شوف تشوف

دخول مدرسي ساخن

بدأت بعض المدارس الخاصة التحضير للدخول الدراسي القادم بشكل مبكر وذلك على غير العادة. فالمعتاد هو أن تنتظر المدارس المقرر الوزاري المنظم للسنة الدراسية لتعرف ما يتوجب عليها القيام به. لكن هذه المرة هناك “جديد” يتعلق باحتمال اعتماد التعليم عن بعد، سواء كليا أو بالتناوب مع التعليم الحضوري. ووجه الجدة هنا هو ظهور “همزة صحيحة” يتيحها القانون المنظم للقطاع لأرباب هذه المدارس، تتمثل في التوقيع على عقود تتضمن دفع تكليف الدراسة لثلث السنة، فضلا عن إجبارية اقتناء الأجهزة الإلكترونية التي تقترحها هذه المدارس وتضمنها في العقود. وفعلا بدأت بعض المدارس تتصل بآباء وأمهات التلاميذ للتوقيع على هذه العقود.
ينطلق أرباب هذه المدارس من الوضعية الحالية، وهي وضعية تضع الدخول الدراسي القادم أمام سيناريوهين، الأول يتمثل في التناوب بين التعليمين الحضوري والتعليم عن بعد. أما الثاني، وهو الأسوأ، فيتمثل في أن يتم تعليق الدراسة ويتم الاعتماد بالكامل على التعليم عن بعد. وكلا السيناريوهين يلتقيان في أن التعليم الرقمي لم يعد اختيارا ورفاهية بل طريقا سنسلكه مكرهين لإنقاذ تعليم ملايين الأطفال والشباب، مما يعني تحديات أخرى غير معتادة إطلاقا قياسا للظروف العادية التي كان ينطلق فيها الموسم الدراسي في السنوات الفارطة.

أول هذه التحديات هو تعميم التعليم الرقمي ليشمل الفئات الهشة أيضا، أي تحقيق “العدالة الرقمية”، وهذا تحدٍ تتحمل مسؤولية تفعيله أطراف كثيرة، حكومية ومنتخبة، ليصبح التعليم الرقمي حقا للجميع. إذ ينبغي تمكين كل أطفال وشباب الهشاشة بلوائح إلكترونية فضلا عن تسهيل الولوج للمنصات الإلكترونية المتاحة لمتابعة الدروس (مثلا الربط دون الحاجة لأنترنت)، فضلا عن تغيير كل نسق المناهج لتصبح الدروس الرقمية ليست مجرد دروس مصورة بل دروس توظف بشكل أمثل ما تتيحه الثورة الرقمية من إمكانات هائلة في التنشيط التربوي والتحفيز على التعلم.
فما رأيناه في تجربة التعليم عن بعد حتى الآن هو كاميرا تصور أستاذا أمام سبورة يسأل، وتلميذ مفترض يجيب، أي تعليم رقمي يستنسخ التعليم الحضوري. والحال أن الإمكانات التي تتيحها مختلف التطبيقات التعليمية والتربوية عبر العالم، تجعل من هذا التعليم تجربة تفاعلية مختلفة تماما، يمكن الاستغناء فيها كلية عن نموذج الأستاذ والسبورة والقسم.
ثاني التحديات يتمثل في ضرورة تعديل قانون القطاع الخاص والمعروف بمرسوم 006 بشكل عاجل قبل شتنبر المقبل، لأن النسخة المعمول بها منذ عشرين سنة، ستضع جيوب الأسر على طبق من ذهب فوق موائد أرباب هذه المدارس.
فإذا عدنا إلى الباب الخامس من هذا المرسوم سنجده يتحدث عن أنه “يتم الانتساب إلى مؤسسات التعليم عن بعد بموجب عقد يبرم بين المؤسسة والتلميذ أو ولي أمره، تحدد فيه حقوق وواجبات المتعاقدين. ويجب أن يتضمن العقد بوجه خاص شروط تلقي التعليم عن بعد وبالمراسلة، وخصوصا ما يتعلق بالمساعدة التربوية والتعليمية المتعلقة بطرق العمل والأشغال والتمارين وعملية التصحيح”. وهذا يعني أن الأسر ستجد نفسها مجبرة على توقيع عقود إذعان، تفرض عليها قبول كل ما تشتهيه نفس صاحب المدرسة تحت مسمى “خدمات تربوية وتعليمية”.
بل إن المرسوم المذكور، يسمح لأرباب المدارس بطرد التلميذ في أية لحظة، تحت ذريعة ما يسميه المرسوم سابق الذكر عدم التوفر على مستوى المعلومات الواجبة للاستفادة من البرنامج المعد.
أما أخطر ما في هذا المرسوم، فهو تنصيصه على أنه “يتم احتساب نفقات الكتب والأدوات والوسائل التعليمية الضرورية لتلقي هذا النوع من التعليم على حدة ويكون ذلك بثمن كلفتها”. ومثلما أضحى التلاعب في الأدوات والكتب المدرسية سمة غالبة، بحيث يتحول بعض أرباب المدارس الخاصة إلى تجار بالجملة والتقسيط لكل شيء له علاقة بالتمدرس، بحيث تجد الأسر نفسها مضطرة إلى أن تقتني كل شيء من المدرسة بما في ذلك الوزرة، فإن المرسوم المذكور يسمح لهؤلاء بـ”همزة صحيحة”، وما رأيناه من ابتزاز بمناسبة نهاية السنة الدراسية سنرى أفدح منه في شتنبر. بحيث يشرع لهم هذا المرسوم أن يضموا أثمنة الحواسيب واللوائح الإلكترونية إلى فواتير التسجيل والتمدرس. ولنا أن نتصور مثلا الثروة الكبيرة التي سيجنيها رب مدرسة متوسطة يدرس بها 400 تلميذ. ولنا أيضا أن نتصور حجم الضغط الذي ستعيشه ملايين الأسر، ابتداء من التعليم الأولي ووصولا إلى التعليم الثانوي، لكونها مجبرة على اقتناء الوسائل الرقمية الخاصة بالتعلم الرقمي من المدارس، لكون المرسوم المنظم للقطاع يعطي لأرباب المدارس هذا الحق.
كوارث المرسوم المعمول به لا تتوقف عند هذا، بل إن المادة 20 منه تعطي لأرباب المدارس حق الحصول على ثلث تكلفة السنة من التمدرس عن بعد، دون احتساب تكاليف الوسائل التعليمية. بمعنى أن العديد من الأسر ستجد نفسها مجبرة على تأمين ما يفوق 5 ملايين سنتيم، ليجد أبناؤها أماكن لهم في بعض المدارس. أي مصاريف الأجهزة الرقمية والبرمجيات من جهة، وأيضا 30 في المائة من تكلفة تمدرس السنة الدراسية كلها، وهي نسبة لا يمكن استردادها كما لا يمكن استرداد مبالغ التسجيل والمقتنيات الرقمية في حالة أراد أب أو أم التلميذ تسجيل ابنهم في مدرسة أخرى، وكل هذا سيكون متضمنا في عقد موقع عليه.
إن الاستعجال في تعديل هذا المرسوم سيجنبنا توترا أكبر بكثير مما عشناه قبل أسابيع، عندما احتجز بعض أرباب هذه المدارس شهادات الباكلوريا وشهادات المغادرة. فإذا كانت الأسر استطاعت، بوسائلها، تدبير ابتزاز بعض أرباب المدارس، فإنها لن تستطيع تجنب هذا الابتزاز في شتنبر القادم، في حالة تم إقرار التعليم عن بعد، سواء كان بالتناوب مع التعليم الحضوري أو كان وحيدا. إذ ستجد نفسها مجبرة على التوقيع على عقود إذعان تضعها تحت طائلة المتابعة القانونية مباشرة.
اعتماد التعليم الرقمي سيعني أيضا تغيير أسلوب الوزارة في مراقبة المدارس الخاصة، إذ بدل المراقبة التقليدية المتمثلة في إرسال مفتش مرة كل دورة، ومراقبة إدخال النقط في منظومة مسار، سيكون على الأكاديميات تطوير إمكاناتها الرقمية لمراقبة تنفيذ هذه المدارس لالتزاماتها، والمتمثلة أساسا في إحداث مختبرات للابتكار تطبيقات ذكية وإنتاج مواد رقمية مناسبة لمستوى التلاميذ وتطلعاتهم، وتوظيف مختصين في هذا المجال، لأن ما رأيناه في فترة الحجر الصحي هو أن كل المدارس الخاصة لا تتوفر إطلاقا على تطبيقات رقمية خاصة بها، فأقصى ما كان يتم هو ربط التلاميذ بالدروس التي توفرها الوزارة مجانا في منصاتها أو الاكتفاء بإرسال نسخ مصورة عن الكتب المدرسية عبر تطبيقات التراسل كـ”الواتساب”. لذلك يجب تمكين الأكاديميات من الإمكانات التقنية لتتمكن من مراقبة يومية لجودة المحتويات التي تقدمها هذه المدارس.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى