
نعيمة لحروري
حين تتحول «الفلاحة التضامنية» إلى سكين يُذبح به مربي الماشية البسيط من الوريد إلى الوريد، وحين تُمنح جمعية بعينها «حصانة الدعم» وحق التصرف الحصري في أموال صندوق التنمية الفلاحي، نكون أمام كارثة أخلاقية وسياسية لا يمكن الصمت عنها.
معالي الوزير،
ليس من حق أي جمعية، أيا كان اسمها أو حجمها أو قربها من مراكز القرار، أن تمارس الترهيب ضد مربي الماشية، وأن تبتزهم بلقمة عيشهم، فقط لأنهم عبروا عن غضبهم، أو تجرؤوا على رفع أصواتهم للمطالبة بحقوقهم. وما حدث أخيرا مع بعض «الكسابين»، بعد مشاركتهم في وقفة احتجاجية سلمية ضد تأخر صرف الإعانات، هو نموذج صارخ لهذه الممارسات القمعية التي تُمارس باسم «الشراكة مع وزارة الفلاحة».
أن تمنح وزارتكم الموقرة حق توزيع دعم الدولة لفائدة مربي الماشية لجمعية واحدة بشكل حصري، فأنتم بذلك تضعون العصا في يد الجلاد، وتسمحون له بجلد ضحاياه متى شاء وكيفما شاء. هي ليست مجرد «اتفاقيات شراكة» ولا «أدوار تأطيرية» كما يروج لها، بل هي تفويض كامل بالتحكم في رقاب «الكسابين»، تحت طائلة التهديد بالطرد من الجمعية، أي الحرمان من الدعم العمومي، أي التجويع الممنهج.
عن أي إعادة هيكلة لقطاع الماشية تتحدثون؟ وكيف تتجرأ وزارتكم على الحديث عن «تنمية القطيع الوطني»، بينما تتواطؤون بالصمت مع من يمارسون الإهانة والابتزاز في حق المربين؟
كيف تقبلون بأن يُختزل مستقبل آلاف الأسر في قرار مزاجي لرئيس جمعية، يوزع الدعم بمنطق الولاء ويمنعه بمنطق «التأديب»؟
إن الدعم العمومي هو مال الشعب، و«الكساب» الذي ينتظره ليس متسولا ولا يتسلم «منحة إحسان»، بل هو يسترجع حقا من حقوقه كمواطن ومنتج وحلقة أساسية في الأمن الغذائي لهذا البلد.
إن تمادي هذه الجمعية في استعمال الدعم العمومي كوسيلة ضغط، ما كان ليحدث لولا صمت وزارتكم المريب، وتغاضيكم عن وضعية احتكار لا يمكن أن تجد لها تفسيرا سوى في كواليس المصالح الضيقة.
نحن أمام اختلال خطير في فلسفة التنمية الفلاحية: الدعم الذي يجب أن يكون أداة إنصاف، صار أداة عقاب؛ والشراكة التي كان يفترض أن تكون فضاء لتجويد الخدمات، صارت قيدا في عنق المربي، وسيفا مسلطا على رزقه وكرامته.
يا معالي الوزير،
أنتم تتحملون كامل المسؤولية السياسية والأخلاقية في ما يحدث، ومن واجبكم أن تعيدوا الأمور إلى نصابها:
إما أن يكون الدعم العمومي خاضعا لمعايير واضحة وشفافة، تحت إشراف الدولة ومؤسساتها.
وإما أن تكونوا شركاء في هذا العبث الذي يحول الجمعيات إلى أدوات للضبط والابتزاز.
«الكساب» المغربي لم يعد يقبل بهذا المنطق الوصائي المتعجرف، لم يعد يرضى بأن تتحكم في مصيره «جمعية» تستقوي بصمت الوزارة.
الأمانة تقتضي أن تعيدوا فتح هذا الملف، وأن تنزعوا عن هذه الجمعية امتيازات الاحتكار، فكرامة المواطن فوق كل اعتبار، والمال العام أمانة ثقيلة في أعناقكم.
الدعم العمومي للفلاحة صار سكينا في يد جمعية تحتكر قوت مربيي الماشية وتبتزهم بغطاء رسمي.





