شوف تشوف

خاص

حكاية أشخاص قضوا فترة «تمرين» في دواوين قبل أن يتحولوا إلى وزراء

يرى الفرنسيون أن مؤسسة الديوان هي مدرسة لتكوين وزراء المستقبل. لذلك شغل كثير من الوزراء الفرنسيين مناصب رؤساء دواوين أو مستشارين، قبل أن يتحولوا إلى وزراء، فداخل مؤسسة الديوان، يمكن للمرء أن يتعلم ضوابط عمل الوزارة وكيفية معالجة الملفات الكبرى المعروضة على الوزير، بدل الدروس التقليدية التي تختزل دور رئيس الديوان في كونه واسطة لتبليغ مجموعة من التعليمات إلى المرؤوسين أو حلقة وصل بين الوزير وبين بقية المتدخلين.
في المغرب، تعتبر الدواوين فرصة للتوظيف المباشر للأهل والأحباب والمناضلين الذين يتقاسمون مع الوزير نفس اللون السياسي، لكن نادرا ما يتحدث الوزراء عن مرورهم مرور الكرام في الدواوين، علما أن أغلبهم مر من هذه التجربة، التي ذاق مرارتها وزراء انتقلوا من مجرد موظفين إلى وزراء سيادة.
ومن الوزراء الذين تخرجوا من مدرسة الديوان، نزهة الشقروني، التي اشتغلت طويلا في ديوان خالد عليوة، كما اشتغل جمال أغماني رئيسا لديوان خالد لفترة معينة، قبل أن يصبح وزيرا للتشغيل، وهو محصن بأدق تفاصيل وزارة المتاعب.
وتخرج من نفس المدرسة عبد العزيز رباح، وزير التجهيز والنقل، والذي شغل منصبا في ديوان أحمد لحليمي، وفي ديوان جطو، وشغل عبد العظيم الكروج، منصبا في ديوان صديقه نزار البركة في حكومة عباس الفاسي، اعتبرت فترة «إحماء» قبل تقلد منصب وزاري، وهناك أمثلة عديدة في تاريخ الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد تجعل الوزراء القادمين من مؤسسة الديوان أكثر قدرة على تدبير الشأن الوزاري من الوافدين الجدد.
هناك وزراء تمرنوا في أكثر من ديوان وزاري، ومنهم من لعبت الصدف في انتقاله من الوظيف إلى الوزارة، ومنهم من صرف النظر على المنصب على غرار أحمد رضا الشامي، وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة في الحكومة السابقة، الذي تمرد على الطقوس الوزارية واشتغل دون رئيس للديوان، لإيمانه بقدرة التكنولوجيا الحديثة على تعويض الكفاءات.
أما آخر الوزراء المعينين لحسن السكوري فاجتاز بدوره تجربة الديوان، مع راعيه الرسمي امحند العنصر، الذي عمل طويلا في ديوانه قبل أن يدعمه ويؤازره في نيل الحقيبة الملعونة للشباب والرياضة.

مستشار محمد الخامس يؤدي رواتب مساعديه
في عهد الملك الراحل محمد الخامس، لم يكن مفهوم الديوان قد أخذ مكانته في هرم الوظائف الحكومية، حيث كان أغلب الوزراء الذين تم تعيينهم في التشكيلة الحكومية الأولى، برئاسة مبارك البكاي لهبيل، يعتمدون على أقرب المقربين إليهم لشغل منصب المستشار، وغالبا ما يتحكم العنصر القبلي أو الحزبي في هذا الاختيار. يكفي أن نعرف أن الوزير الأول لأول حكومة بعد الحصول على الاستقلال اختار ابن عشيرته عبد القادر بنصالح، الملقب بـ «فرانكو المغربي»، وهو والد مريم بن صالح الرئيسة السابقة للباطرونا، ليكون مستشاره الخاص. وجاء تعيينه من طرف البكاي بحكم صلة الجوار، فهما معا ينتميان إلى مدينة بركان. إلا أن الوزير برر الاختيار بمكانة عبد القادر كرمز من رموز المقاومة في المغرب وأحد أكبر أثرياء المملكة، حيث اعتبر إمبراطورا للمشروبات الغازية، وكان عبد القادر يمنح رواتب مساعديه في الوزارة الأولى من ماله الخاص، في غياب ميزانية مخصصة للمستشارين، الذين كانوا يلقبون عادة بمستشاري التاج. وهي الوظيفة التي تقلدها مجموعة من كبار الزعامات الدينية أيضا على غرار شيخ الإسلام محمد بن العربي العلوي، أحد مؤسسي حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، والمختار السوسي ولحسن اليوسي، إذ حمل هؤلاء صفة مستشاري العرش، وهي وظيفة كانت محكومة وقتئذ بتأثير الطابع القبلي على المجتمع المغربي.
بعد الاستقلال كان مجال الاستشارة الملكية ضيقا جدا، ومن بين الذين اشتغلوا في مكتب محمد الخامس نذكر: مسعود الشيكر الذي كان مدير الديوان الملكي والذي كان وزيرا للداخلية. ومحمد توفيق القباج الذي كان عضوا في الديوان، ثم رئيسا له على مدى خمس سنوات، وقبلها اشتغل توفيق بإدارة الشؤون الشريفية، حيث كان صلة وصل بين السلطان محمد الخامس والمقيم العام الفرنسي ممثل الحماية الفرنسية. توفيق القباج الذي سبق له أن شغل سفيرا للمغرب في عدد من البلدان الافريقية وفي رومانيا والنمسا، وهو ابن عبد الجليل القباج الذي كان أول مدير لجريدة العلم. واشتغل أيضا في هذا المنصب أحمد بناني المعروف بقربه من الفرنسيين، بعدما اشتغل مع المقري طويلا، ثم المهدي بنونة الذي كانت له علاقة بالإسبان، وعبدالوهاب بن منصور الذي سيصبح في ما بعد مؤرخا للمملكة.

المذبوح من الوزارة إلى الديوان إلى التصفية
لم يفهم كثير من العارفين بالشأن السياسي سر تعيين عسكري برتبة جنرال في منصب وزير البريد والتلغراف والتليفون، التي كان يطلق عليها اسم وزارة الخدمات البريدية واللاسلكية، فهو أول عسكري يتقلد منصبا وزاريا في غير إدارة الدفاع، دون أن يعبر عبر مسالك السلطة المدينة، جاء تعيينه في منصب شغله قبله اليهودي الدكتور بن زاكين المنحدر من أصول مغربية. ومع مرور الأيام ارتقى الرجل في سلك السلطة ليتحول إلى مستشار في الديوان العسكري للملك الحسن الثاني، أي أن مساره كان معكوسا من الوزارة إلى الديوان وليس العكس كما تقتضي تقاليد المناصب الحكومية.
لكن الرجل الذي كان يستعد لوضع اليد على وزارة الدفاع، وعلى السلطة العسكرية في البلاد، سيتورط في انقلاب عسكري ضد الملك الحسن الثاني، ويكون من بين مهندسي تمرد الصخيرات صيف 1971، في الوقت الذي كانت زوجته زوليخة نجلة الماريشال الريفي أمزيان تتحدث بمناسبة أو بدونها عن إخلاص زوجها للعرش، وتروي غاراته على «المفسدين».
ومن طرائف زواج المذبوح أن الماريشال أمزيان رفض تزويجه زوليخة حين كان مجرد ضابط في الجيش، وهو الذي اعتاد تزويج بناته الست من رجال دولة، وكان ينتقي الأزواج بدقة، ويقدم شروطا صارمة لا تقبل النقاش، لذا فقد زوج خمس بنات لرجال لهم رتب عسكرية عالية، بينما تمردت ليلى على هذا القانون الداخلي الصارم واختارت الارتباط بمدني زاده المال وليس السلاح، وهو الثري عثمان بن جلون، قبل أن تحذو حذوها شقيقتها مريم.
كي يظفر بيد زوليخة، قال الجنرال محمد المذبوح للماريشال، إنه مرشح لمنصب وزير الدفاع، بينما كانت الفتاة تتحدث عن الحس الثوري لخطيبها، وحين عين في ديوان الحسن الثاني، فتحت له أبواب الجاه، إلا أنه لم يكن يسعى إلى ذلك، إذ كشفت زوليخة أنه ظل يرفض «إكراميات» الملك. وحسب شهادة أوردها عبد الحق التازي، فإن «الحسن الثاني كان يعطي المذبوح في كل مناسبة أغلفة مالية مهمة. ولاحقا، عرفت أن المذبوح لم يكن يفتح تلك الأظرفة، بل كان يضعها في خزنة حديدية في بيته، وقد تم العثور عليها مغلقة بعد مقتله، وهو ما يعني أن المذبوح لم يكن راضيا بتلك الإكراميات».
دعيت زوليخة لتقديم شهادتها أمام المحكمة، في قضية انقلاب الصخيرات وتورط زوجها، لكنها فاجأت هيئة القضاء والدفاع، حين صرحت بأن مؤامرة الانقلاب كانت مدبرة قبل ذلك اليوم وتحديدا في 14 ماي بمدينة الحاجب، لكن سوء أحوال الطقس جعل زوجها المذبوح يأمر أعبابو بتأجيل الفكرة إلى مرة لاحقة.

البصري مدير ديوان الدليمي الذي أرعب الوزراء ودواوينهم
دشن ادريس البصري مساره المهني بوظيفة مفتش شرطة في سلك الأمن الوطني، حيث كان يقطن في حي البوطوار الشعبي بمدينة سطات، قبل أن ينتقل إلى فيلا في ابن سليمان وإلى فيلا فاخرة في طريق زعير بالعاصمة الرباط، ويصبح ابن الحاج العربي، الذي عمل لفترة طويلة حارسا في سجن عين علي مومن، الحاكم المطلق للبلاد بتفويض من الملك الحسن الثاني.
لم يكن إدريس البصري يخفي إعجابه بثلاثة رجال كان يقول عنهم إنهم «رجال لبلاد» وهو يعترف بدورهم في تمكينه من فهم معنى السلطة، فقد اشتغل إلى جانبهم وانقلب عليهم وخاض مع بعضهم صراعات طويلة، وهم: الجنرالان محمد أوفقير وأحمد الدليمي، والمستشار أحمد رضا اكديرة. كانوا ثلاثة ورابعهم تلميذهم البصري، وباستثناء الدليمي، فإن ثلاثة منهم جلسوا على كرسي وزارة الداخلية.
والحال أنه تعلم منهم فن طبخ الاستحقاقات الانتخابية، وخبر بفضلهم تضاريس السلطة الترابية، سيما بعدما عمل مديرا لديوان الدليمي حين كان هذا الأخير مديرا عاما للأمن الوطني، قبل أن يلتقيا في مناصب متشابهة حين عينهما الحسن الثاني مسؤولين في الاستخبارات، البصري على رأس مديرية حماية التراب الوطني، التي لم يغادرها إلا في صيف 1999، والدليمي مسؤولا عن مديرية الدراسات «لادجيد»، التي أبعدته عنها «حادثة سير» قاتلة في مطلع عام 1983.
حين استوى إدريس البصري على رأس وزارة الداخلية، كان نفوذ أحمد عصمان في طريقه إلى التراجع، فقد كان هناك رجل آخر لا يبادله الود، لم يكن سوى الجنرال أحمد الدليمي الذي لم يكن البصري يستطيع الحركة خارج الإطار الذي رسمه الرجل القوي في المؤسسة العسكرية. فقد كان يضع نصب عينيه أنه يعمل في إطار سياسي، لكنه لم يكن يقدر على معاكسة نفوذ الجنرال، الذي يعتبر معلمه الأول ورئيسه المباشر حين كان رئيسا لديوانه في جهاز الأمن.
كان البصري شاهد عيان على انقلاب الصخيرات، في العاشر من يونيو 1971، حيث كان متواجدا غير بعيد عن مسرح الجريمة بصفته مدير ديوان المدير العام للأمن الوطني، وقيل إنه ركض في اتجاه الشاطئ مهرولا للنجاة بنفسه، وحين صادفه أحد الأصدقاء متسائلا عما يحدث هناك، رد عليه بالقول: «دارها المذبوح». وحين كان العقيد أحمد الدليمي بصدد إعداد تقارير أمنية عن تلك الأحداث، تمكن البصري، من موقع مدير ديوان، أن يجمع شتات تلك التقارير برؤية استعلاماتية جعلته يحظى بتقدير الدليمي الذي سيكون هذه المرة أول من يثير اسم إدريس البصري أمام الملك الراحل الحسن الثاني، فقد التقت رغبته في الاستيلاء على بعض الصلاحيات الأمنية التي كان يتمتع بها الجنرال أوفقير وزير الداخلية ثم الدفاع، مع الحاجة إلى ضخ دماء جديدة في دواليب السلطة. ومع أن وقائع المرحلة ستدفع الحسن الثاني إلى تعيين البصري رئيسا لقسم الولاة والشؤون العامة في وزارة الداخلية، فإن العقيد الدليمي كان مرتاحا لذلك الاختيار، لأنه وضع أحد تلامذته النجباء في قلعة الداخلية التي كانت عصية على الاقتحام على عهد الجنرال أوفقير، وفي الوقت ذاته، جعل الجنرال يبدو وكأنه صاحب الفضل في ذلك القرار بالنظر إلى أنه كان يرى في الشاب البصري رجله في الحكومة.

المسيوي من اتحاد الكرة إلى وزير لاتحاد المغرب العربي
لم يكن عبد العزيز المسيوي يظن أن حضوره أشغال مناظرة وطنية، نظمت في المغرب شهر ماي من سنة 1979 وترأسها المحامي المعطي بوعبيد، ستنتهي بعرض من هذا الأخير يعجل بانضمام النقابي الرجاوي إلى حزب الاتحاد الدستوري، حيث سيشغل مناصب في دواليب الحكومة بدءا بعضوية ديوان عبد اللطيف السملالي وزير الشبيبة والرياضة، وصولا إلى منصب كاتب دولة مكلف بالعلاقات مع اتحاد المغرب العربي.
في ليلة تأبين عبد العزيز المسيوي، خلال شهر أبريل من سنة 2011، لوحظ وجود عدد من الرياضيين ورجال التعليم، ودار حديث عن توغل الرجل في مجالات التربية والتعليم والرياضة قبل أن يخوض غمار السياسة.
وحين ووري جثمان الفقيد الثرى بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء، كانت كلمات التأبين تسلط الضوء على رجل متعدد الاختصاصات، بين ما هو رياضي ونقابي وسياسي وتربوي، كما تولى بعض المهام الوطنية، من بينها كاتب الدولة لدى وزير الخارجية مكلف بالعلاقات مع اتحاد المغرب العربي، وشغل لفترة طويلة مهمة مدير ديوان وزير الشباب والرياضة عبد اللطيف السملالي، ناهيك عن موقعه كنائب برلماني باسم الاتحاد الدستوري لمدة 18 سنة من 1984 إلى 2002، كما برز في مجال التشريع الرياضي بصفة خاصة، حيث أصدر مؤلفات سلط من خلالها الأضواء على القوانين المنظمة للمشهد الرياضي الوطني.
ولد عبد العزيز في مراكش سنة 1944، من أسرة ذات أصول أمازيغية وانتماء عربي، واستطاع أن يقطع مراحل صعبة، ومر بمرحلة التعليم الابتدائي في مراكش، وعاش مع أبيه المتقاعد من سلك الشرطة، ولازم البيت إلى سنة 1960، حيث دخل المدرسة الإقليمية للمعلمين، ومنها تخرج ليصبح معلما في مجموعة مدارس «إيميني» بإقليم ورزازات.
لكن الرجل لم يكن مجرد كاتب دولة مكلف بتلحيم اتحاد المغرب العربي، بل انشغل أيضا بالكرة من خلال مهامه داخل الرجاء البيضاوي، ومكتبه المديري، ثم عضويته في الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم، إذ في ظل استحالة نزع نعرات الفتنة من تربة المغرب العربي الكبير، كان عبد العزيز يرأس أكثر من وفد كرة في أسفار خارجية، حتى أصبح يجمع في حقيبة واحدة اختصاصات وزارية وكروية وحزبية.

اكديرة عضو الديوان الذي حكم وزارات السيادة ومات فقيرا
بعد حصول أحمد رضا كديرة على ديبلوم معهد الدراسات القانونية العليا بالرباط، قرر الشاب ابن المدينة القديمة للعاصمة البحث عن يد تنتشله من المغرب وتساعده على استكمال دراسته الجامعية في فرنسا، سيما بعد أن قطع عدد من رفاق دربه الدراسي مضيق البوغاز واستقر بهم المقام في الجامعات الفرنسية، ولأنه كان يعاني من اليتم والخصاص، فقد تحمل عمه العربي تكاليف الرحلة إلى باريس، ومكن ابن شقيقه من تحقيق طموحاته.
لكن وصوله إلى باريس في منتصف الأربعينات، تميز بخلاف مع رفاق الأمس من أعضاء الاتحاد الوطني لطلبة المغرب، الشيء الذي أخر اندماجه السريع في مجتمع فرنسي يختلف كثيرا عما عاشه في درب الزاكي بالرباط العتيقة.
حرص أحمد على استكمال تعليمه في المجال الحقوقي، والتركيز على دراسته بعد أن صده تيار الدويري الذي عاش معه حربا باردة في عاصمة لا تقل صقيعا عن جو العلاقات الطلابية المغربية، لذا كان هدفه الأول هو الحصول على شهادة الإجازة في القانون الخاص، وهو ما تأتى له بفضل إصراره ورغبته في مبادلة جحود رفاق الأمس بالنجاح والتألق المعرفي.
مباشرة بعد عودته إلى المغرب، فتح أحمد رضا اكديرة مكتب محاماة بالرباط، بدعم ومساعدة من صديق طفولته رشيد ملين الذي كان ميسور الحال، وقرر إلحاق كريستيان بالمكتب اكديرة بعد أن أعلن نفسه مدافعا عن قضايا المقاومين والبسطاء بالمجان.
بفضل الفقيه محمد الركراكي المدرس بالمدرسة المولوية، تعرف المحامي الشاب على الملك محمد الخامس ومولاي الحسن في منتجه الصيفي بإيفران، فتطورت علاقته بولي العهد إلى صداقة قوية كانت بابه الأوسع لعالم السياسة والمناصب الحكومية، قبل أن يساهم في تأسيس أحزاب عديدة مقربة من القصر، أبرزها جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية «الفديك» سنة 1936. وبفضل زوجته لم يأل اكديرة جهدا في الدفاع عن المشروع الليبرالي الذي كان يعني يومئذ تقوية العلاقات مع فرنسا.
التحق أحمد رضا اكديرة بديوان ولي العهد الأمير مولاي الحسن، وأصبح مديرا عاما للديوان الملكي، ومديرا لديوان رئيس الحكومة الملك، ووزيرا للفلاحة، ووزيرا للدفاع، ووزيرا للداخلية، ووزيرا للخارجية بالنيابة. وهكذا كان اكديرة مفردا بصيغة الجمع.
عانى أحمد في منتصف التسعينات من مرض عضال أبعده عن الحياة السياسية والاجتماعية، فاختفى عن الأنظار كثير من الموالين له في زمن سطوته، وأصبح هاتف بيته لا يرن إلا بالخطأ، مما أثار حفيظة أبنائه وزوجته التي دعته إلى بيع كل ما يملك والعودة إلى فرنسا للاستقرار النهائي هناك. زاره الملك الحسن الثاني سنة 1994 في بيته بتمارة واكتشف أن البيت متواضع وأنه لم يبق من الأثاث إلا قطعا أثرية.

الطيب الفاسي الفهري من ديوان الخارجية إلى الديوان الملكي
قبل أن يعين الطيب الفاسي الفهري، وزيرا للشؤون الخارجية، تمرس الرجل في مكاتب الدواوين، بعدما تتلمذ على يد مدرسين فرنسيين، في ليسي ديكارت، سيرا على نهج آل فاس، وخاصة قيادات حزب الاستقلال الأوفياء لهذا العهد إلى اليوم، إذ ظلوا حريصين على تعليم أبنائهم في مدارس البعثة الفرنسية وإرسالهم إلى فرنسا لاستكمال دراستهم العليا هناك، ثم العودة إلى المغرب لاحتلال مناصب المسؤولية، بدءا بتدريب قصير في دواوين أفراد عائلاتهم.
نال الطيب الفاسي الفهري شهادة الباكالوريا سنة 1976، وقبله حصل شقيقه الأكبر علي الفاسي الفهري على نفس الشهادة من نفس الثانوية وسبقته زينب الفاسي الفهري، بنت أخت عباس الفاسي التي كانت مديرة الشؤون العامة بوزارة الخارجية إلى «الباك» بعام واحد، وكأن ديكارت تنجب فهريا كل عام.
عاد الطيب إلى المغرب في صيف سنة 1981، وهو يتأبط ديبلوم الدراسات المعمقة في الاقتصاد العمومي والتخطيط من جامعة «السوربون»، لكنه عاد إلى باريس ليكمل دراسته بعد أن نصحه أفراد عائلته بضرورة نيل شهادة الدكتوراه، مادامت الحاجة إلى شغل ليست من صميم انشغالات الأسرة، التي كانت تسعى للعودة بقوة إلى دائرة القرار بعد أن آمنت بأنه لا ثقة فيها بعد أن انتهى المطاف بالأب «مجرد» سفير في اليونان.
لم يكن الطيب في حاجة للبحث في صفحات الجرائد عن مواعد مباريات التوظيف، إذ شغل بعد عودته من فرنسا، في أكتوبر1984، منصب ملحق بمديرية التخطيط بوزارة التخطيط قبل أن يعين في يونيو1985 مكلفا بمهمة بديوان الوزارة المنتدبة لدى الوزير الأول المكلفة بالعلاقات مع المجموعة الأوربية، حيث شارك بهذه الصفة في مختلف المفاوضات حول العلاقات بين المغرب والمجموعة الأوربية، وهو ما فتح شهيته للمناصب أكبر، إذ بعد سنة واحدة فقط، شغل منصب رئيس قسم بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون مكلفا بالعلاقات مع المجموعة الأوربية. وفي سنة 1989 عين مديرا لديوان وزير الدولة المكلف بالشؤون الخارجية والتعاون، وهو الجسر الذي سيعبر منه نحو منصب كاتب للدولة في الشؤون الخارجية والتعاون إلى أن عينه الملك محمد السادس مكلفا بمهمة بالديوان الملكي.

سمية بن خلدون مديرة ديوان وأشياء أخرى
ظل ديوان الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، في عهد الحبيب الشوباني، يعيش على إيقاع التقلبات «الديوانية»، حيث بلغ عدد مسؤولي ديوانه خمسة رؤساء، وفي رواية أخرى ستة، في ظرف عامين. لكن أشهر رؤساء ديوانه هي سمية بنخلدون، التي توجت مسارها المهني في الحكومة بحكاية حب وقصائد عشق ساهمت في إجلائهما معا عن تشكيلة عبد الإله بن كيران.
رغم أن سمية بن خلدون ولدت في مدينة مراكش يوم 13 مارس 1963، فإنها حطت الرحال في مجموعة من المدن المغربية مثل الدار البيضاء والقنيطرة والرباط، علما أن أصولها فاسية من الأم ومراكشية من الأب الذي كان موظفا في مديرية الأملاك المخزنية، قبل أن تقوده تعيينات وظيفية إلى تغيير مسكنه صوب الرباط.
حصلت سمية على شهادة الباكالوريا سنة 1980 شعبة العلوم الرياضية بثانوية «عمر الخيام»، واجتازت مباراة ولوج المدرسة المحمدية للمهندسين بالرباط، وخلال مقامها في المدرسة ارتبطت بعلاقة حب عنيفة بأحد زملائها توجت بزواج مبكر وعمرها 20 سنة. أول راتب حصلت عليه سمية في وظيفتها في شركة للمعلوميات في ملكية رشيد بلمختار، هو 6 آلاف درهم، مع وعد برفعه بعد أن تتجاوز فترة الاستئناس بالشغل، لكنها اختارت إنهاء مسارها في الشركة بعد مرور سنة واحدة، لتنتقل إلى مجال التدريس، وتعود إلى مدينة الوالدة فاس لتشغل مهمة مدرسة لنظم المعلوميات بالمدرسة العليا للتكونولوجيا.
هيأت سمية بن خلدون نفسها مبكرا لتصبح وزيرة منتدبة في حكومة عبد الإله بنكيران، وقررت قضاء فترة «تدريب» على الشأن الوزاري في الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني، بمنصب رئيسة لديوان الحبيب الشوباني. ورغبة منها في جعل مقامها بالوزارة مرحلة تأهيل لمنصب قادم «لا ريب فيه»، لم تكن سمية تتقاضى أي راتب عن عملها في الديوان، رغم أنها كانت تقطع يوميا المسافة الرابطة بين مسكنها بالقنيطرة ومقر عملها، في «نافيت» يومي عبر القطار. واعترفت سمية في عدد من التصريحات بأن الشوباني كان يعاملها كوزيرة، وأن اختيارها لهذه الوزارة يراد من ورائه الغوص في حياة الأحزاب السياسية في علاقتها مع الحكومة. ويرى المقربون من سمية أن اشتغالها «تطوعا» أغضب زوجها، إلا أن روايات أخرى تقول بأن بنسودة الخازن العام للمملكة، رفض التأشير لها للاستفادة من تعويضات منصبها بسبب استفادتها من المغادرة الطوعية، فضلا عن تعويضات البرلمان وقرار تعيينها وزيرة منتدبة في البحث العلمي، عجل برحيلها من الوزارة المكلفة بالعلاقات مع البرلمان والمجتمع المدني.

الصبيحي من الديوان إلى منصب وزير مثل صهره
لا يتردد محمد الأمين الصبيحي، وزير الشؤون الثقافية، في التأكيد على براءة صهره مولاي اسماعيل العلوي، ونفي تدخله في استوزاره، كما ينفي بشكل قاطع تهديده بتقديم استقالته من حزب التقدم والاشتراكية إذا لم يحصل على حقيبة وزارية، مشيرا إلى أقدميته في الحزب التي تعود لسنة 1975، لما كان طالبا بالكلية، ما يشفع له بتأبط حقيبة وزارية.
قال الصبيحي يوما لصحيفة الصحراء المغربية: «أنا سليل أسرة سلاوية عريقة، فجدي كان باشا مدينة سلا، وأبي كان من أوائل المهندسين الزراعيين بالمغرب، وأول من بنى خزانة مفتوحة للعموم بسلا سنة 1967، ألا أستحق منصب وزير؟».
تدرج الصبيحي في العديد من المناصب من بينها نائب رئيس جامعة الأخوين، التي استقال منها لأسباب مهنية، قبل أن يشغل ما بين 1998 و2000 منصب مدير ديوان صهره وزير التربية الوطنية مولاي إسماعيل العلوي.
قال الصبيحي: «لو أخذت قرابتي بإسماعيل العلوي بعين الاعتبار لكان الأمر سلبيا بالنسبة إلي، لأن مولاي إسماعيل العلوي على عكس ما تظنون، حرص طيلة الفترة التي كان فيها أمينا عاما، وأنا معه، على ألا يسمح لنفسه بالدفع بصهره إلى المسؤوليات الحزبية. فانخراطي في الحزب ليست له علاقة مباشرة به، وانتخابي في اللجنة المركزية سنة 1995 ليس هو من كان وراءه، بل تواجدي كمناضل في مدينة سلا، وانتخابي لأول مرة في المكتب السياسي سنة 2006 في المؤتمر السابع لا علاقة لإسماعيل العلوي به، فقد كان الانتخاب حرا».
وأضاف الصبيحي أن تعيينه في ديوان وزير التربية الوطنية ليس قرارا صادرا عن اسماعيل العلوي، بل قرار صدر عن الحزب، «اتصل بي ساعتها محمد سالم لطافي وأخبرني بأن «هذا ليس قرار إسماعيل العلوي، ولكنه قرار المكتب السياسي، لأنك تتوفر على الكفاءات والقدرات المطلوبة لتولي هذه المهمة. وهذا كل ما في الأمر. وبخصوص ما تم تداوله حول التهديد بتقديم استقالتي من الحزب فاعتبره مجرد كلام لا أساس له. فأنا مناضل في حزب التقدم والاشتراكية، تدرجت في هياكله منذ سنة 1975 كطالب جامعي إلى الآن. وعلى امتداد 37 سنة من النضال الحزبي والسياسي، ومراكمتي لعدد من الشهادات العلمية والخبرات المهنية، لم يحدث أن كنت من المتهافتين على مناصب المسؤولية لذاتها. فكل المسؤوليات التي تحملتها كانت ذات طابع علمي، تربوي سواء داخل قطاعات الحزب أو ضمن ممارستي المهنية: فأنا أستاذ جامعي».
حين عين وزيرا للثقافة سار الصبيحي على نهج السلف الصالح، وعين مولاي علي الإدريسي كرئيس ديوانه من الحزب نفسه، «لأنه صديقي وأعرفه منذ أكثر من 20 سنة، لأن رئيس الديوان هو وزير الخفاء، فالكثير من القرارات يأخذها رئيس الديوان في تشاور مع الوزير في البداية، وبعدها من دون اللجوء إليه لأن الأمر يصبح سلسا، وتكون كل الأمور معروفة. وأكثر من هذا فمولاي علي الإدريسي ذو خبرة وحنكة سياسية، فهو عضو في المكتب السياسي لحزب التقدم والاشتراكية، ورئيس جماعة».

الظهير المتعلق بوضعية دواوين الحكومة
الظهير رقم 331 -24 -1، الصادر في 23 أبريل 1975، والمعدل سنة 1997، المتعلق بوضعية الحكومة وتأليف الدواوين.
الفصل الثالث
يحدد تأليف الوزير الأول كما يلي:
رئيس الديوان و6 مستشارين تقنيين وملحق صحافي
يضم ديوان كل وزير من الوزراء:
رئيسا للديوان و5 مستشارين تقنيين، منهم مستشار في الشؤون القانونية ومستشار في الاتصال ورئيس للكتابة الخاصة
ويتألف ديوان كاتب الدولة من رئيس للديوان ومستشارين تقنيين اثنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى