الرئيسيةسري للغايةسياسية

حُكم على القايد عبد المالك بحرق عينيه لأنه رأى الكثير من الظلم

ترجمة حصرية لمذكرات المغامِرة البريطانية روزيتا فوربس

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

«عندما ألقينا القبض على القايد عبد المالك، وحاربنا على طول الطريق التي اكتسحتها الأعلام إلى دار حاكم طنجة، عبد الرحمن بن الصديق، رأينا مجموعة من الناس يركبون الخيل في اتجاه طنجة، ولم ننتبه إليهم ظنا منا أنهم إما خدم أو سكان مخيم. وقع قتال كبير في قلب الوادي، بينما حوصر حاكم طنجة، وبقي فوق حصانه يراقب المشهد مغطيا وجهه بجلبابه. قام رجل من بني مسوار بإمساك اللجام وروض الحصان لكي يسيطر عليه. صحتُ في الرجل:

-اعتقله حيا.

كنت أتمنى أن أرى وجهه. إذ لم أره أبدا منذ اليوم الذي نكث فيه وعده معي بعدما أكلتُ طعامه. في تلك اللحظة عبثت الريح بجلبابه. والله كان عبدا يرتدي جلباب حاكم طنجة ويركب حصانه!

كان سيدي عبد الرحمن يقترب من طنجة ولا بد أنه كان يهنئ نفسه على حكمته ومكر الثعلب الذي يتقنه. لقد كان محقا، من الجيد أن تكون مستعدا لكل شيء.

حكم رجال القبائل على القايد عبد المالك. صوتوا جميعا ضده. لذلك كانت عقوبته أن تُحرق عيناه اللتان رأتا كثيرا من الظلم، بقطعتين نقديتين ساخنتين. كانت القطعتان المعدنيتان بحجم عملة «البيزيتة» الإسبانية. كان يستحق الموت، لكنه عندما سمع شريف وزان الذي يميل دائما إلى الصفح والرحمة بالأمر، توسط من أجله وطلب له الرحمة، فأطلقتُ سراحه.

منذ ذلك اليوم أصبحت سيد الجبال، وحتى مولاي عبد العزيز لم يشكك في سلطتي. انضمت إليّ قبائل تطوان، وامتد نفوذ حكمي إلى أبعد منطقة وصولا إلى أصيلة حيث كانت أختي متزوجة بأحد الشرفاء، ثم إلى منطقة «القصْر»، حيث كانت درجات الحرارة مرتفعة جدا وتجعل القتال صعبا ضد أوربا من جهة، وضد قوات السلطان من جهة أخرى. لذلك قمتُ بحماية حقوق الناس هناك، لأنهم كانوا أتباعا لي».

من تلك اللحظة، ظهر الريسوني بدور جديد في المنطقة. لم يعد مجرد قاطع طريق، تميزه الشراسة وتبادل الصراع مع منافسيه. كل خطواته كانت محسوبة وتحكمها دوافع معينة. كان بمثابة حاكم لأنه تعامل مع السلطان، وأظهر للأوربيين من جهة أخرى، عندما تعامل معهم، أنه ليس سياسيا.

قبل مرحلة سجنه، كان قاسيا بصورة غير مفهومة. كما كان سخيا جدا بنفس قدر قساوته. لم يكن يتطلع أبدا إلى الأمام، كان يعيش اللحظة فقط، ويتوق إلى المغامرة.

الآن شرع في العمل لكي يراكم السلطة ويوفر لنفسه الأمان. زرع الحرب بين القبائل لتقاتل بعضها، ثم ضمها جميعا إليه في الأخير ليكونوا جميعا في خدمته.

استخدم علمه ومعرفته الاستراتيجية وفصاحته وسمعته باعتباره سليل الشرفاء، وسيلة لضمان استمرار تحالفه مع القبائل والعائلات الكبرى. كما أنه استفاد من شجاعة مقاتلي الجبال، ولياقته البدنية كانت عالية ولا تزال، ووفرت له القدرة على القتال، لكن تعصبه هو الذي جمع حوله العلماء وشيوخ القبائل.

وقف الريسوني ضد النظام القديم الذي كان في طريقه إلى الزوال. وتبعه الآخرون في تجنب التغيير الذي لم يكونوا قادرين أساسا على فهمه. قيل الكثير عن ذكاء الريسوني، ومن بين ما قيل إنه حينما يتعامل مع دول أوربية كثيرة في نفس الوقت، ويحرص على أن يستفيد ماديا دائما، فإنه يريد دائما أن يمثل المغرب على أنه بطل مدافع عن الإسلام وينتصر له ضد النصارى، وأنه يمثل دائما التقاليد في مواجهة التجديد والحداثة.

ذات يوم سألني الريسوني عندما كنت أشرب معه الشاي:

«هل تعرفين السيد هاريس؟».

وكان الخدم يرشون حولنا كميات كبيرة من ماء الزهر، وكان الشريف يفتح ملابسه لكي يتساقط ماء الزهر فوق صدره وظهره».

كان هناك نقاش حول ما إن كان النعناع المستعمل في الشاي الذي أمامنا طريا. وهو ما أنهاه الشريف بالزمجرة غاضبا في وجه الخادم:

-«حسنا، هل يوجد نعناع أم لا؟ وإذا كان النعناع موجودا، لماذا أحضرت لي هذا الروث؟».

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى