شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

بين الإحباط والأمل

بقلم: خالص جلبي

 

 

كنت في جلسة مع أفاضل من الناس، وكان الحديث في غاية الإحباط فعرفت أننا دخلنا المرحلة الأولى، وهو مؤشر جيد أننا ربما قد ندخل المرحلة الثانية والثالثة، من أجل تجديد الهوية.

ويذكر مالك بن نبي عن جيلين من الصينيين اجتمع بهما، كان الأول كثير التذمر والشك والحذر والانطوائية وعدم التصريح بآرائه، ثم التقى بجيل لاحق كان جريئا في التعبير، واضحا في وجهة الحياة، مشاركا في النشاط العام بدون خوف. وكان هذا مرتبطا بسيطرة الصينيين على أوضاعهم، وطرد اليابانيين والأمريكيين، والأثر الروسي في حياتهم، والتخلص من المجاعات، ودخول الأمم المتحدة كشريك هام ومجلس الأمن بمقعد ثابت.

وقد يكون ماو تسي تونغ سيئا جبارا، ولكنه حقق لأمته قدرا من العزة العالمية، وهو ما فعله أيضا كمال أتاتورك، فهو فاسد أخلاقيا، زير نساء، مدمن على الخمرة، ولكنه من الناحية السياسية حقق وحدة تركيا وطرد الغزاة، (حسب معاهدة لوزان)، في الوقت الذي أودت بنا القيادات السياسية إلى الكوارث. فهذا تفريق هام.

وكان عمر (رضي الله عنه) يقول في دعائه: «اللهم إني أشكو إليك ضعف التقي وقوة الفاجر»، أي إنه كان يريد القوي الأمين. وهو ما كررته الآيات دوما (إن خير من استأجرت القوي الأمين)، (وإني عليه لقوي أمين).

ونحن نعرف من تاريخنا أن الذي تولى الخلافة بعد كارثة الانشقاق الداخلي في معركة صفين، لم يكن أعدل الفريقين وأنزههما. والشعوب تميل إلى تقديس المنتصرين. ولو برزت قيادة ناجحة في العالم العربي وحققت نجاحات ملموسة، لمشت خلفها الجماهير في ما يشبه العبادة.

ويرى المؤرخ البريطاني «توينبي» أن هناك قانونا للحضارة والأقلية المبدعة، فهي تشق طريقها إلى الحضارة بآلية الإبداع، وتمشي خلفها الجماهير متهادية بصوت مزمار الراعي. وعندما تنكمش الطاقة الإبداعية عند الأقلية، تميل إلى سوق الجماهير بالسوط والمخابرات والحبوس. كما في حوار موسى وفرعون: قال لئن اتخذت إلها غيري لأجعلنك من المسجونين. قال أولو جئتك بسلطان مبين؟

وأحيانا أفهم النبوة بهذه الطريقة فأقول إن ما أقنع العرب بالإسلام ليس قوة الحجة، فهذه تأخذ بها النخبة، ولكن الجماهير تدخل في دين الله أفواجا، إذا جاء نصر الله والفتح، هكذا جرت سنة التاريخ.

و«هتلر» مشت خلفه الملايين وصفقت له مع النجاحات، وهي الآن تلعنه، لأنه قادها إلى المذبحة العارمة. ولم يكن مثل موسى الذي انشق له البحر فكان كل فرق كالطود العظيم. وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين، ثم أغرقنا بعد الباقين.

ومن المهم استيعاب فكرة النسخ الإسلامية، فهناك حقيقة كونية أن هناك تعددية في الكون في كل مستوى في النبات والطير والبشر، ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ومن البشر والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلك، إنما يخشى الله من عباده العلماء. ويجب استيعاب الاختلاف في مستوى آخر وهو (التمثل والاستيعاب)، فالمسلمون الإيرانيون غير الأتراك، والبدو في الجزيرة العربية غير أهل ماليزيا وبلاد الشام،

وهذه الحقيقة فاجأت الإمام الشافعي فكتب فقهين في العراق ومصر. ومسلمو البوسنة وألمانيا غير صعيد مصر، وبالتالي فليست هناك نسخة واحدة موحدة مثل علب الكولا لكل المسلمين، بل يختلف تمثلهم وظهورهم على السطح الاجتماعي بأشكال منوعة. ومجتمع الشراكسة من المسلمين فيه حضور كبير للمرأة، وأنا تشرفت بزواجي منهم.

وفي ألمانيا حضرت امرأة ألمانية مع زوجها مؤتمرا إسلاميا، فأرادوا الفصل بينهما، فقالت: نحن اعتنقنا الإسلام بحمد الله، وأما أنتم فابقوا مع تقاليدكم الشرقية ولا تفرضوها علينا، وأنا جالسة بجانب زوجي في المؤتمر فافعلوا ما بدا لكم. أما في أمريكا فقد تم تدخل رجال الأمن الأمريكيين لحرمان امرأة مسلمة من حضور المؤتمر لهذه الحجة.

وهكذا فهناك خلط كبير بين الأنثروبولوجيا والدين والعادة والمقدس. والانتباه إلى هذا يخلق مرونة تجعل الإسلام يمشي مع الحياة وليس ضدها كما هو عند طالبان وداعش، فقاد إلى كارثة كونية.

مستقبل الإسلام إذاً يوحي بأنه نور الله، ويأبى الله إلا أن يتم نوره بالعرب وبدون العرب، وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر. وفي منتصف القرن الثالث عشر للميلاد كانت المؤشرات مرعبة، فقد سقط جناحا العالم الإسلامي في فترة عشر سنوات، سقطت إشبيلية عام 1248 م وتلا ذلك سقوط بغداد 1258 م، وطُوِّقَ العالم الإسلامي بين جناحي الصليبيين والمغول. والذي حدث أن الصليبيين لم تبق لهم باقية، وتحول المغول إلى الإسلام، وصعدت قوة جديدة إلى مسرح التاريخ كانت قوة عظمى هم العثمانيون، والله غالب على أمره، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.

 

نافذة:

ليست هناك نسخة واحدة موحدة مثل علب الكولا لكل المسلمين بل يختلف تمثلهم وظهورهم على السطح الاجتماعي بأشكال منوعة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى