شوف تشوف

الرئيسيةسري للغايةسياسيةملف التاريخ

شاهد رافق موحى أوحمو حكى عن معركته الأخيرة ضد فرنسا

يونس جنوحي

مقالات ذات صلة

لم تكن مدينة خنيفرة آمنة دائما كما تبدو، إنها مكان ممتع، تتربع وسط سفوح جبال الأطلس المتوسط، على ضفاف أم الربيع، حيث يجري هنا تيار مائي صحي تهيمن عليه الخُضرة.

كان السلطان مولاي إسماعيل هو من بنى مدينة كانت في السابق قرية صغيرة، ولكن، إلى حدود نهاية القرن التاسع عشر، كانت خنيفرة مدينة منفردة ومعزولة، ثم جاء قايد اسمه موحى أوحمو وبدأ في تطوير المكان. بنى قْصْبة وسوقا وشجع الأنشطة التجارية، ولكن عندما نفد المال، قطع علاقته بالسلطان ونصّب نفسه أميرا مستقلا. أسس ونظّم قوة مكونة من قطاع الطرق، جاء بهم من بين رجال قبائل زيان ونهبوا أي قوافل تمر عبر طريقه. في تلك الفترة، كان حكم السلاطين ضعيفا إلى درجة أنه لم تكن لديهم أي وسيلة للتعامل مع هذا التابع المزعج والعنيد.

اتسعت المنطقة التي شملتها المداهمات بمجرد أن توسع «موحى» في أنشطته ووصل إلى مكناس.

أصبح «گيْش» خنيفرة مشهورا، أو بالأحرى صار جديرا به أن يكون مشهورا، لكن عمل قطاع الطرق أثبت أنه نشاط مُربح.

هكذا، عندما استولى الفرنسيون على المغرب، استعد «موحى» ورجال قبيلته للمقاومة. لم يهتموا كثيرا لأمر المغرب واهتموا بدرجة أقل لأمر السلطان، لكن تطبيق القانون وإحلال النظام كانا آخر الأشياء التي أرادوها.

كان ليوطي دائما يفضل المقاربات الودية على الحرب، لكنه وجد أن موحى أوحمو، ملك جبال الأمازيغ، كان رجلا عنيدا وصعب المراس. القبائل المحيطة بالمنطقة أثبتت أنها أكثر قابلية للتكيف. فقد عانى سكانها كثيرا من جيرانهم قطاع الطرق.

أصبحت خنيفرة المركز المحصن، حيث ضجت بالوحدات المتنقلة للجيش الفرنسي. فقد قرر الفرنسيون أنه يجب القضاء على مصدر الإزعاج ذاك.

وفي يونيو 1914 كان على القوات الفرنسية، المكونة من 20.000 رجل، أن تخوض معركة لثلاثة أيام قبل أن يتم الاستيلاء على المدينة.

حتى في تلك المرة، كان موحى قد تمكن من الهرب نحو الجبال وأخذ نساءه وأبناءه معه.

وبما أن عدد هؤلاء كان أربعين ابنا، فإن أبناءه وحدهم منحوه قوة ميدانية يعتمد عليها، وواصل القتال.

احتشد المتشددون وتكتلوا حوله، وفي شهر نونبر تحركت الحامية الفرنسية لمهاجمته.

فوجئ رجال القبائل بمعركة الهري، غير أنهم، في ظل وجود الفرنسيين، تلكؤوا في دفع الجبايات المحلية.

أعاد الأمازيغ توحيد صفوفهم وألحقوا بالفرنسيين هزائم كارثية.

نصب تذكاري آخر يسجل مقتل أكثر من 600 ضابط وجندي، بمن فيهم القائد الفرنسي.

وجّه الفرنسيون ضربة سريعة معاكسة، لكن هيبة وحظوة موحى أوحمو العجوز بقيت في قمتها. ومع استنزاف الفرنسيين بسبب المطالب العليا للجيش، والتي أملتها ظروف الحرب العالمية، فإن موحى حاصر عمليا مدينة خنيفرة مدة خمس سنوات!

مرة كل ستة أشهر، تقاتل وحدة من الجيش الفرنسي لكي تشق طريقها ومعها الإمدادات، لكن سطوة الحامية الفرنسية كانت ضعيفة حقا.

عندما انتهت الحرب العالمية، صار الفرنسيون قادرين على إيلاء اهتمام جاد لهذه المنطقة التي كانت تعيش حالة هيجان.

تجمعت القبائل المجاورة، حتى أن بعض أبناء موحى انقلبوا ليصبحوا مع القوات الفرنسية.

عُرضت على القايد، الذي صار عجوزا، بعض الشروط، غير أنه فضل أن يقاتل. وفي سنة 1920 هُزم وقُتل في مواجهة صلبة صلابة الجبل.

قال لي رجل عجوز في خنيفرة مُشددا:

-«لكن موحى لم يُقتل بيد الفرنسيين! لم يقدروا على الاقتراب منه، كان الأمر يتعلق بخيانة. إن رجالا من قبيلتنا، قبيلة زيان، قاتلوا ضده. وأصابوه».

قال آخر:

-«إن الأمر لا يتعلق بخيانة. لقد اختلف قادتنا مع موحى. كانوا يرون أن مزيدا من المقاومة لم يكن مُجديا، لكنه قال لهم: «بإمكانكم إبرام السلام مع الكفار. إن تقدمي في السن لا يسمح لي بتغيير طُرقي». وهكذا استسلموا للفرنسيين، بمن فيهم أبناء موحى، لكنه واصل القتال، رغم أن الفرنسيين كانوا ليستقبلوه بتشريف. ثم جاء أحد الأيام، حيث قاد قواته فوق الخيول لمواجهة فريق منشق من قبيلته كان قد أعلن استسلامه لفرنسا. كانت رصاصة من زيان هي التي قتلته. لقد اخترقت حُنجرته.. هكذا كانت الحركة التي قام بها مُعبرة بيده عن الطريقة.

-«هل كانت لك معرفة به؟».

-«لقد كُنت هناك، معه!».

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى