
فاطمة ياسين
ارتفعت أسعار الغاز بأوروبا منذ بداية العام الحالي، وبلغت ذرى غير مسبوقة بشهر أكتوبر. تستعد أوروبا لدخول الشتاء الذي تعتمد فيه الحكومات على الغاز بشكل رئيسي للتدفئة، ويمكن أن تتابع أسعاره الارتفاع، إذا كان الشتاء أكثر برودة هذا العام، وارتفاع السعر ينجم عنه اضطراب في النمو الاقتصادي.. في حالة الذهول والحيرة من ارتفاع الأسعار، يتقدم فلاديمير بوتين بعرض لأوروبا بضخ مزيد من الغاز إليها. وبينما يستمع مسؤولو دول القارة إلى العرض، تسجل أسعار الغاز انخفاضا قليلا. يخطط بوتين لرفع الكمية التي يقدمها لأوروبا، والتي تغطي الآن 40 في المائة من احتياجات القارة عبر عدة خطوط، لكنه يريد تسريع عملية التصديق على تشغيل خط الغاز الجديد، الذي يعبر بحر البلطيق من البر الروسي (كالينينغراد) إلى الشاطئ الألماني بمنطقة «غريفث ولد». ولأن الولايات المتحدة تدرك المرامي السياسية التي تختفي خلف مشكلة الغاز، وطريقة حلها، فقد قال وزير خارجيتها، أنتوني بلينكن، إنه يأمل ألا يستغل بوتين الأزمة ويضعها سلاحا بيده، لكن بوتين ينتظر أن يدخل خط التوريد «نورد ستريم 2» قيد الخدمة، وعندها قد يتحول إلى قيصر بسلاح الغاز الذي يصدره إلى أوروبا.
يمتد خط الغاز «نورد ستريم 2» مسافة 1200 كيلومتر تحت مياه البحر الباردة بسعة 55 مليار متر مكعب من الغاز سنويا، يستطيع نقلها إلى أوروبا مباشرة، وينضم إلى الخط الأول السابق الذي ينقل الكمية ذاتها… وتعود ملكية الخط الجديد لشركة «غازبروم» التي تسيطر الحكومة الروسية على أغلب أصولها، بما يعني أن تشغيله سيجعل روسيا المصدر شبه الوحيد للغاز إلى أوروبا، وهو الأمر المقلق، فالعبث بهذه المادة وطريقة تصديرها قد يعصف بالاقتصاد، ويُقلق المجتمعات التي تعتمد عليه… يحاول بوتين التدخل في العملية السعرية للغاز، قبل أن يصبح خطه الجديد قيد الاستخدام، وقد ظهرت في الأسبوع قبل الماضي على الأوروبيين حالة القلق والخوف، بسبب ارتفاع سعر الغاز المرافق لتناقص الكميات التي تأتي من روسيا، وها هو الخط الجديد يطل ليساهم بحل ما عقده بالأساس.
يمثل الخط الجديد تهديدا لمجمل أوروبا الشرقية والغربية، فيمكنه أن يتجنب المرور بأوكرانيا وبولندا وروسيا البيضاء، بالإضافة إلى التشيك وسلوفاكيا، وتخشى هذه الدول تأثر إمداداتها من الغاز في هذه الحالة، وهذا ما يقوم به «نورد ستريم 2» عمليا. أما بالنسبة إلى أوروبا الغربية، فكبر حجم مادة الغاز القادمة من روسيا وسعرها يجعلانها دولة مسيطرة على الطاقة بشكل كبير، ما يفتح الباب الواسع للاستخدام السياسي للغاز، وهو بالفعل ما يقوم به بوتين حاليا، وإنْ بطرق لا يبدو فيها الابتزاز واضحا، لكنه، في الوقت ذاته، رفض التصديق على معاهدة ميثاق الطاقة الذي ينظم مرور الطاقة عبر الحدود… على الرغم من المعارضات الشديدة والعقوبات الأمريكية التي وضعت خصيصا لمنع بناء هذا الأنبوب، لكنه الآن قد بُني بالفعل، وهو يعبر البحر من شرق روسيا إلى غرب ألمانيا، وينتظر إشارة للبدء، وإشارة البدء هي أزمة الأسعار التي ضربت في الأسبوع قبل الماضي، وأوروبا الآن وسط أزمة بالفعل وعلى أبواب الشتاء.



