الرئيسيةالملف السياسي

زواج المصلحة بين «البام» و«البيجيدي»

تحالف سياسي أم صفقة لاقتسام غنائم الانتخابات؟

إعداد: محمد اليوبي – النعمان اليعلاوي
لم يكن مفاجئا عقد تحالف بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية لاقتسام مناصب مكتب مجلس جهة طنجة تطوان الحسيمة، والذي يمكن وصفه بزواج المصلحة، لأن هذا التحالف ليس جديدا، رغم حدة المواجهة وتبادل الاتهامات بين قادة الحزبين طيلة العشر سنوات الأخيرة. فقد أبرم الحزبان أزيد من 50 تحالفا أثناء تشكيل المجالس الجماعية، خلال سنة 2015، كما ظهرت تحالفات بينهما داخل الغرف المهنية وداخل مجلسي البرلمان، ويكون الهدف دائما هو اقتسام «وزيعة» المناصب والامتيازات، ما يضفي طابع المصلحة على التحالف بين الحزبين، لأنه لا يقوم على أساس برنامج سياسي أو تقارب إيديولوجي.

عندما تحدثنا في «الأخبار»، قبل الانتخابات الجماعية والتشريعية التي جرت قبل أربع سنوات، عن إمكانية تحالف العدالة والتنمية و«البام»، وسردنا حالات للتحالف في طنجة والغرف المهنية، خرج صقور حزب «البيجيدي» وكتائبه الإلكترونية يكذبون ذلك، ويعتبرون «البام» خطا أحمر، وأنه حزب الفساد والتحكم. الآن بدأت تظهر معالم تحالف مستقبلي بين الحزبين، وخاصة بعد مباركة الأمانة العامة لحزب «البام» للتحالف مع حزب العدالة والتنمية بمجلس جهة طنجة تطوان، وما ترمز له هذه الجهة التي كان يترأسها الزعيم السابق لحزب «الجرار»، إلياس العماري.
وصفة التحالف بين «البام» و«البيجيدي»
خلال الانتخابات الجماعية، بدأ حزبا الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية في تجريب وصفة التحالف بينهما على مستوى المجالس الجماعية والجهوية، وكذلك داخل المؤسسة البرلمانية. فقد أسفرت نتائج الانتخابات الجهوية والجماعية التي جرت يوم 4 شتنبر 2015، عن تشكيل أكثر من 50 تحالفا بين «البام» و«البيجيدي» بمختلف المدن والأقاليم، لتشكيل المجالس الجماعية، وفي بعض الأحيان وقعت هذه التحالفات ضدا على التحالفات الطبيعية التي تقسم المشهد السياسي المغربي بين أحزاب المعارضة وأحزاب الأغلبية الحكومية.
وهناك أمثلة على هذا سجلت ببعض المدن، التي تعتبر بمثابة مختبرات لتجريب وصفة التحالف بين الحزبين قبل الانتخابات التشريعية المقبلة، فمثلا بمدينة تطوان، لاحظنا المعركة الطاحنة بين الحليفين داخل الحكومة، وهما «الأحرار» و«البيجيدي»، وكيف ضحى «البام» بحليفه السابق في تحالف «جي 8» لكي يتحالف مع الحزب الحاكم، وصوت مستشاروه لصالح محمد إدعمار، ضدا في الطالبي العلمي الذي قدم خدمات جليلة لحزب «التراكتور». وبمدينة الناظور، ضحى إخوان «البيجيدي» بحليفهم في الحكومة، حزب الحركة الشعبية، وقدموا رئاسة المجلس البلدي على طبق من ذهب إلى حزب «البام» الذي لم يكن يتوفر على الأغلبية داخل المجلس مقارنة بمرشح الحركة الشعبية، وهذا التحالف خلق نقاشا قويا داخل الأمانة العامة للحزب قبل مباركته من طرف لجنة التحكيم بالحزب. وأصبح التحالف بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة محسوما ولا يطرح أي إشكال داخل الحزب الحاكم، وذلك بعدما أصدرت هيئة التحكيم بحزب رئيس الحكومة قرارا غير مسبوق، يقضي بإلغاء قرار الأمانة العامة في حق الكاتب الإقليمي للحزب بمدينة الناظور وستة مستشارين جماعيين، بينهم نائب برلماني، سبق للأمانة العامة تجميد عضويتهم على خلفية تحالفهم مع الأصالة والمعاصرة ضد الحركة الشعبية لتشكيل المجلس الجماعي لمدينة الناظور. وقضت هيئة التحكيم ببراءة الكاتب الإقليمي ومستشاري الحزب، وبذلك زكت تحالفهم مع «البام»، بمبرر أن هذا التحالف هدفه هو الحرص على مصلحة الشأن العام ومصلحة الحزب، وسيشكل هذا القرار مرجعا في المستقبل لتبرير شرعية التحالف بين الحزبين، خاصة أن الأمانة العامة وافقت على القرار وألغت «تجميد» عضوية «المتحالفين» مع حزب «الجرار».
عطيني نعطيك
كشفت نتائج انتخاب رؤساء الغرف المهنية بالعديد من الجهات عن وجود تحالف «سري» بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، بعيدا عن التحالفات الطبيعية المعلنة. وأكدت النتائج أن حزب رئيس الحكومة منح أصواته لمرشحي «البام» ضد مرشحي تحالف الأغلبية، ما منح الفوز لهذا الحزب الذي يصفه رئيس الحكومة بحزب «الفساد والتحكم»، فقد تحالف حزب رئيس الحكومة مع حزب الأصالة والمعاصرة في أربع جهات، ويتعلق الأمر بغرفة التجارة والصناعة والخدمات بالجهة الشرقية، حيث صوت أعضاء العدالة والتنمية لصالح عبد الحفيظ الجرودي، مرشح «البام» الذي فاز بالرئاسة، وذلك بناء على اتفاق مسبق لسد الطريق أمام مرشحي حزبي التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية، الذين وضعوا لوائح منافسة على مناصب نواب الرئيس.
وبجهة مراكش- آسفي، صوت أعضاء حزب العدالة والتنمية بالغرفة الفلاحية على مرشح «البام» بدون منافس، ويتعلق الأمر بالحبيب بن طالب، الذي فاز بالرئاسة بالإجماع، وذلك بعدما اتفقت جميع أحزاب المعارضة والأغلبية على اقتسام مناصب مكتب الغرفة، مع منح الرئاسة لحزب الأصالة والمعاصرة. ومقابل هذا الدعم، صوت أعضاء حزب «البام» على مرشح حزب العدالة والتنمية للفوز برئاسة غرفة الصيد البحري بجهة طنجة تطوان، وهي الغرفة الوحيدة التي فاز بها الحزب الحاكم، بدعم قوي من «البام» وبتحالف مع حزب الحركة الشعبية. كما منح حزب العدالة والتنمية كذلك أصوات أعضائه لحزب الأصالة والمعاصرة في انتخاب رئيس غرفة التجارة والصناعة والخدمات، والتي فاز بها مرشح الحزب، كريم أشنكلي، بإجماع جميع أعضاء الغرفة، فيما حصل حزب رئيس الحكومة على منصب الكاتب العام ومقرر الغرفة، وجرت مفاوضات من أجل منح أصوات «البيجيدي» لمرشحي «البام» في الغرف، مقابل منح مناصب بمكاتب الغرف لأعضاء حزب العدالة والتنمية، وجرت هذه التحالفات ضد منطق الأغلبية والمعارضة، بحكم المصالح الشخصية لأعضاء الغرف المهنية التي تغلبت على التحالفات السياسية والحزبية.
تدبير مجلسي البرلمان، بدوره، خضع لمنطق التوافق والتحالف بين «البيجيدي» و«البام»، فهذا الأخير ممثل داخل مكتب مجلس النواب بعضوين، فيما الحزب الحاكم ممثل داخل مجلس المستشارين بعضو يشغل منصب نائب الرئيس، وهو عبد الإله الحلوطي، النائب الثاني لحكيم بنشماش، وجميع القرارات التي يتخذها المجلس في الصفقات تتم بموافقة الحزبين معا، وكذلك عملية التوظيف وإلحاق الموظفين المنتمين إلى الحزبين، للاشتغال بالبرلمان، واقتسام الامتيازات المتمثلة في السيارات الممنوحة لأعضاء المكتب، وتوزيع «غنائم» السفريات على البرلمانيين.
وكشفت جلستا انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية من طرف مجلسي النواب والمستشارين، عن وجود تحالف «سري» بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، خلافا لما كان يعلنه رئيس الحكومة السابق والأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية وقادة حزبه. وشهدت الجلستان تبادل التصويت على مرشحي الحزبين بمنطق «عطيني نعطيك» لضمان نصيب كل منهما بالمحكمة الدستورية، حيث صوت نواب الأصالة والمعاصرة على مرشح حزب العدالة والتنمية بمجلس النواب، فيما صوت المستشارون البرلمانيون لحزب العدالة والتنمية على مرشح «البام» بمجلس المستشارين، لأن كلا الحزبين لا يمكنهما بلوغ النصاب القانوني بدون مساندة أحدهما للآخر، خاصة أن هذه المناصب تغري العديد من قيادات الأحزاب السياسية، نظرا للامتيازات التي يستفيد منها أعضاء المحكمة الدستورية، بحيث يتقاضى أعضاؤها تعويضا يساوي التعويض البرلماني، ويستفيد رئيس المحكمة من نفس تعويض وامتيازات رئيس مجلس النواب.

تحالف «البام» و«البيجيدي».. انتصار المصالح الحزبية
أثار تحالف حزب العدالة والتنمية مع حزب الأصالة والمعاصرة على مستوى جهة طنجة تطوان الحسيمة، الجدل في الأوساط الداخلية لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، وذلك عندما قرر حزب العدالة والتنمية سحب مرشحه سعيد خيرون، مقابل حصوله على منصبي النائب الأول والخامس في تشكيلة المكتب الجديد لمجلس جهة طنجة، ليجد نفسه أمام سيل من الانتقادات التي عبر عنها عدد من مناضليه، وقياديين من شبيبته.
واستغربت تعليقات عدد من مناضلي «البيجيدي» تحول موقف حزب العدالة والتنمية بشأن حزب الأصالة والمعاصرة، كما تساءل البعض عما إذا كان هذا التحالف الجهوي مقدمة لتحالف أكبر على المستوى الوطني في المستقبل القريب.
ولم تقتصر الانتقادات على قواعد حزب العدالة والتنمية، بل امتدت لبعض أعضاء الأمانة العامة للحزب، التي اعتبرت أن منطق السياسة تغيير الموقف 180 درجة يقتضي نقاشا سياسيا يجيب عن سؤال، ما الذي تغير؟ وفي الوقت الذي كان التوجه السائد داخل مجلس جهة طنجة تطوان، هو الحفاظ على الأغلبية السابقة برئاسة فاطمة الحساني، الشيء الذي دفع حزب العدالة والتنمية بالجهة إلى إصدار بلاغ يوم 20 أكتوبر الماضي، جاء فيه أن «الاستمرار في منطق خلق أغلبيات هجينة، هو تكرار لنفس سيناريو 2015 مع ما ترتب عنه من هدر للزمن التنموي، خاصة وأن هذا المسار يخالف مسار الديمقراطية الجهوية والمحلية ويضرب أسس بناء جهوية متقدمة حقيقية، كما دعا إليها جلالة الملك نصره الله في مختلف المناسبات». كما رشح الحزب سعيد خيرون لمنافسة «البامية» فاطمة الحساني على رئاسة الجهة.
موقف «البيجيدي» دفع أحمد الإدريسي، القيادي في الأصالة والمعاصرة، إلى ربط الاتصال بمسؤولي العدالة والتنمية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، حيث تم عقد لقاء في منزله، تم خلاله عرض المشاركة على «البيجيدي»، وبناء على ذلك أحاط قياديو الحزب بطنجة سعد الدين العثماني، الأمين العام للحزب، علما بالعرض الذي تلقوه، وقد سارع العثماني إلى تشكيل لجنة لدراسة الموضوع، وتقديم الخلاصات النهائية، وتشكلت اللجنة، التي ظل يشرف عليها العثماني من نبيل الشليح، رئيس فريق العدالة والتنمية بجهة طنجة تطوان الحسيمة، والبشير العبدلاوي، عضو الفريق وعمدة طنجة، وسليمان العمراني، نائب الأمين العام للحزب.
اللجنة تداولت وخلصت إلى أنه من مصلحة الجهة أن يكون «البيجيدي» في التسيير، معتبرة أن هذا التحالف جاء بناء على طلب من حزب الأصالة والمعاصرة، كما أنه تحالف مع باقي مكونات المجلس. في الوقت الذي اعتبر حزب الأصالة والمعاصرة أن العدالة والتنمية لم يعلن موافقته المبدئية على المشاركة في التسيير، إلا يوما قبل الإعلان عن تاريخ رئيسة الجهة، كما أن الاتفاق على منحه النيابة الأولى والخامسة لم يحسم إلا في التاريخ نفسه، أي قبل لحظات من انعقاد جلسة التصويت على منصب رئيس الجهة، حيث سحب مرشح العدالة والتنمية ترشيحه مقابل حصوله على منصب نائب الرئيس. وبرر «البيجيدي» تحالف حزبه مع الأصالة والمعاصرة، بتغير مجموعة من المعطيات على صعيد الجهة، وكذا استحضار معطيات أخرى.
وكشف سليمان العمراني، نائب الأمين العام لـلعدالة والتنمية، أن قرار تحالف الحزب مع الأصالة والمعاصرة كان تحت إشراف لجنة عينها الأمين العام، سعد الدين العثماني، معتبرا أن هذا  القرار «أملاه تفاعل الحزب مع طلب وارد عليه من جهة الترشيح في هذه الجهة»، مضيفا أن التحاق حزب العدالة والتنمية بالأغلبية في الجهة «أمر مهم ونأمل منه فوائد عديدة». واعتبر العمراني أن قرار التحالف جاء تنزيلا  للمقرر التنظيمي، والذي ينص على أنه «تشرف على تدبير التحالفات وتعيين مرشحي الحزب للرئاسة أو لعضوية مكاتب مجالس الجهات أو المدن الكبرى، لجن يعينها الأمين العام وتعمل تحت إشرافه»، موضحا أن «ممثلي الكتابة الجهوية للحزب بجهة طنجة تطوان الحسيمة نقلوا للأمين العام مع اللجنة المعنية الحيثيات والخلاصات، التي انتهى إليها اجتماع الكتابة الجهوية وفريق الحزب بالجهة، حيث كان التوجه العام يسير نحو المشاركة في التسيير».
وسادت موجة غضب واسعة  في أوساط قيادات من «البيجيدي» وشبيبة الحزب، منذ إعلان قرار التحالف مع غريم الحزب. وعبر عبد العزيز أفتاتي، عضو الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية، عن رفضه لتحالف حزبه مع حزب الأصالة والمعاصرة، معتبرا أن «هذا التحالف مع «البام» يجب معرفة على ماذا تأسس وما هي تطوراته، وهذا يمكن الإجابة عنه من طرف الكتابة الجهوية لـ«البيجيدي»»، معتبرا أن  الحزب في «مرحلة سياسية تحضر فيها الأجندة المناهضة للسلطوية، و«البام» كائن فاسد سلطوي وليس لنا خيار إلا مواجهته وإحراق جميع السفن المؤدية إلى أي موقع فيه»، على حد تعبير أفتاتي. فيما نشر عدد من نشطاء شبيبة الحزب تدوينات بموقع  التواصل الاجتماعي (فايسبوك)، اعتبروا فيها قرار العثماني التحالف مع الأصالة والمعاصرة «ضربا لتوجه ومبادئ العدالة والتنمية».
وتحركت موجة سخط عارمة في هياكل حزب «البيجيدي» في  جهة طنجة الحسيمة، التي اعتبرت قرار التحالف ضربا لمصداقية مبادئ الحزب، مشيرة إلى أن الأمانة العامة لحزب العدالة والتنمية سبق وقررت حل فرع الحزب بوجدة، بسبب تحالف أعضائه مع حزب الأصالة والمعاصرة «فما العامل الذي تغير حتى يتم رفض التحالف مع الحزب بوجدة وقبوله بطنجة؟»، مؤكدة أن «الغاضبين من قرار التحالف بدؤوا التنسيق من أجل توجيه مراسلة إلى سعد الدين العثماني، الأمين العام، يعبرون فيها عن رفضهم لهذا القرار».

بنكيران والعماري.. قصة صراع بكل الأسلحة
على مدى السنوات التي تحمل فيها عبد الإله بنكيران مسؤولية قيادة حزب العدالة والتنمية، ظل الأخير يهاجم بشراسة إلياس العماري، الأمين العام السابق لحزب الأصالة والمعاصرة، ووصفه بأقذح النعوت والأوصاف، واعتبر التحالف بين «البيجيدي» و«البام» من سابع المستحيلات، لأنه كان يعتبر هذا الحزب «حزب البانضية» وله «خطيئة النشأة».
ووصف بنكيران خصمه اللدود العماري خلال الملتقى الجهوي العاشر للهيئات المجالية بـ «إبليس»، وقال «هداك إبليس ديال المملكة الذي وعد بعض الأحزاب برئاسة الحكومة»، كما هاجم العماري في مناسبة أخرى ردا على تصريح له يتهم فيه الخطيب، مؤسس العدالة والتنمية بالضلوع في ملفات مرتبطة بخروقات لحقوق الإنسان، وذهب بنكيران حد وصف العماري بـ «صعلوك آخر الزمان»، وقال بأن «الدكتور الخطيب بزاف عليه».
اتهامات بنكيران للعماري لم تقف عند حدود الأوصاف القدحية، بل تجاوزتها إلى اتهامات بالرغبة في التحكم وقيادة مشروع إعلامي يعزز هذا الوجه، قال في مؤتمر لذراع العدالة والتنمية النقابي، الاتحاد الوطني للشغل، إن المشروع الإعلامي الذي أطلقه إلياس العماري «ظلامي وفاشل لأنه مؤسس على التحكم»، وأدخله في خانة مراكمي الثروات بدون حدود وبطريقة غير معقولة على حساب الطبقات الكادحة والمتوسطة»، مضيفا أن «السلطة لم يعد بإمكانها حماية من يستأثرون بالمال بطرق غير مشروعة»، كما ذهب بنكيران أبعد من ذلك وقال خلال حديثه في الجلسة الافتتاحية للدورة العادية لجمعية مستشاري العدالة والتنمية بالمقر المركزي إن العماري هو من يتحكم في وضع الأمناء العاميين لحزب الأصالة والمعاصرة الذي مات منذ 25 نونبر 2012 ولم يبق فيه إلا الجناح «المافيوزي»، وواصل مهاجمة العماري وعبره حزب الأصالة والمعاصرة والقول إنه الحزب الذي كان يهدد استقرار البلاد، حين تدخل في قضية وحدتنا الترابية بإكديم إيزيك.
وازدادت حدة هجوم بنكيران على العماري مباشرة بعد انعقاد المؤتمر الوطني الثالث لحزب «البام»، والذي انتخب خلاله أمينا عاما للحزب، حيث شن بنكيران في اليوم الثاني لانعقاد المؤتمر هجوما عنيفا، على إلياس العماري وشكك في مصدر ثروته، وتساءل باستنكار: «من أين أتى بـ 65 مليون درهم، التي أطلق بها مشروعه الإعلامي؟ فليقل لنا من أين حصل على ذلك»، كما وصف حزب «البام» بأنه حزب «البانضية».
لكن العماري رفض الرد على هجوم بنكيران، وذلك أثناء الندوة الصحفية التي عقدها مباشرة بعد انتخابه أمينا عاما للحزب، وقال «قطعت على نفسي وعدا كأمين عام للأصالة والمعاصرة ألا أتحدث مع رئيس الحكومة إلا بالمستوى الذي يليق بمؤسسة رئيس حكومة المغاربة» و«لن أرد عليه إلا بأسلوب فيه احترام كبير للمؤسسة التي أتشرف برئاستها»، وأضاف «نحن لا نهاجم الأشخاص، وحتى في مراحل الاختلاف الذي قد يصل بعض الأحيان إلى نفي الآخر»، وأكد أن حزبه، الذي يشتغل في المعارضة، «ليس هدفه الهيمنة، وسنحتل الموقع الذي نستحقه بمعية الشركاء الذين نتقاسم معهم حب الوطن».
وإن كان إلياس العماري يردد في العديد من المناسبات أنه لا يريد الدخول في صراع مع عبد الإله بنكيران والرد على تصريحات، إلا أنه في بعض المواقف انخرط في الحرب الكلامية ضد العدالة والتنمية وزعيمه بنكيران، واتهم في لقاء أمام برلمانيي حزب «البام» بكلا الغرفتين، بنكيران بتكوين عصابة القتلة، مهددا إياه بكشف ملفات خطيرة كرد فعل على اتهامات بنكيران لإلياس بتجميع الثروة الفاحشة و تشييد مطبعة بـ12 مليار، بل إن العماري بدوره ذهب للرد على تصريحات بنكيران التي يتهمه فيها بالمتاجرة في المخدرات، بعيدا، وطالبه في إحدى المناسبات بممارسة سلطاته وإعطاء أوامره بالاعتقال إن فعلا يتهمه بالمتاجرة في المخدرات، معتبرا أن الاتهامات التي صدرت عن بنكيران لا تفهم إلا في سياق كونه رئيسا للحكومة وليس أمينا عاما للحزب، وبالتالي فحسب العماري فالأمر يستدعي اتخاذ الأمور بالقانون أو اعتبار هذه التصريحات لا تسيء إلى رئيس الحكومة والمؤسسة التي يمثلها.

عتيق السعيد: «خدمة الصالح العام يجب أن تكون قطب رحى تحالف الأحزاب السياسية باختلاف إيديولوجياتها»

  • ما هي محركات التحالف الأخير بين «البام» و«البيجيدي»؟
    كتشخيص عام لمبدأ التحالفات السياسية، يمكن القول إن الكثير من الأحزاب السياسية تجد في التحالفات السبيل نحو نفوذها ودعم مواقفها، على اعتبار أنه في أغلب الأحيان تتمخض صعوبة في تشكيل التحالفات أو صمودها، وبالتالي فالتحالف بشكل عام وبين الحزبين بشكل خاص، يعني اتحادا مؤقتا بين فريقين هدفه الحصول على التأثير والنفوذ الكافي بغية تحقيق الأهداف المشتركة، والغايات التي من خلالها يستطيع جميع الأعضاء بناء قوتهم السياسية والحصول على الفائدة من القضايا ذات الاهتمام المشترك. لكن، ورغم الغايات التي تشكل اللبنة الأساس لهذه التحالفات، فإن هذا التحالف ينتهي، في الغالب، بتحقيق تلك الغايات، وهذا أمر طبيعي فلا يمكن الجزم بأن استمرارية التحالف رهينة بمبادئ إيديولوجية بقدر ما ترتبط ارتباطاً وثيقا بالمرحلة السياسية وسياقاتها الاجتماعية والاقتصادية، وأيضا بتوقيتها الزمني، لاسيما وأن فراغ المنصب على مستوى جهة طنجة، جاء في وقت مفاجئ ولم يكن متوقعا، وبالتالي وجد حزب الأصالة والمعاصرة نفسه أمام تحدي إيجاد بديل سياسي قادر على مسايرة المرحلة وكسب ثقة المجلس، وأيضا البحث عن بديل يحظى بتوافق جميع الفرقاء. ومنه يمكن القول إن هذا التحالف مبني على اتفاق يلتزم أطرافه بمقتضاه بالعمل سوياً والتعاون، وتنسيق الجهود لإنجاز مهام مرحلية في العمل الحكومي، أهمها التدبير الجيد للموارد بالجهة، وتفعيل الأوراش التنموية التي أكد عليها الملك في الخطابات الأخيرة، والمتعلقة بمعالجة الفوارق الاجتماعية، والحد من البطالة ودعم الطبقات الوسطى، وأخرى استراتيجية تنصب على دور الجهة في مجال الاستثمار ومدى قدرتها على تجويد مخرجات المشاريع التي تنتظر التفعيل. علما أننا نتحدث عن جهة لها كل الموارد لكي تكون قاطرة للتنمية المستدامة، وتعتبر، أيضا، جهة لها قطب صناعي مهم.
  • هل يتعلق الأمر بتحالف سياسي أم تحالف مصلحي لحظي؟
    بناء على ما تقدم، يمكن القول إن التحالف في شكله العام يبقى خيارا سياسيا يلجأ إليه حزب سياسي أو ربما مجموعة من الأحزاب لخلق فريق حزبي تؤطره أرضية وبرامج تبنى على التوافق والرضا بين الأحزاب المشكلة لتكتل هدفه تحقيق بعض الأهداف، إما تدبيرية متعلقة بطبيعة المهام الموكولة للجهة، أو الاستراتيجية داخل إطار برنامج مشترك يتوفر على الحد الأدنى من القواسم المشتركة للأحزاب المتحالفة حول قضايا معينة.
  • هل يمكن لتحالف من هذا النوع أن يمهد لتحالف أوسع في 2021؟
    أولا، لابد من الإشارة إلى أن المتتبع للوضع الحزبي سيجد أن التحالفات الحزبية بالمغرب لا تخضع لأي منطق، لا سياسي ولا إيديولوجي، لسبب بسيط وهو أن الأحزاب التي تتحالف في ما بينها تنبني على واقع المرحلة وسياقها السياسي، وبالتالي الكثير من التحالفات جاءت في سياق زمني يفرض عليها الاندماج والتوافق، وقد لاحظنا الكثير من التحالفات المشكلة للحكومة نجحت فقط في كسب المواقع وتقويتها، وبالتالي فالروابط الإيديولوجية والأخلاقية ومبدأ الصداقات لا يدوم، أو بالأحرى لا يكون له أي تأثير على اختيار التحاف مع حزب معين، أو حتى استمرارية هذا التحالف من عدمها، وبالتالي فإمكانية أن يمهد هذا التحالف على مستوى جهة طنجة تحالفات في الانتخابات المقبلة، تبقى مجرد فرضية لا يمكن معها الجزم باستمرارية التحالف، حيث إن المرحلة المقبلة، كما قلت، هي التي سترسم معالم التحالفات، ناهيك عن أن كل حزب له تصوه الذي يسعى من خلاله لكسب ثقة المواطن، ومن ثم أعتقد أن إسقاط التحالف الحالي على تحالفات مستقبلية يبقى مجرد تكهنات لا يمكن أن تكون دقيقة. فالانتخابات المقبلة وسياق المرحلة وتحدياتها، تبقى هي الفاصل في بزوغ تكتلات حزبية وتشكيل فسيفساء التحالفات السياسية.
  • هل تخلى «البيجيدي» و«البام» عن إيديولوجيتهما السياسية؟
    الحديث عن دور الإيديولوجيات في التأثير على طبيعة التحالف السياسي واستمراريته من عدمها، يحيلنا بشكل أولي على تفكيك قانون الأحزاب الجديد رقم 11- 29، والذي نلاحظ أنه لم يتحدث قط عن مسألة التحالف، بل ركز فقط على الاتحادات السياسية بين الأحزاب، والتي خصص لها بابا بالكامل يشمل ست مواد.
    لذلك، يمكن القول إن التحالف بين الأحزاب لا يشكل وحدة اندماجية دائمة ومتكاملة، تنصهر فيها الأحزاب بشكل مستمر، ولكنه قد يكون مجرد اتفاق مرحلي يقوم على برنامج محدد برضا الأطراف مع احتفاظ كل حزب بهويته وأفكاره، وبالتالي فإن فرضية أن يكون التحالف بعيد المدى، مرتبطة بما إذا كانت الغاية الأساسية منه هي برنامج تدبيري مالي للموارد، فضلا عن أنه قد يبرمج له على المدى المتوسط إذا كان الهدف منه هو الشعور بآنية المرحلة واستعجالية التحالف، وهذا ما وقع بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، لأن السياق الزمني للتحالف خلق نوعا من الارتباك العميق لا على مستوى التوقيت الزمني الذي كان مفاجئا، أو على مستوى سياق المرحلة المقبلة وما تعرفه من تحديات كبرى تتطلب التوافقات السياسية أو التصدي لكل ما يمس سير المصلحة العامة، والتصدي المباشر والآني لبعض العوائق أو القرارات التي قد تمس بعض أو كل مصالح البلاد وسير مرافقها العمومية.
  • هل ستؤثر هذه التحالفات على مواقع الأحزاب في المحطات السياسية القادمة؟
    التحالفات بين الأحزاب باختلاف مبادئها وإيديولوجياتها ليست بالعملية السهلة، كونها تتطلب نسبة معينة من التصالح السياسي ومن السعي نحو قبول عدد من التنازلات من قبل الأحزاب المتحالفة. هنا نتحدث عن عدم التركيز في الصراعات السياسوية والصراع نحو الهيمنة وكسب ثقة المواطن، لأنه في مثل هاته الأوضاع يجب أن تكون المصلحة العامة وخدمة الصالح العام قطب رحى الأحزاب السياسية باختلاف إيديولوجياتها، تفعيلا لمبدأ الأحزاب السياسية المواطنة التي خلقت من أجل تدبير المرحلة وتجويد نمط عيش المواطن وتحسين أوضاعه، وبالتالي فمسألة الإيديولوجيا تبقى ثانوية تحددها علاقة معقدة بالسياسة وبسياق المرحلة، وقد لا تتطابق بمحددات سياسية بالضرورة، لكنها تبقى مرتبطة بها، ومنه تبقى كل إيديولوجيا لها سياستها الخاصة وكل سياسة لها إيديولوجيا تبررها، لكن الأمر مقرون، في الحالتين، بالشرط الوطني والمصلحة العامة.
    وجدير بالذكر أنه، منذ بداية الحياة السياسية، نجد حالات كثيرة من الأحزاب السياسية كانت ذات توجهات وإيديولوجيات مختلفة حاولت التحالف على أساس المنطق الإيديولوجي، لكنها لم تفلح وبقي التحالف هزيلا أو قصير الأمد، وبالتالي فالإيديولوجيا لم يسبق أن كانت عاملا محددا لتموقعات أحزاب معينة، والدليل على ذلك أن التحالفات الكبرى التي شهدها المغرب مع الكتلة الوطنية والكتلة الديمقراطية كانت تحالفات غير إيديولوجية، بل سياسية، فيها تقاسم عناصر من قراءة المرحلة والوضع السياسي.
    > باحث في العلوم السياسية – محلل سياسي

«البام» ومواجهة الإسلاميين
أثار تصريح العماري بكون حزبه جاء «ليساهم في مواجهة الإسلاميين، دفاعا عن المسلمين»، الكثير من التأويلات، لكنه أوضح المقصود من كلامه هو أن «المغرب بلد مسلم، ونحن ندافع عن الدين، وليس الفكر الديني، وسبق لنا أن حذرنا من خوصصة المشترك، وأكدنا أن عدم الفصل بين السياسة والدين سيؤدي إلى أمور سيئة». وفي محاولة لتفادي أي تأويل لكلامه، بكون حزب «البام» جاء لمحاربة حزب العدالة والتنمية، وأنه تأسس لهذا الغرض سنة 2008، قال العماري: «ليس لدينا مع حزب العدالة والتنمية أي مشكل، لكن خلطه الدين بالسياسة أمر سيئ»، وأعادت هذه التصريحات إلى الأذهان، ما عرفه المشهد السياسي المغربي، منذ الإعلان عن تأسيس «حركة لكل الديمقراطيين» التي شكلت النواة الأولى لبروز حزب الأصالة والمعاصرة، الذي تصدر نتائج الانتخابات الجماعية سنة 2009، والتي زادت من حدة المواجهة بين حزبي الأصالة والمعاصرة والعدالة والتنمية، قبل أن تخمد نيران المواجهة بين الطرفين، عقب تعيين فؤاد عالي الهمة مستشارا للملك، بعد استقالته من حزب الأصالة والمعاصرة، ثم فوز حزب العدالة والتنمية بالانتخابات التشريعية التي جرت يوم 25 نونبر سنة 2011، لكن حدة المواجهة وتبادل الاتهامات عادت إلى الواجهة بعد الانتخابات الجماعية والجهوية، والتي احتل فيها حزب الأصالة والمعاصرة موقع الصدارة.
وشكل انتخاب العماري على رأس «البام» إزعاجا حقيقيا لحزب العدالة والتنمية، رغم محاولات قادة الحزب إخفاء ذلك، واتضح ذلك من خلال الحملة التي قادتها «الكتائب الإلكترونية» للحزب عليه، قبل المؤتمر وبعده، وأصبح اسم العماري في نظرهم مرادفا لحزب «البام»، باعتباره «الرجل القوي» الماسك بكل خيوط الحزب، وما يؤكد ذلك هو كثرة ترديد اسمه في كل المناسبات، من قبل عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة السابق، إذ اندلعت بينهما حرب كلامية منذ سنوات، قبل كل استحقاقات انتخابية، تصل في كثير من الأحيان إلى الصدام وتبادل الاتهامات.

3 أسئلة ل : حفيظ الزهري – باحث في العلوم السياسية
تحالف «البيجيدي» و«البام» يحكمه منطق غنيمة المناصب والامتيازات

  1. ما قراءتك للتحالف بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة بجهة طنجة، وما خلفياته السياسية؟
    الظروف التي جاءت بالتحالف بين حزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة لم تعد هي تلك التي كانت تؤطر الصراع في ما بينهما، فهناك تغير على مستوى قيادة الحزبين على المستوى المركزي وتطور في ليونة اللهجة الخطابية بين الطرفين، هذا من جانب، من جانب آخر خصوصية الجهة من حيث اعتبارها قطبا استثماريا كبيرا لا يحتاج لصراعات حزبية قد تساهم في تعطيل المسار التصاعدي للجهة اقتصاديا.
    إذن هناك عوامل داخلية وخارجية، لكن بغلاف سياسي يصعب فك شفراته في ظل عدم وجود أوراق سياسية مؤطرة لهذا التحالف- المفاجأة، فهو غير مبني على ما هو إيديولوجي أو على برنامج تعاقدي هدفه تحقيق أهداف معينة وفق مدة محددة، غير أن المشاكل الداخلية التي يعيشها حزب الأصالة والمعاصرة أدت لتقديم تنازلات للحفاظ على رئاسة الجهة التي لم تكن بالسهلة في اعتقادي، فهي مفاوضات شملت أحزابا أخرى كانت بالأمس معارضة للمكتب السابق لتتحول إلى صف الأغلبية.
    رغم كل ما قيل في حق هذا التحالف الاستثنائي، فإنه يبقى تحالفا عاديا لا يخرج عن نطاق وأدبيات باقي التحالفات المحلية والجهوية، تحالف يحكمه منطق غنيمة المناصب ونوعية الامتيازات بعيدا كل البعد عن ما هو برنامجي حزبي أو تعاقدي مع المواطن، لكن يمكن اعتباره تمرينا جهويا لما هو قادما مركزيا في المستقبل القريب.
  2. هل لهذا التحالف رسالة معينة مرتبطة بترتيب خريطة المشهد السياسي في أفق انتخابات 2021.
    أعتقد أنه من السابق لأوانه إسقاط هذا النموذج من التحالف بين حزبين صداميين على المستوى الوطني أو المركزي، لكن الأمر غير مستبعد والمستقبل يبقى منفتحا على جميع الاحتمالات. فلا يمكن أن نستغرب من تحالف ثنائي على المستوى الحكومي حيث يبقى رهينا بنجاح تجربة تحالف جهة طنجة تطوان الحسيمة، فنجاح هذا التحالف قد يساهم في إذابة الجليد بين الحزبين وقد يرفع من حدة التنافسية بين باقي الأحزاب التي قد يكون هذا التحالف بالنسبة لها رسالة غير مباشرة حول المستقبل الذي ينتظرها.
    لا يمكن التكهن بمخرجات انتخابات 2021 بحكم ضبابية المشهد الحزبي المغربي أمام تصاعد نسبة العزوف عن الممارسة الحزبية. فتراجع نسبة المشاركة في الانتخابات المقبلة يعد إنذارا وهزيمة لهذه الأحزاب مهما حققت من نتائج، حيث تخدم مصالح حزب العدالة والتنمية بحكم توفره على قاعدة انتخابية قارة عكس باقي الأحزاب التي تعد قاعدتها متحركة في ما بينها، وهو ما يسمح لحزبي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة، إن حافظا على نتائجهما ولو بنسبة أقل، بالتحالف وتشكيل الحكومة المقبلة بأريحية، وهذا أمر وارد بنسبة كبيرة نظرا لتأثر الأصالة والمعاصرة بمدة المعارضة التي أنهكت صفوفه، إذ في الممارسة السياسية هناك قاعدة تقول: «لا عدو دائم ولا صديق دائم»، وهذه القاعدة لها جذور تاريخية في المشهد السياسي المغربي، حيث يتحالف المحافظ مع التقدمي، واليساري مع الإسلامي واليميني… وتبقى الاستفادة من السلطة هي هدف أي حزب بعيدا عن صراع وتحالف البرامج والإيديولوجيا.
  3. كيف يتم تدبير التحالفات بين الأحزاب السياسية؟ هل تكون محكومة بالمناصب والمصالح، أم تكون على أساس البرامج؟
    بالعودة إلى السيرورة التاريخية، التحالفات السياسية كانت مبنية على أساس صراع مع الكنيسة يعني علماني ديني، ومع عصر النهضة وبداية الثورة الصناعية بدأت التحالفات تأخذ منحى آخر وهو البناء على أساس طبقي «الإقطاع البورجوازية الصاعدة»، لكن تبقى أهم التحالفات هي التي بنيت على أساس إيديولوجي «اشتراكي- ليبيرالي» أو «المحافظين- الديمقراطيين»، وهذا ما نتجت عنه قطبية في أغلب الديمقراطيات في القرن الماضي، إلا أنه في المغرب، وبحكم اعتباره من البلدان التي تعيش تمرينا ديمقراطيا، إن لم نقل إنه بلد اختار التعددية الحزبية والسياسية نتجت عنه بلقنة للمشهد الحزبي، كان له الأثر الواضح على التحالفات الحكومية ولا المحلية ولا السياسية، حيث تختلف مؤطرات هذه التحالفات حسب نوعية المصالح المشتركة وحجم الاستفادة من اصطفاف ما، أما بناء التحالف على أساس برامج سابقة، فهو أمر غير مستحب لدى الأحزاب المغربية.
    التجربة المغربية في تدبير التحالفات تختلف حسب الموقع، فعلى المستوى الوطني، المتدخلون معروفون من قيادات حزبية ومؤسسة ملكية موجهة ومؤطرة. أما على المستوى المحلي والإقليمي والجهوي، فمنطق الربح والخسارة هو المحدد لتحالفات الأحزاب، حيث يغيب تأثير القرار المركزي لتحل محله العلاقات الشخصية وحسابات المنصب. وبالتالي ليست هناك قاعدة معينة يمكن إسقاطها على التحالفات الحزبية في المغرب، ودراستها بحر يصعب كشف أغواره لما تتسم به من تعقيدات وتناقضات تجعل الإقرار بوجود قاعدة معينة تؤطر هذه التحالفات أمرا من ضروب الهذيان.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى