذ مكانته الحقيقية في المشروع المجتمعي للبلاد، وأضاف بنموسى، في كلمة مسجلة عبر الفيديو ، خلال الجلسة الختامية للدورة، أن تمكن المتعلمات والمتعلمين، بصرف النظر عن وسطهم الترابي، من اكتساب المهارات الأساسية يساعدهم على الاندماج في الحياة الإجتماعية.

وأبرز أن تنمية الرأس مال البشري من خلال مدرسة ذات جودة يمر أساسا عبر تعميم التعليم الأولي وتعزيز القدرات الأساسية، خصوصا في ما يتعلق بالقراءة والكتابة والبرمجة والحساب، مؤكدا أن الوزارة أعدت خارطة طريق من أجل نهضة تربوية تحدد أولويات الفترة ما بين 2022 و2026 هدفها توجيه الجهود نحو الإجراءات التي لها وقع مباشر على المتعلم.

وذكر بنموسى بالمشاورات التي أطلقتها الوزارة حول مشروع خارطة الطريق في إطار النهج التشاركي، لافتا إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية لها مساهمة مهمة في تحقيق جودة المنظومة التعليمية وفي تنزيل أولويات خارطة الطريق.

وتابع أن المبادرة الوطنية تساهم في تعزيز خدمات الدعم الاجتماعي والدعم التربوي من خلال برنامجها المخصص لتشجيع النجاح ومعالجة الأسباب الرئيسية للهدر المدرسي بالأوساط الفقيرة والمحتاجة، مبرزا أنها تقوم بتقوية القدرات والمهارات المعرفية لتلميذات وتلاميذ السلك الابتدائي، وذلك بشراكة مع المديريات الإقليمية للوزارة.

وزير الداخلية يؤكد ارتفاع نسبة العجز في صفوف التلاميذ

 

 

قال عبد الوافي لفتيت، وزير الداخلية، إن «المغرب بذل مجهودات كبرى لتطوير مستويات التنمية البشرية في السنوات الأخيرة؛ لكنه لم ينجح بعد في تطوير مؤشر التنمية البشرية، بالنظر إلى نسب العجز المسجلة في صفوف التلاميذ»، وأضاف لفتيت، في افتتاح الدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية، المنعقدة بالصخيرات، الاثنين الماضي، أن «جودة التعلمات تظل تحديا رئيسيا للعديد من الدول، بما يشمل المغرب»، مشيرا إلى أن «الأزمة الصحية ساهمت في تفاقمها».

وأكد وزير الداخلية أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية في مرحلتها الثالثة، والتي عرفت نقلة نوعية من خلال توجيه تدخلاتها نحو الجوانب اللامادية للتنمية البشرية، ستضاعف جهودها لدعم المنظومة التعليمية الوطنية، سيما في ما يتعلق بالتدخلات الهادفة إلى الارتقاء بالتعلمات واكتساب المهارات.

وقال لفتيت إن قضية التعلمات باعتبارها رافعة لتثمين الرأسمال البشري، هي إشكالية تسائل الجميع وتقتضي إيلاءها الاهتمام والعناية اللازمين، وخاصة من طرف المتدخلين المؤسساتيين والمنتخبين والأسر والمجتمع المدني وكافة المجالس المنتخبة والقطاع الخاص، وذلك «بغية إيجاد حلول ناجعة من شأنها تجويد مستوى اكتساب أبنائنا للمعارف الأساسية، وتهييئهم للاندماج بسهولة في الحياة العملية، والإسهام مستقبلا بفعالية في بناء الصرح التنموي لبلادنا».

وأبرز الوزير أن الراهنية الملحة والمرجعية العلمية لاختيار موضوع المناظرة «جودة التعلمات: مفتاح التنمية البشرية»، تجد سندها في توجهات المرحلة الثالثة للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية، وخاصة في برنامجها الرابع الهادف إلى النهوض بالرأسمال البشري للأجيال الصاعدة، من خلال التصدي المباشر وبطريقة استباقية لكافة المعيقات الأساسية التي تواجه التنمية البشرية.

وتابع أنها تجد سندها أيضا في سياق الإصلاحات الكبرى التي تشهدها المملكة، سيما في ما يتعلق بالنهوض بمنظومة التربية والتكوين، بهدف الاستجابة لمتطلبات الاهتمام بالجوانب اللامادية للتنمية البشرية، وضرورة تطوير الرأسمال البشري، والتي مافتئ الملك يدعو إلى الحرص القويم على تفعيلها، باعتبارها أحد المداخل الرئيسية والأولويات الأساسية لتنزيل النموذج التنموي الجديد، وتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية المنشودة للبلاد.

وسجل لفتيت أن إشكالية جودة التعلمات أضحت تشكل في الوقت الراهن أحد التحديات الكبرى للعديد من الدول، وذلك بالنظر إلى نسب العجز المسجلة على هذا المستوى والتي ساهم في تفاقمها وتعميق انعكاساتها السلبية، توالي بعض الأزمات، سيما الصحية منها، لافتا إلى أن «المعطيات الوطنية المسجلة برسم الموسم الدراسي 2020- 2021 خير دليل على هذا الوضع، وخاصة منها تلك المتعلقة بالتلاميذ المنقطعين عن الدراسة وبمستوى العجز في التعلمات لدى الأطفال المتمدرسين الأقل من 10 سنوات، مما حال دون تطور مؤشر التنمية البشرية للمملكة الذي لم يتجاوز نسبة 50 في المائة».

وتعزى هذه الوضعية، حسب لفتيت، بالأساس إلى ضعف اكتساب المتعلمين للمعارف الأساسية في القراءة والرياضيات والعلوم، وذلك «حسب نتائج الاختبارات الدولية، التي احتل فيها تلامذتنا للأسف مراتب متأخرة مقارنة بنظرائهم من الدول المشاركة، وهو ما يستدعي منا جميعا بذل المزيد من الجهود، لبلورة نموذج تربوي وطني قادر على رفع التحديات الراهنة والمستقبلية، من أجل توفير تعليم جيد، منصف ومستدام لفائدة كافة التلاميذ المغاربة، سيما بالعالم القروي والمناطق النائية».

وبعد أن ذكر بالتعليمات الملكية الواردة في خطاب العرش بتاريخ 29 يوليوز 2018، أشار الوزير إلى أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية حققت حصيلة جد إيجابية، على مستوى مساهمتها في تنفيذ برنامج التعليم الأولي خلال الفترة الممتدة ما بين 2019 و2021، بحيث تم إحداث مجموعة من الفضاءات لاستقبال الأطفال المنحدرين من الوسط القروي، بالإضافة إلى خلق العديد من فرص الشغل القارة لفائدة المربيات والمربيين، وتوفير التكوينات الضرورية لفائدتهم.

وأضاف أن المبادرة الوطنية للتنمية البشرية دأبت، منذ انطلاقتها، على المساهمة في إنجاز وتدبير دور الطالبة والطالب، التي تمكن من إيواء التلميذات والتلاميذ المنحدرين من أوساط محدودة الدخل بالعالم القروي، ناهيك عن اقتناء أسطول لحافلات النقل المدرسي، بهدف تحسين ظروف التمدرس وضمان الولوج إلى المؤسسات التعليمية بشكل يومي وفي ظروف جيدة؛ علاوة على تقديم دروس الدعم المدرسي بالمجان لفائدة تلاميذ المستوى الابتدائي بالمجالين القروي وشبه الحضري، بغية تقوية الكفايات الأساسية وتجويد التعلمات في مادتي الرياضيات واللغة الفرنسية، بالإضافة إلى تمكين أزيد من أربعة ملايين ونصف المليون طفلة وطفل سنويا، من اقتناء المقررات والكتب وباقي اللوازم المدرسية، في إطار المبادرة الملكية «مليون محفظة».

وعلى الرغم من الانخراط القوي للمبادرة الوطنية للتنمية البشرية في دعم المجهودات الجبارة، التي يبذلها قطاع التربية الوطنية والتعليم الأولي للرفع من مستوى جودة التعلمات، يسجل لفتيت، فإن «الواقع لا يزال يشهد عجزا ملموسا بهذا الخصوص، مما يؤثر بشكل سلبي على مؤشرات التنمية البشرية ببلادنا».

وخلص إلى أن تنظيم هذه التظاهرة يشكل بحق فرصة مواتية لكافة المشاركين، خاصة الفاعلين في ميدان تثمين الرأسمال البشري، من أجل دراسة وتحليل كافة الجوانب المتعلقة بإشكالية التعلمات، وإيجاد السبل والآليات المبتكرة الكفيلة بالرفع من جودتها، في ظل التحولات والمتغيرات العديدة التي يشهدها العالم في الوقت الحاضر.

الهدر المدرسي.. حجرة في طريق عجلة التعليم والتنمية

 

 

يرى عبد العزيز رشدي، الباحث بالمركز المغربي للتنمية الفكرية، أن ظاهرة الهدر المدرسي «بحجم خطورتها والإشكالات التي تطرحها سواء على مستوى المؤسسة التعليمية أو الفرد المتعلم أو الأسرة والمجتمع برمته، دفعت بلا شك وزارة التربية الوطنية إلى بذل جهود كبيرة من أجل الحد منها، وذلك من خلال توسيع نطاق برامج التدخل (محاربة الأمية ومدرسة الفرصة الثانية)، ووضع مقاربة وقائية عبر إرساء خلايا اليقظة، خاصة في العالم القروي، ووضع عدة برامج، منها: برنامج المواكبة التربوية لفائدة التلاميذ المتعثرين، وبرنامج الدعم التربوي، وبرنامج الدعم الاجتماعي، وبرنامج تأهيل المؤسسات التعليمية وتسريع وتيرة إنجاز مشاريع البناءات المدرسية». وأشار الباحث إلى «برنامج «تيسير» الذي يهدف إلى توفير منح دراسية لفائدة التلاميذ والتلميذات المنتمين للأسر الفقيرة، إلى جانب مشروع «مليون محفظة»، يعدان أهم إنجازات البرنامج الاستعجالي في اتجاه الرفع من نسبة المتمدرسين والاحتفاظ بهم لأطول مدة ممكنة، تحقيقا لهدف إلزامية التعليم ومجانيته إلى حدود 15 سنة».

في السياق ذاته، أشار الباحث إلى أن «هذه الإجراءات وغيرها كانت تستهدف الحد من الهدر المدرسي، لكن الواقع يزكي ويبين أن الهدر لم يتم الحد منه، ولازال نزيف الانقطاع المدرسي في تزايد»، مبينا أن «هذا يطرح تساؤلات عن محدودية البرامج المتبعة، ومدى استفادة كل التلاميذ الذين يعانون من وضعية هشة، بل نتساءل عن مدى شمولية المواكبة التربوية، هل هذه المنظومة تشمل البرامج الموجهة للتلاميذ العاديين والمتميزين أنفسهم الذين هم أيضا بحاجة إلى برامج المواكبة التربوية؟»، مبرزا أن «المؤسسات التعليمية ذاتها، بجميع مكوناتها بما فيها من أطر إدارية وتربوية وتقنية، هي أيضا بحاجة إلى تتبع ومواكبة وتقويم مستمر»، مبرزا أهمية  «عنصر الحكامة في هذه البرامج، أي عن مدى نجاعتها، وإلى أي حد تم تفعيلها على أرض الواقع، وكذا عن مسألة التتبع والمراقبة والتقويم وسبل تدبير هذه الإجراءات».

وحسب الباحث، فإن دراسة ميدانية أجرتها إحدى جمعيات التنمية البشرية بمدينة وزان ونواحيها، خلصت إلى أن نسبة الهدر المدرسي ستستمر في الارتفاع في السنوات المقبلة لأن الجهات المسؤولة تتعامل مع منشطي التربية غير النظامية باللامبالاة وبأساليب متجاوزة ولا يتوصلون بمستحقاتهم الهزيلة إلا بعد مرور أكثر من سنة»، مبرزا أن «هذه الدراسة توصي بالعناية بالمنشطين واعتبارهم قوة اقتراحية، علاوة على إعادة وزارة التربية الوطنية النظر في مضامين مقررات التربية غير النظامية، وأن تكون هناك شراكة فعالة ما بين الوزارة المعنية وجمعيات المجتمع المدني تقوم على مبادئ الحكامة الجيدة والتدبير العقلاني، مع جعل الجماعات المحلية شريكا أساسيا في هذا المجال».

وتبين الإحصائيات الرسمية، الصادرة عن وزارة التربية الوطنية، أن أكثر من 300 ألف تلميذ وتلميذة من الفئة العمرية (6-15سنة) ينقطعون سنويا عن الدراسة، وهذا الأمر يتسبب في تأخر التعليم من جهة، ومن جهة ثانية، في الرفع من نسبة الأمية التي تصل إلى حوالي 34 في المائة حسب الإحصائيات  الرسمية، بينهم أكثر من مليون طفل يتراوح عمرهم بين 9 سنوات و14 سنة خارج المدرسة لا يعرفون القراءة والكتابة. كل هذا يجعل بلادنا تحتل مراتب متدنية في مؤشرات التنمية البشرية بالرغم من المجهودات المبذولة .

ويشكل الهدر المدرسي آفة تؤثر سلبا في تنمية مجتمعنا، حيث أظهرت دراسة من طرف المجلس الأعلى للتعليم سنة 2008 أن التلاميذ الذين ينقطعون عن الدراسة بعد أربع سنوات يؤولون إلى الأمية، مما يشكل استنزافا للموارد البشرية والمادية للبلاد، إذ يمكن تقدير تكلفة عدم التمدرس والانقطاع عن الدراسة بنسبة 2 في المائة من الناتج الداخلي الخام، وهذه الظاهرة، كما أسلفنا، تنتشر بالعالم القروي، مما يستنزف التقدم الذي تحقق في تقليص الفوارق في نسب التمدرس بين الوسطين الحضري والقروي، وبين الجنسين، فمعدل تمدرس الفتيات بين 12 و14 سنة من العمر لم يتجاوز 43 في المائة في الموسم الدراسي 2006-2007 مقابل 75 في المائة كمعدل وطني بالنسبة لهذه الفئة العمرية. وتضاف فئات التلاميذ المنقطعين عن الدراسة إلى صفوف المستهدفين ببرامج محاربة الأمية وبرامج التربية غير النظامية، التي تبقى المسلك الوحيد لإعادة الإدماج في المنظومة، علما أن الطاقة الاستيعابية لاستقبال المستفيدين من هذه البرامج لا تكفي آلاف المنقطعين عن الدراسة.

وفي خلاصة تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، منظمة «اليونسكو»، الصادر سنة 2014، جاء أن المغرب احتل المرتبة ما قبل الأخيرة عربيا في عدد الخريجين، كما أن 10% من الأطفال لا يلتحقون بالمدرسة، وحوالي 34.5 % فقط هي نسبة التلاميذ الذين يلتحقون بالتعليم بالثانوي، هذا بالرغم من  كل الإمكانيات التي توظف في قطاع التربية والتعليم، والتي تفوق 5 % من الدخل العام للبلد.

محمد الدرويش*:

 

«الاهتمام الفعلي والحقيقي بالموارد البشرية من أساتذة وإداريين وتلاميذ مدخل أساس لإصلاح التعليم»

 

– ما قراءتكم للمؤشرات التي قدمها وزيرا الداخلية والميزانية حول واقع التعليم بالمغرب وارتفاع نسبة الهدر المدرسي؟

تابعنا باهتمام بالغ تصريح وزير الداخلية، السيد عبد الوافي لفتيت، خلال الجلسة الافتتاحية للدورة الثانية للمناظرة الوطنية للتنمية البشرية التي نظمت بالصخيرات الأسبوع الماضي، وهو يتحدث عن المجهودات التي بذلتها الدولة قصد تطوير مستويات التنمية البشرية لسنوات، مقراً بأن ثمة عجزاً في انخراط ومواكبة التلاميذ لهاته المجهودات، وهو ما يترجمه الترتيب المتدني للمغرب حسب مجموعة من المؤشرات الدولية، بما فيها الإفريقية، وهاته طامة كبرى. وبذلك التصريح يكون السيد وزير الداخلية وضع الأصبع على نقط ضعف منظومتنا التربوية، والمتمثلة أساسًا في عدم قدرتها على تحقيق جودة التعلمات التي يتحمل مسؤوليتها الجميع. هذا الهدر المدرسي الذي يتسبب فيه تعثر التعلم وانعدام القدرة على مسايرة العمليات التعليمية والتكوينية، يكون سببًا من أسباب الهدر الجامعي، وهي خسارات كبرى تمس البنيات المجتمعية بكاملها، وهو ما أكد عليه، كذلك، السيد فوزي لقجع حين ذكر بحجم الإمكانات المالية التي تصرف على القطاع دون آن تتمكن المنظومة من تحقيق المتوخى منها وتجنب الهدر في كل مستوياته؛ فقد سجلنا أوضاعاً كشف عنها الوزيران، وحتى السيد عبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، سبق له، في التقارير التي قدمها لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن عرى واقع منظومتنا التربوية، بل إن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أصدر تقارير تؤكد الأمر نفسه، والمندوبية السامية للتخطيط أشارت، في تقاريرها، إلى هدر حياة الطفولة والشباب بسبب الهدر المدرسي والجامعي وانعدام فرص الشغل والتكوين لكافة الشباب. إذن ليس لنا أن نتفاجأ بتصريح السيدين الوزيرين مادام الجميع يقر بهذا الواقع المر، والذي لا يرقى إلى حجم مجهودات الدولة وإلى توجيهات صاحب الجلالة الملك محمد السادس، وإلى انتظارات الشعب المغربي بكل مكوناته وطبقاته .

ومن هذا المنطلق نسجل استغرابنا واستغراب الرأي العام الوطني كيف أن قطاع التربية الوطنية ظل لسنوات وهو يغطي شمس هذا الواقع بالغربال، إذ لا تترجم أرقامه وإحصاءاته حقيقة المدخلات والمخرجات والأسباب وراء هذا الهدر المالي والمدرسي، فضلا عن أنه لسنوات عدة يغير واقع التعلمات لدى التلاميذ بالنفخ في النقط وبالتحكم في الخريطة المدرسية…

نتمنى أن يعدل القطاع، في عهد السيد شكيب بنموسى، عن مثل هاته الأخلاق والتدابير والقرارات، فقد سجلنا بإيجاب مجموعة من قراراته في زمن قياسي واستحسنا أغلبها.

 

– ما طبيعة الاختلالات التي تعاني منها المنظومة؟

الاختلالات التي تراكمت في المنظومة لسنوات لها عدة مظاهر وأسباب، وهي في الغالب اختلالات تقع بسبب السلطة المركزية الموغلة في التحكم في معظم القرارات والمبادرات والإجراءات، الشيء الذي يقتل في المسؤول محليا وإقليميًا وجهويا ووطنيا حتى حس المبادرة وأخلاق الاستباقية، بل إننا سجلنا نتائج الإحصاءات المعلن عنها لسنوات تكون قيادتها من المركز وفي المركز، ثم إن عدم البدء في تطبيق مقتضيات الجهوية واللامركزية واللاتمركز يشكل سبباً من أسباب هاته الاختلالات، نضيف إلى ذلك عدم تمكن القطاع الوصي لسنوات من الحسم في أمر مراجعة المناهج والبرامج، مع اتخاذ قرار التفعيل الحقيقي لاستقلال الأكاديميات في التدبير المالي وتدبير الموارد البشرية والتدبير الجزئي للقضايا البيداغوجية واللغوية، وذلك بتنسيق طبعا مع المركز دون تحكم ولا تسلط.

 

 

  • ما المداخل الرئيسة لمعالجة (إصلاح) تلك الاختلالات؟

جزء من مداخل تصحيح الأوضاع المتسببة في الهدر أتيت عليه في الجواب عن السؤال الثاني، واسمح لي بأن أضيف، كذلك، أن الاهتمام الفعلي والحقيقي بالموارد البشرية، من أساتذة وإداريين وتلاميذ، مدخل أساس في ذلك، وكذا الحياة الكريمة للأسر، مع توفير كل شروط ذلك من صحة وسكن ونقل وترفيه. هذا مدخل ينضاف إلى المداخل الأخرى، وقبل كل ذلك يجب إيلاء أهمية بالغة وقصوى للتعليم الأولي للأطفال منذ ثلاث سنوات حتى نتمكن من المساهمة الفعلية في تربية النشء على المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات وحب الوطن، وقبول الآخر والاختلاف والتعايش والإيثار، وهذا في اعتقادنا لا يمكن تحقيقه اليوم بشكل مطلق بسبب كثرة المتدخلين في هذا النوع من التعليم وبسبب اشتغال مجموعة من جمعيات المجتمع المدني بمنطق المتاجرة في هؤلاء الأطفال وفي غياب التخصص، بل وانعدام المسؤولية في ممارسة هاته المهام. لذلك نعيد التأكيد على أن من بين المداخل إنشاء وكالة خاصة بالتعليم الأولي وإبعاد المجتمع المدني عن الملف بشكل مطلق، وكالة تساهم فيها المجالس الترابية وقطاعات حكومية والأسر غير الفقيرة، وبذلك نضمن تربية بالجودة المطلوبة ونكون أمام انخراط فعلي ومضبوط للجميع في ربح تحديات التنمية البشرية في صيغتها الثالثة وصيغها المقبلة.

 

* رئيس المرصد الوطني لمنظومة التربية والتكوين

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى