شوف تشوف

حمق وحاضي طرافو

 

بمجرد ما علم دونالد ترامب بعزم مدير دار نشر هنري هولت أند كومباني توزيع الكتاب الذي يكشف فيه ستيف بانون المستشار السابق للرئيس الأمريكي عن شيء بسيط للغاية وهو أن الأمريكيين انتخبوا رجلا أحمق لقيادتهم نحو الكارثة، سارع ترامب إلى مراسلة مدير دار النشر مهددا إياه بالمتابعة بحجة أن الكتاب يتضمن قذفا في حقه.

بماذا أجاب مدير دار النشر سعادة الرئيس، كتب إليه تغريدة على تويتر قائلا “بإمكانكم شراؤه وقراءته غدا، شكرًا سيدي الرئيس”.

أتصور لو أن رئيس دولة في هذا العالم الثالث المتخلف الذي نعيش فيه وجه رسالة إلى مدير دار نشر لمنع صدور كتاب يتحدث عنه، كيف كان سيكون رد هذا الأخير. بل هل كان سعادة الرئيس سيوجه رسالة أصلا إلى مدير دار النشر لمنع الكتاب، لأن الذي سيحدث هو أن الكتاب لن يصدر أصلا، لأن أصابع الكاتب سوف تطحن حتى آخر عظم، وإذا نجح الكاتب في الهروب خارج البلد ولجأ إلى دولة تسمح فيها حرية النشر بطبع كتابه سيرسل الرئيس من يشتري المطبعة وشركة التوزيع بكتابها ومسوداته.

وحتى إذا نجح الكاتب في العثور على مدير دار نشر لا يباع ولا يشترى وطبع الكتاب ووزعه سيرسل الرئيس رجاله لكي يشتروه من كل المكتبات حتى يستنفدوه.

المشكلة اليوم أن هذا النوع من الرؤساء الذين يكرهون أن تؤلف حولهم الكتب يواجهون عدوا أخطر هو شبكات وسائل التواصل الاجتماعي، فكتاب ستيف بانون يوزع منذ أسبوع عبر تطبيق واتساب بكل اللغات حتى قبل نزوله إلى رفوف المكتبات.

وعندما كتبت قبل ثلاث سنوات في نفس هذا العمود أن فيروس إيبولا صنع في المختبرات وتم نشره في دول إِفريقية بهدف واحد ووحيد هو نزول المارينز بهذه الدول للقضاء على الفيروس بدعوى أن عدواه وصلت الأراضي الأمريكية، غضبت مني السفارة الأمريكية بالرباط على عهد دوايت بوش وحذفت اسمي من قائمة المدعوين لأعيادها الوطنية ومناسباتها الرسمية.

وعندما سألت أحد موظفي السفارة المغاربة الذين يعلنون ولاءهم لساكن البيت الأبيض أكثر من ولائهم للمغرب أخبرني أنني اتهمت أمريكا بصناعة فيروس إيبولا، وليس هذا فقط فقد اتهمت أمريكا بصناعة داعش وتسليحها بهدف بث الفوضى في المنطقة العربية والانتقال إلى دول جنوب الصحراء لإنشاء إمارتهم هناك تحت أقدام الجزائر والمغرب وليبيا وتونس وموريتانيا.

فقلت له إن أمريكا هي الدولة التي اخترعت الصحافة والصحافة هي أولا احترام حرية الصحافيين في التعبير. فقال لي إن السفارة غاضبة وأنني لم أعد صديقهم.

حدث هذا الأمر أسابيع بعد لقاء دعا إليه السفير الأمريكي السابق دوايت بوش في مطعم ريكس كافي الذي اشتهر بإدراج مشاهد منه في فيلم كازابلانكا الشهير.

مرت سنوات ولم يعد أحد يتحدث عن فيروس إيبولا، لكن لا أحد أخبرنا ما إذا كان ثلاثة آلاف جندي من المارينز قد غادروا سيراليون وبقية القواعد التي نزلوا فيها لمحاربة الفيروس.

ودائما ما يكون الهدف عند القوى الإمبريالية الحديثة هو التدخل بغاية الاستعمار المهذب، أو ما سماه الطبيب الفرنسي كوشنير “حق التدخل” في الدول le droit d’ingérence، لكن هذا الهدف يكون دائما مغلفا بقضية إنسانية كالتدخل من أجل الإنقاذ من المجاعة في السودان فينتهي الأمر بتقسيم البلد، أو بمحاربة فيروس قاتل تنتهي بإقامة قواعد عسكرية دائمة.

 

الْيَوْمَ تكشف وثيقة عسكرية مسربة من سيناتور أمريكي نشرتها مجلة ذي أنديبندنت أنه يتوقع تمكن تنظيم إرهابي مسلح في بلاد المغرب الإسلامي من التغلغل في الصحراء المغربية وبناء قواعد مباشرة، وبعدها سيحدث هجوم إرهابي دام في الولايات المتحدة الأمريكية أسوأ من هجوم 11 شتنبر الذي انتهى باحتلال العراق وأفغانستان مما سيؤدي إلى تدخل الجيش الأمريكي والقوات الخاصة للقضاء على الإرهابيين.

هذا السيناريو الذي أشرف عليه كبار خبراء الكليات العسكرية الأمريكية يتوقع أن يستعيد تنظيم القاعدة عافيته سنة 2021 وأنه سيُصبِح أكثر قوة وتنظيما وذلك بتحالفه مع حركة بوكو حرام في التشاد والنيجر وحركة الشباب الإسلامي في الصومال ويتوفر على قواعد في الصحراء المغربية مشكلا أكبر تهديد لأمريكا.

النتيجة المباشرة لهذا السيناريو هي إنشاء أمريكا لقاعدة طائرات بدون طيار في النيجر ستمتد هجوماتها لتشمل جميع دول المنطقة بميزانية قدرها 100 مليون دولار.

ما يقع الْيَوْمَ في الكركرات ينذر بحرب وهي الحرب التي ستنهك، إن وقعت، الجيش المغربي في أفق 2021.

شخصيا لم يكشف لي مايكل وولف في كتابه النار والغضب عن سر عندما أكد بانون أن العدو الحقيقي لأمريكا هو الصين، فالأخيرة هي كل شيء وهي أول جبهة في الحرب الباردة الجديدة، إذا لم نحسن التعاطي مع الصين لن نحسن التعاطي مع أي شيء آخر.

الصين هي الآن حيث كانت ألمانيا النازية من 1929 إلى 1930. والصينيون كالألمان أكثر الشعوب منطقية وسوف ينقلبون مثل ألمانيا في ثلاثينيات القرن الماضي، ستصبح دولة قومية متطرفة وعندها ستستحيل إعادة المارد إلى قمقمه.

كل ما تقوم به أمريكا في العالم ابحث فيه عن الصين، ولذلك فمخططاتها للتواجد في إفريقيا هدفها كبح شهية المارد الصيني للمواد الأولية التي تزخر بها القارة السمراء.

وبالعودة إلى الكتاب فالرئيس الأمريكي الذي يعتقد الناس أنه أحمق لا يقول سوى الحقيقة، فهو يكشف بدون مساحيق لغوية أو خطابة مسكوكة ما تخطط له الإدارة العميقة داخل البيت الأبيض.

وكثيرون تساءلوا عن سبب إهدار الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الأوربيين لكل هذه الميزانيات من أجل التواجد فوق الأرض الأفغانية الجرداء وصعبة التضاريس.

الجواب نشرته جريدة متخصصة في الأخبار العلمية المتعلقة بالاكتشافات المعدنية، من خلال خبر صغير حول أفغانستان لم ينتبه إليه كثيرون. يتعلق الأمر باكتشاف مخزون هائل في باطن الأرض الأفغانية من المعادن النفيسة، أهمها الذهب والفضة والنحاس والحديد.

إذن، فهذه البلاد التي لا تنمو فيها ولا تزدهر سوى زراعة الأفيون، هذه البلاد التي اشتهرت بفقرها وقسوة طبيعتها واحتراف أهلها الحروب كمهنة أبدية، ليست بلادا فقيرة في نهاية المطاف، بل هي إحدى أغنى بلدان العالم بفضل ثرواتها المعدنية الطبيعية المندسة تحت جبالها الوعرة.

والاكتشاف العلمي الأخير يكشف الوجه الحقيقي للوجود الأمريكي المكلف في أفغانستان، فمحاربة الإرهاب وطالبان ليست سوى ذرائع للوجود في هذه المنطقة الغنية بالمعادن النفيسة وإحكام السيطرة عليها لتحريك العجلة الصناعية الأمريكية، ومجابهة المنافسة الآسيوية التي تقودها الصين وبقية الدول ذات الاقتصاديات الناهضة.

لقد كشفت الأيام أن الاحتلال الأمريكي للعراق لم يكن بغاية حماية العالم من أسلحة الدمار الشامل، التي صنعها صدام حسين، بل فقط لتقسيم العراق من أجل السيطرة على مصادر النفط والغاز فيه. فالمنطقة الوحيدة الآمنة في العراق، التي لا تسمح أمريكا بالاقتراب منها، هي مناطق حقول البترول والغاز.

وبإحكامها السيطرة، عسكريا وسياسيا، على أهم مصدر لإنتاج البترول وأكبر احتياطي معادن في العالم تكون أمريكا قد أحكمت قبضتها على مفتاحين مهمين من مفاتيح المستقبل.

ولعل المجهود الكبير الذي يبذله البيت الأبيض عبر إعلامه والسينما المجندة لخدمته، التي يتحكم فيها اللوبي الصهيوني الموالي لإسرائيل، هو ما تمثل في كيف يغلف هذا الوجود الاستعماري فوق أراضي الغير بغلاف الدفاع عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان من أجل تضليل الرأي العام العالمي وإبعاده عن التفكير في الأسباب الاقتصادية الحقيقية لوجوده في العراق وأفغانستان وليبيا وفي سوريا اليوم، وربما غدا في دول جنوب الصحراء.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى