حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسيةسياسية

خطاب الملك وفضيحة الغياب الحزبي

 

 

نعيمة لحروري

[email protected]

 

مرة أخرى، كان على جلالة الملك أن يذكّر الأحزاب السياسية بدروس السياسة الأولى. في خطابه بمناسبة افتتاح الدورة التشريعية للبرلمان يوم الجمعة الماضي، قالها بوضوح: الأحزاب ومعها المنتخبون فشلوا في تأطير المواطنين والتواصل معهم وتعريفهم بحقوقهم وحرياتهم. بدا الخطاب أشبه بجرس إنذار أخير لنخب سياسية نسيت وظيفتها الأساسية وتحولت إلى آلات انتخابية تصحو فقط عندما تدق أجراس الاقتراع.

لكن لنسأل أنفسنا: أي تأطير هذا الذي تتحدث عنه هذه الأحزاب؟ وأي تواصل؟ هي بالكاد تتواصل مع نفسها. على المستوى المركزي، تبدو وكأنها تعيش في برج زجاجي مرتفع، لا ترى ما وراء شارع البرلمان ولا تسمع ما يحدث في القرى والهوامش التي لا تزورها إلا وهي في حالة “حملة انتخابية طارئة”.

هناك، بعيدا عن الكاميرات والميكروفونات، يعيش ملايين المواطنين خارج أي اهتمام حزبي، لا يعرفون من السياسة إلا وجهها الذي يطل كل خمس سنوات في شكل لافتة انتخابية أو قافلة دعائية.

 

الأحزاب التي تتلقى سنويا ملايين الدراهم من المال العام، لا تجد وقتا أو طاقة لتأطير الناس أو شرح القوانين أو الدفاع عن حقوقهم. ميزانياتها تصرف في المؤتمرات المغلقة التي تشبه حفلات الزفاف أكثر مما تشبه النقاش السياسي، ومقراتها تفتح فقط لالتقاط الصور ونشر البلاغات. ثم بعد ذلك تتساءل، بكل وقاحة، عن سبب عزوف المواطنين عن التصويت وعن السياسة.

الحقيقة أن هذا العزوف ليس لغزا سياسيا ولا مؤامرة خارجية، بل نتيجة طبيعية لمسار طويل من الخيبات. كيف نطلب من المواطن أن يثق في أحزاب أقصت مناضليها الحقيقيين لصالح المتملقين وأصحاب الولاءات العائلية؟ كيف نقنع الشباب بالانخراط في السياسة إذا كانت القيادة تُمنح لمن يملك المال لا لمن يملك الفكرة؟ كيف نعيد الثقة في صناديق الاقتراع إذا كانت اللوائح تعجّ بالأميين الذين لم يقرأوا في حياتهم قانونا واحدا، لكنهم اليوم يشرّعون ويقررون؟

لقد حولت الأحزاب السياسة من رسالة إلى صفقة، ومن التزام إلى غنيمة، ومن خدمة الصالح العام إلى سباق على المناصب. لذلك ليس مستغربا أن نجد منتخبين فقدوا الشغف وناخبين فقدوا الثقة، وأن تتحول قبة البرلمان إلى قاعة صدى لا صوت فيها إلا لتصفيق بروتوكولي باهت. أما الشارع، فقد اختار بدائل أخرى: فضاءات رقمية للتعبير، أو احتجاجات عفوية تقول ما لا تقوله الأحزاب في بياناتها الباردة.

خطاب جلالة الملك، هذه المرة كان أوضح من أي وقت مضى: لا ديمقراطية دون تأطير حقيقي، ولا استقرار دون تواصل فعلي، ولا تقدم دون أن تعود الأحزاب إلى لعب دورها كوسيط اجتماعي وسياسي يربط الدولة بالمجتمع. الرسالة ليست موجهة فقط للبرلمان الذي حضر الجلسة الافتتاحية، بل لكل تلك التنظيمات التي نسيت أن السياسة ليست مقاعد، بل مسؤولية.

إن الخروج من هذا النفق لا يكون بالتجميل الموسمي ولا بتغيير الشعارات. بل بإصلاح حقيقي يبدأ من الداخل: بإعادة الاعتبار للمناضلين بدل طردهم، وبفتح الأبواب أمام الكفاءات الشابة بدل إغلاقها بوجههم، وبجعل المال وسيلة لخدمة المشروع السياسي لا مفتاحا للصعود فيه. يجب أن تنزل الأحزاب من أبراجها إلى الميدان، أن تعيد وصل ما انقطع مع المواطنين في القرى والهوامش، وأن تشرح لهم القوانين والمشاريع والسياسات بلغتهم وبأدوات قريبة منهم.

وعليها قبل كل شيء أن تتصالح مع نفسها: أن تعيد النظر في بنيتها، وفي طرق اختيار مرشحيها، وفي علاقتها بمن تمثلهم. فبغير ذلك، ستبقى كما هي: تعود إلى الواجهة كل خمس سنوات لتقدم عرضا انتخابيا باهتا، ثم تعود إلى سباتها، تاركة السياسة في نظر الناس مسرحية مملة يعرفون نهايتها سلفا.

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى