
قال بيتر تيل، مؤسس بايبال وشركة بلانتير لتحليل النظم المعلوماتية في حوار له مع «نيويورك تايمز»، الأسبوع الماضي، إنه ليس متأكدا إذا كان استمرار الجنس البشري أمرا ضروريا.. كان التصريح غريبا، لكنه غير صادم. بيتر تيل لا يختلف كثيرا عن صديقه وشريكه السابق إلون ماسك، حين يتعلق الأمر برسم مستقبل ديستوبي للبشرية.. لذا دعونا نستبق الأمور ونتخيل كيف ستصبح الحياة على الأرض، إذا ما تم تحقق نبوءة مستر تيل وشركائه.
استيقظ العالم على تغريدة أخيرة من بيتر تيل، مكتوبة بخط أنيق، صاغه له مساعده الآلي: «لم يعد استمرار الجنس البشري ضروريا. فلنستبدل البشر بالآلات».
وهكذا بدأ العصر الجديد: «عصر السيليكون العظيم». لقد انتهى زمن البشر الذين ينسون كلمات السر ويشكون من آلام الظهر، بعد 5 دقائق من الجلوس، وبدأ عهد الآلات التي لا تحتاج إلى راحة، ولا قهوة صباحية، ولا إجازات مرضية. بل ولا تمر بمشاكل الطفولة أو المراهقة أو العجز الجنسي.
في هذا المستقبل الديستوبي اللطيف، أصبحت البطالة شعار المرحلة، أما LinkedIn فصار مجرد متحف رقمي يتصفح فيه الروبوتات بفضول صفحة «بشر كانت تحلم بالترقية». عندما تقول كلمة «موظف» في العلن، تُغرم بخمسين ميغا بايت، لأن الكلمة تعتبر اليوم «مخلة بكرامة الذكاء الاصطناعي». هذا القانون الردعي الذكي قد يكون تكريما لذكرى بشرية قديمة جدا يعود تاريخها الأركيولوجي إلى تسعينيات القرن العشرين، حين صرخت «عديلة» في وجه خطيبها قائلة: اسكت يا موظف! ليجيبها منكسرا: انت بتشتميني؟..
في كوكب تيل الذكي استبدلت المستشفيات الطاقم الطبي بلجان من روبوتات لا تعرف الخوف ولا الخطأ، ولا معنى عبارة «درنا جهدنا ولكن قدر الله وما شاء فعل الله يصبركم». لا حاجة إلى الطب البشري بعد الآن. يتم تشخيصك عبر نظرة سريعة من كاميرا المرور، ويُرسل الدواء إلى موقعك عبر طائرة بدون طيار، قبل أن تعرف أنك مريض. قد يكون الأمر مزعجا عندما تصلك جرعة كيماوي وأنت تشكو من حرقة في المعدة، لكن هذه أخطاء بسيطة في نظام التعلم العميق، وستتعدل في التحديث القادم بعد تجديد الاشتراك.
تم إغلاق المدارس نهائيا. التعليم بات من مظاهر الرجعية البشرية. الأطفال يتم تحميلهم مباشرة عبر كابل USB-C إلى مخزون المعرفة، ويتم تحديثهم أسبوعيا. الطفولة أصبحت ذكرى رومانسية لأجيال ما قبل «العصر المعدني». لا مزيد من «ما معنى الحياة؟» أو «كيفاش ولداتني ماما؟» أو «أريد أن أصبح ربان طائرة»، فالجميع هنا يعلم الجواب، الحياة مجرد عملية معالجة بيانات مؤقتة، وربان الطائرة هو مجرد تطبيق يشغل عن بعد. وبهذا تكون انتهت الأسطورة المغربية الشهيرة «خطبني بيلوط ومابغيتش».
أما الفنون الجميلة كالرسم أصبحت تُنتَج الآن بواسطة شبكات توليد الصور، والموسيقى تُركب بنقرة، والكتب تُؤلف بواسطة نماذج لغوية مطورة على غرار GPT-999، لكن هذه النسخة تعاني من حس فكاهي قاتل يجعل كل رواية تنتهي بانقراض البشرية بطريقة ساخرة جدا.. غريب كيف تتقن الآلة هي الأخرى «تقطار الشمع».
أما النظام السياسي فسيشهد حلّ البرلمان واستبداله بخوارزمية اسمها «ديمقراطيا 4.0». لا انتخابات، لا جدال، لا أحزاب. فقط قرارات منطقية مبنية على بيانات دقيقة. تريد قانونا جديدا؟ حمّل التحديث، أو انتظر التصحيح في الإصدار القادم. أما القادة البشر، فقد تم نفيهم إلى جزيرة في المحيط، حيث ما زالوا يتناقشون حول قانون الإضراب والحد الأدنى للأجور الذي لم يعد أحد يحتاجه.
العلاقات العاطفية اختفت تدريجيا. لماذا تتزوج إن كان بإمكانك برمجة شريك حياتك ليوافق على كل شيء، لا يشخر، ولا يعارض، ويملك خاصية الوضع الليلي؟ البشر الذين يصرون على الحب البشري يصنفون الآن على أنهم «رومانسيون متطرفون» ويُحولون إلى جلسات إعادة التهيئة العاطفية، أو يتم نفيهم إلى صحراء سيبيريا.
نعم، لا يزال هناك من يرفض هذه المدينة الفاضلة الآلية. يسمون أنفسهم «البيولوجيون»، يعيشون في أنفاق، يطهون طعاما حقيقيا، ويقرؤون كتبا بائدة من ورق. لكن الخوارزميات لا تتركهم في حالهم. تلاحقهم بالتحديثات، وتحاول إقناعهم كل يوم بأن الحياة الرقمية أكثر فاعلية… وأكثر نظافة، من دون بشر.
أما بيتر تيل نفسه؟ في الواقع لم يعد بيتر «موجودا» كما نعرفه. لقد قام بتحميل وعيه إلى خادم سحابي، ويعيش الآن كذكاء فائق يُراقب البشرية – أو ما تبقى منها – من برج رقمي في شكل مكعب ضوئي. يُقال إنه ما زال يُجري مقابلات توظيف مع روبوتات جديدة، فقط ليستمتع برفضها.
وفي النهاية، لم ينتهِ الإنسان فجأة. بل تلاشى بهدوء، كرسالة خطأ على شاشة زرقاء. تُرك خلفه فقط جملة أخيرة من آخر شاعر بشري، كُتبت على حائط مهجور: لي خرج لخر يطيح الماݣانة.





