شوف تشوف

الرأيالرئيسيةثقافة وفن

حقائق كونية محجوبة

 

بقلم خالص جلبي

اختلف الناس لألف سنة حول دوران الشمس، وأحرقت الكنيسة العباد من أجل هذه الحقيقة. فأصرت على أن الأرض مركز الكون، وأن الشمس والقمر وكل الكواكب تدور حول الأرض لها ساجدين. وأن من يرفض هذه الحقيقة فاسد العقيدة، يجب التضحية به وتقديم دمه قربانا إلى الله.

وإذا أراد الناس البرهنة على بديهية، قالوا مثل الشمس في رابعة النهار. واعتبر أرسطو أن أفضل شكل للدوران هو شكل الدائرة. فقال إن الشمس تدور حول الأرض على شكل حلقة دائرية مكتملة، وإن الكمال هو في شكل الدائرة.

والذي تبين أن الأرض ليست كروية تماما، وأن الأرض هي التي تدور حول الشمس مع كواكب أخرى. وأن الأرض لا تزيد على كوكب تافه بين مليارات من الكواكب تسبح في الملأ الأعلى. وأننا نعيش بتواضع في نظام شمسي وعائلة تضم ثمانية أولاد، بعد أن أعلنت البراءة من التاسع بلوتو. وأن دوران الأرض ليس كما تصوره أرسطو، بل هو على شكل إهليلجي، وأن سرعتها تزداد بالاقتراب من الشمس وتهرب بسرعة لتبرد من الشواظ الشمسي، فتتباطأ في سباحتها. وأن الدوران الإهليلجي نفسه يمشي ليس على خط مستقيم، بل متعرج مثل مشية السكران المترنح، أو طلقة الرصاصة حينما تخرج من السبطانة. وأن كلا من الأرض والشمس في حالة رقص دائم، وأن هذا الرقص يفيد في تعيين حجم الكواكب التي تدور حول شموس أخرى. وأن نفس الحلقة الإهليلجية لها حضيض، أي أنها دائرة يتغير مستواها في الفلك، وأن المجموعة الشمسية مع الشمس لها حركتها بدورها، وكل في فلك يسبحون. وأن المجرة لها حركتها بما تضم من مائة مليار نظام شمسي، مثل الذي ننتسب إليه. وأن المجرات لا تدور فقط، بل تتباعد عن بعضها، وأن التباعد له سرعة تزداد طردا. وأن الكون ماض إلى نهاية يشيخ فيها بالتدريج ويموت. وأن عمر الشمس 8 مليارات سنة، وأن عمر الأرض 4.6 مليارات سنة، وأن الأرض ستعمر 500 مليون سنة، قبل أن تنطفئ منها الحياة، حسب آخر المعلومات الكوسمولوجية. وأن الكون بدأ من نقطة متفردة رياضية، حيث انضغط كل الكون في حيز أقل من بروتون واحد. وأن الكون الذي نعيش فيه قد يكون ليس الكون المتفرد، بل هناك أكوان أخرى موازية، مثل فقاعات الصابون التي ينفخها الطفل. وأن سرعة الضوء ليست النهاية لكل سرعة، وأن التنقل في الكون قد يتم بدون سرعة، عبر ثقب دودية من أقصاه إلى أقصاه. وأن مكونات المادة النهائية ليست الكوارتز واللبتونات، بل قد تكون أوتارا فائقة على شكل لا يمكن لأعظم مجهر إلكتروني أو بروتوني أو سيكلوترون (مسرعات تحت أرضية) أن يراها. وأن هذه الأوتار الفائقة نشأت في كون ليس من أربعة أبعاد، بل أحد عشر بعدا، وهو أمر توصل إليه العلماء بالرياضيات وليس بالتصور. وهناك الكثير من الأشياء يتم تعقلها وليس تخيلها، وإذا اختلف الناس في أكثر الأشياء بداهة التي هي الشمس، فهو يعني أن الجدل أصعب وأشق في ما هو دون هذه الحقيقة الضخمة التي ثبت أنها ليست حقيقة. وإذا كان الخلاف حول المادة بهذه الصعوبة، فكيف بالحياة الفيزيولوجية، فضلا عن الحياة النفسية أو الاجتماعية. وفي هذه النقطة سمى المؤرخ البريطاني، توينبي، الحضارة البعد السادس، بعد البعد الرابع المادية والخامس للحياة والسادس للروح الإنسانية. وفي علم الاجتماع لم تتطور الأمور وتكشف، كما حدث في علم المادة والفيزياء والطب. فالخلية أبصرت تحت المجهر العادي، وكشف تركيب الذرة وفجرت، والكود الوراثي تم تفكيك خريطته. كما سحق الزمن حتى الفيمتو ثانية (واحد من  مليون مليار جزء = كوادرليون أي (عشرة مرفوعة للقوة -15)، والنسبة بين الثانية والفيمتو ثانية، كالنسبة بين الثانية و32 مليون سنة. ويقطع الضوء خلاله مسافة قدرها قطر الفيروس). ولكن علم الاجتماع لم يتطور كما تطورت علوم المادة، وهي قضية فلسفية أهم من الفيزياء وعلم الحياة. وكل المعاناة الإنسانية هي في عدم إدراك وولوج هذا العالم. والأنبياء في التاريخ جاؤوا من أجل هذه القضية، ومن هذه الحقائق الكونية المغيبة أربع:

1- أنه لا يمكن لطاغية أن يحكم أمة واعية.

2- كما لا يمكن لأمة جاهلة أن تستفيد من حاكم راشد.

3- وأن الإيمان بالقوة يقود إلى قتل أعدل الناس، كما تمت التضحية بعلي كرم الله وجهه.

4- والإيمان بالقوة يقود إلى الكفر بالعقل وتعطيله. ولهذا لا تقوم قائمة لمجتمع آمن بالقوة وودع العقل، كما في العالم العربي، لأنه يفقد دماغه ومن يفقد دماغه يمشي مقلوبا، ومن يمشي مقلوبا يفقد رأسه ورجليه معا. 

وعندما غيب العقل انفتح صندوق باندورا بكل الشرور فآمنا بالخوارق وألهنا الزعيم وارتفعت أصنام القيادات السياسية وغابت السننية وبرز الوثن، ولم تعد لنا سيطرة على المشاكل. وجرت العادة أن المتكبر لا يرى الطريق حتى تزول عنه حالة التكبر، وحتى يتحول المتكبر إلى حالة الصحة، فإن ما يغيره ليس الوعظ قط، بل العذاب بالتدريج. تزاد الجرعة كل مرة حتى يرجع في النهاية مرغما آنفا غير طائع.

ولنذيقنهم من العذاب الأدنى دون العذاب الأكبر لعلهم يرجعون.  

 

نافذة:

الإيمان بالقوة يقود إلى الكفر بالعقل وتعطيله ولهذا لا تقوم قائمة لمجتمع آمن بالقوة وودع العقل كما في العالم العربي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى