الرئيسية

الوجه الحقيقي لكارثة الجامعة

يكون كلامنا عن الجامعة عاما وفضفاضا، لكن عندما يكون المرء في وضعيات اختبارية، لقياس مدى تمكن مجازي جامعاتنا من المعارف والمهارات اللازمة لولوج سوق الشغل، يصاب بالصدمة، وأهم ملاحظة تم تسجيلها هذه السنة على هامش مباراة ولوج المراكز الجهوية لمهن التربية والتكوين، هو المستوى الكارثي لخريجينا في الشعب العالمية، وخاصة في الرياضيات وأيضا في اللغة الفرنسية. ففي الوقت التي لم يستطع فيه مجازون في الاجتماعيات وعلم الاجتماع والعربية والدراسات الإسلامية من النجاح في الانتقاء بمعدلات تفوق 14/20، فإننا نجد في المقابل أن أغلب الذين ترشحوا في شعب الرياضيات والعلوم الفيزيائية والفرنسية، قد اجتازوا الانتقاء دون عناية، وأحيانا بمعدلات جد ضعيفة، فهل مهنة التدريس في هذه المواد لم تعد ذات جاذبية أم أن جامعاتنا لم تعد تخرج مجازين في هذه الشعب؟ هل لهذا المستوى بلغ ضعفنا في اللغات والعلوم؟
طبعا هذا يسائلنا جميعا، ولكن بالأساس، يسائل طرق التدريس في الجامعات أيضا. والتي يتطلب فتح النقاش بصددها الجرأة والنزاهة اللازمتين.
فمع ظهور جامعات ذات قاعدة واسعة، بدأ الحديث عن طرق التدريس يطرح بقوة، مما أدى لظهور بيداغوجيا جامعية، تتمحور حول تيمات رئيسية كـ”مناهج تنشيط المتعلمين البالغين”، و”مناهج تنشيط الجماعات الكبيرة” وغيرها، حيث يطلب من منتجي المعرفة أن يكونوا مبلغين جيدين لها، ومدبرين جيدين للموارد.
لكن هذه الجدة لم تمنع الجامعات العالمية من أن تتبنى مناهجها ومفاهيمها واستراتيجياتها التواصلية والتكوينية، إلا جامعاتنا فلاتزال صورة “الأستاذ المحاضر في مدرج مليء بمئات الطلبة” هي الصورة “الكاتدرائية”، التي تحرص بعض الأجيال “القديمة” من الأساتذة الجامعيين على المحافظة عليها، معتقدين أنهم يحافظون على “طبيعة الجامعة” و”حرية الدرس الجامعي”، مع أن هذه الصورة ليست النموذج الوحيد الأوحد للعلاقات البيداغوجية بين الطالب والأستاذ الجامعي. صحيح أن تغيير هذا النمط الكاتدرائي للدرس الجامعي يتطلب توفير إمكانات مادية ولوجيستيكية وبشرية كبيرة، لكن ستكون بداية الطريق، طريق تحديث الجامعة المغربية، من خلال تحديث مناهج التواصل البيداغوجية وتغيير الذهنيات المحافظة، لتدرك الحقيقة الساطعة التالية: لا يكفي أن يكون الباحث مجتهدا، ليكون أستاذا ناجحا… فالأستاذية حرفة وصناعة كما يقول الأقدمون، وهي مرتبة من التعاطي مع المتعلمين مهما كان عمرهم ومستوى تكوينهم لا تتأتى بما هو قبْلي وعفوي، بل هي بناء وتكوين.
فكما لا يتردد الجميع في نقد الطالب الباحث أثناء مناقشة أطروحته عند إخلاله بشرط من شروط البحث العلمي، بل هناك من يذهب به رأيه حد التشدد في هذا الأمر، فإنه يجدر بنا أن نتحلى بالروح ذاتها، ولا نتردد في النظر لبعض “أشكال” التدريس في جامعاتنا على أنها مسيئة للجامعة المغربية، حيث يظهر الأستاذ “حكواتيا” باهتا يتكلم في كل شي دون أن يقول أي شيء. ونطالب بضرورة إجراء تكوين بيداغوجي جيد وفعال لكل باحث مستجد في عالم التعليم الجامعي.
فإذا كانت شروط اعتماد أستاذ محاضر في كبريات الجامعات العالمية تجعلها بالقياس لأعرافنا شروطا تعجيزية، شروط علمية وتواصلية وبيداغوجية عالية المستوى، بشكل يبدو فيه بعض أساتذة جامعاتنا مجرد “حلايقية” مبتدئين، فإن “ساعة” من الزمن التي تخصصها لجنة علمية للحسم في اختيار أستاذ للتعليم العالي ليست كافية لتحويل باحث إلى أستاذ، فحرص الأستاذ الجامعي على تجويد درسه لا يمس ذلك بعلميته وتخصصه ومكانته كأستاذ باحث منتج للمعرفة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى