
أكادير: محمد سليماني
عاد المجلس الإقليمي لتارودانت رفقة شركاء مؤسساتيين آخرين، إلى تخصيص اعتمادات مالية مهمة لاقتناء مجموعة من حافلات النقل المدرسي وتوزيعها على الجماعات الترابية بالإقليم من أجل المساهمة في الحد من الهدر المدرسي، والتغلب على الخصاص المسجل في القطاع الحيوي.
وقد تم يوم الخميس المنصرم توزيع 51 حافلة للنقل المدرسي على مجموعة من الجماعات الترابية بإقليم تارودانت، والتي خصص لها اعتماد مالي يصل إلى 21 مليون درهم، ممولة من المجلس الإقليمي لتارودانت ومجلس جهة سوس ماسة، والوكالة الوطنية لتنمية مناطق الواحات وشجر الأركان. ورغم هذه الصفقة الكبيرة، إلا أن الخصاص ما يزال مسجلا بخصوص حافلات النقل المدرسي، الأمر الذي جعل المبادرة الوطنية للتنمية البشرية بالإقليم إلى تخصيص مبلغ 9 ملايين درهم، لاقتناء 21 حافلة أخرى، سيتم توزيع في الأيام القليلة المقبلة.
وتأتي هذه المبادرات بعد مبادرات سابقة خلال السنوات الأخيرة، إذ في كل مرة يتم تخصيص ميزانيات ضخمة لاقتناء حافلات للنقل المدرسي، وتوزيعها على الجماعات الترابية، دون أن يتم التغلب على النقص الحاصل، وهو ما يطرح أكثر من علامة استفهام، خصوصا وأنه خلال الولاية الانتدابية السابقة 2015-2021، تم اقتناء 40 حافلة للنقل المدرسي، غير أنه تبين لاحقا أن تلك الصفقة شابتها خروقات، إذ ما تزال تروج أمام محكمة جرائم الأموال بمراكش، دون أن يتم الفصل فيها لأسباب «غامضة».
وكانت هذه الصفقة الخاصة بـ40 حافلة، قد أثارت جدلا واسعا بمدينة تارودانت، مما عجل بقدوم لجان تفتيش وافتحاص من كل من المجلس الأعلى للحسابات، والمجلس الجهوي للحسابات، ثم مفتشي الإدارة الترابية التابعة لوزارة الداخلية، والذين باشروا تحقيقات في صفقات وميزانيات المجلس الإقليمي لتارودانت خلال الولاية الانتدابية 2015/2021، وخصوصا صفقة اقتناء 40 حافلة للنقل المدرسي بطريقة شابتها الكثير من «الاختلالات».
وتعود تفاصيل هذه الصفقة المثيرة للجدل إلى شكاية رفعها النائب الرابع بالمجلس الإقليمي لتارودانت، تضمنت معطيات «مثيرة»، من بينها أن المجلس الإقليمي لتارودانت اقتنى هذه الحافلات بوساطة شركة، في وقت يمكن الاتفاق مباشرة مع شركة من شركات بيع السيارات، إضافة إلى أن هذه الصفقة تمت بواسطة عقد، وليس عبر طلبات عروض مفتوحة، مع العلم أن المبلغ موضوع العقد يصل إلى 18.744.000,00 درهم. وأبرزت الشكاية أن هذا العقد حدد ثمن اقتناء كل حافلة في مبلغ 468.600,00 درهم، في حين أن الثمن الحقيقي لمثل هذه الحافلات، وبجودة عالية تفوق تلك التي تم اقتناؤها لا يتعدى 370.000,00 درهم، أي أن الفارق يصل إلى 98.600,00 درهم عن كل حافلة. وبعملية حسابية بسيطة، فإن المبلغ «المختفي»، حسب ملتمس الوكيل العام للملك، من الصفقة ككل بالنسبة إلى 40 حافلة هو 3.944.000,00 درهم.
وبحسب المعطيات، فإن المتهم الرئيس في هذا الملف يتابع بجناية اختلاس وتبديد أموال عامة موضوعة تحت يده بمقتضى وظيفته، كما تتابع النيابة العامة لدى محكمة الاستئناف بمراكش زوجة برلماني، مالكة للشركة الخاصة «تاض»، بتهمة المشاركة في تبديد أموال عامة. وسبق للمحكمة أن قامت بحفظ الملف، غير أنها اضطرت إلى اخراجه من الحفظ بعد ظهور مستجدات أخرى، من بينها أن الشركة المتعاقد معها لا تتمتع بالصفة القانونية حين أبرمت الاتفاقية بينها وبين المجلس الإقليمي، لأنه لم يتم إحداثها بعد يوم فتح أظرفة الصفقة بتاريخ 16 مارس 2017 على الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال، كما أنها لم تحصل على شهادة السجل التجاري إلا يوم 20 مارس، أي بعد توقيع عقد الصفقة، كما أن التسجيل في الضمان الاجتماعي لم يتم إلا يوم 21 مارس من السنة ذاتها، ورغم ذلك حازت على هذه الصفقة المثيرة بطريق «مشبوهة»، والتي تصل قيمتها إلى مليار و874 مليون سنتيم.
واستنادا إلى المعطيات، فقد اعتبر الوكيل العام للملك لدى محكمة الاستئناف بمراكش أن فصول التحقيق في هذه القضية بينت أن المتهميْن ارتكبا المنسوب إليهما، خصوصا أن رئيس المجلس الإقليمي الأسبق لتارودانت يعتبر مؤتمنا على مالية المجلس، ومن المفروض عليه أن يحافظ على هذه المالية من الاختلاس والتبديد. كما اعتبرت النيابة العامة أن اقتناء 40 حافلة بثمن يفوق سعرها الحقيقي يشكل أيضا اختلاسا وتبديدا للمال العام، إضافة إلى أن زوجة برلماني، باعتبارها صاحبة الشركة التي اقتنت هذه الحافلات لفائدة المجلس الإقليمي، وحصولها على مبالغ تفوق قيمتها السوقية، تكون قد شاركت في تبديد المال العام.





