
عندما كان القرويون البسطاء يتزاحمون لحجز مقاعد على متن حافلات نقل الغزاوي في مدينة فاس، كان الرجل الذي عرف بثرائه، يمارس هوايته المفضلة في اقتناء السيارات الفارهة في تلك المرحلة. وقد استطاع عن طريق تجارة السيارات كسب مودة الكثيرين.
الغزاوي الثري الذي ساهم بماله في بناء مؤسسة الأمن الوطني
كان أثرياء المغرب في خمسينيات القرن الماضي يعدون على رؤوس الأصابع، كان محمد الغزاوي قد صنع لنفسه اسما ضمن قوائمهم التي تذكر في المنتديات السياسية. غير أنه خلال عمله مديرا عاما للأمن، كان يغدق على العاملين، الذين كانت أعدادهم غير كبيرة، بل ثمة من ذهب إلى أنه تعمد بأن يؤدي بعض الرواتب من ماله الخاص بدل خزينة الدولة، خصوصا في السنوات الأولى للاستقلال، التي كان المغرب قد بدأ فيها تنظيم هياكله الإدارية والمالية. وثمة وزراء أو مديرون قلائل لم يكونوا يقبلون صرف رواتبهم من خزانة الدولة.
حسب ضابط المخابرات السابق أحمد البخاري، فإن محمد الغزاوي، قبل أن يعين مديرا عاما للأمن، «كان مقيما بالولايات المتحدة الأمريكية في أربعينيات القرن الماضي، إلى حدود 1955، وكان يحمل ثلاث جنسيات: المغربية والأمريكية والفرنسية، وعند عودته إلى المغرب أصبح أكبر بارون مالي في حزب الاستقلال يطمح إلى الوصول لمنصب المدير العام للأمن الوطني مع جميع الصلاحيات في المجال الأمني». أسند إليه الملك محمد الخامس منصب المدير العام للأمن الوطني، بجميع الصلاحيات على المستويين الأمني والقضائي لمدة طويلة ما بين 20 و30 سنة، وكان أغنى مدير في تاريخ الأمن الوطني. قدرت ثروته في المغرب، خلال الأربعينيات، بثمانية أضعاف ثروة الأسرة الملكية، يضيف البخاري، بفضل مشاريعه الاقتصادية المنتشرة في الولايات المتحدة، إنجلترا وفرنسا، بالإضافة إلى مليارات من الودائع في الأبناك الأجنبية عموما، وسويسرا بشكل خاص.
شغل محمد الغزاوي منصب وزير للصناعة العصرية والمناجم والسياحة والصناعة التقليدية، أي أنه جمع بين ثلاثة مناصب حكومية، كما شغل مناصب دبلوماسية قبل عودته إلى الواجهة الحزبية، في نهاية سبعينيات القرن الماضي، كما ترأس المكتب الشريف للفوسفاط، لكن الغزاوي سيتوارى بعيدا، وحدها حافلات النقل العمومي ظلت ترسخ اسمه في أذهان المغاربة.
مصاهرة جذورها في فاس وفروعها في سلا وآسفي وأكادير والرباط
لفت عبد الرحمان بنعبد العالي الأنظار بجديته، وهو من مواليد مدينة سلا. وكان وزير الأشغال العمومية بالمغرب في حكومة دجنبر سنة 1958. شغل المنصب نفسه في حكومة محمد الخامس، ويعد عزيز أخنوش، رئيس الوزراء الحالي، ابنا لرقية بنعبد العالي، شقيقة الوزير عبد الرحمان بنعبد العالي.
تزوج بنعبد العالي بعائشة الغزاوي، ابنة مدير الأمن الوطني، والتي عرفت بجمالها الساحر، بالإضافة إلى أن والدها كان صديقا حميما للسلطان محمد الخامس، وكانت تدخل القصر الملكي باستمرار، وعائشة الغزاوي، هي أم مليكة، زوجة الأمير مولاي هشام، ابن عم الملك محمد السادس، التي نسجت علاقة حب مع الأمير حين كانت تتردد رفقة والدتها على القصر، بل إن الملك الحسن الثاني هو من اختار لهذه الفتاة اسم مليكة، حين وضعتها أمها عائشة المقربة من الأميرات.
ظلت مليكة هي الجسر الآمن الذي يربط الأمير مولاي هشام بعزيز أخنوش، قبل أن يصبح وزيرا أول، بحكم أن أم رجل الأعمال أخنوش هي شقيقة عبد الرحمان بنعبد العالي، وهذا معناه أن مليكة زوجة الأمير هي ابنة خال الوزير أخنوش.
كانت عائشة الغزاوي أقرب إلى عارضة أزياء قبل ظهور العارضات، كانت تحرص على أناقتها ومظهرها الجذاب وثقافتها الغزيرة، وهي التي عاشت منذ طفولتها حياة البذخ في قصور والدها محمد الغزاوي، بل رافقته إلى أمريكا وفي دول أخرى.
عائشة الغزاوي أرملة وزير وزوجة وزير
بعد وفاة بنعبد العالي، ستقترن عائشة الغزاوي، بأحمد الطيب بنهيمة الذي كان سفيرا في الولايات المتحدة الأمريكية ووزيرا للأنباء ووزيرا للخارجية، فتتشابك أغصان شجرة المصاهرة الحكومية، وستتعقد أكثر الروابط العائلية بانضمام عائلة بنهيمة إلى هذه الشجرة، الممتدة بين فاس وسلا والرباط وأكادير، ثم آسفي.
تقدم أحمد الطيبي بنهيمة لخطبة عائشة الغزاوي، فنال الموافقة باعتباره اسما معروفا وكان صديقا لزوجها، وواحدا من خدام الدولة.
يقول الدكتور منير البصكري الفيلالي، إن أحمد الطيبي بنهيمة «عاش في كنف بيت هيماوي كريم وعريق، كان مولده في 13 نونبر 1927 بآسفي. وفي أحضانه نشأ وترعرع، متابعا تعليمه في شتى مراحله، بدءا من مدارس آسفي إلى الرباط، مرورا بفرنسا ونيويورك ومحطات أخرى أكثر أهمية»، وهي المحطات نفسها التي مر منها محمد الغزاوي، والد عائشة، التي ستصبح زوجته وسترافقه في رحلة أشبه بتكملة بمسار زوجها الراحل.
كان أحمد الطيبي بنهيمة يعيش في وسط أسري ليبرالي متفتح، لم يجد في زواج الابن أحمد الطيب من أرملة أي إشكال، بالنظر أولا لكاريزما عائشة ولانتمائها لأصول عريقة، وثالثا لأنها كانت حاضرة بقوة في القصر الملكي، خاصة وأن اسم أحمد الطيبي بنهيمة قد انتشر على نطاق واسع خلال التحضير السياسي والإعلامي والنفسي للمسيرة الخضراء، سيما لدى الرأي العام العالمي. إضافة إلى التنظيم اللوجيستيكي لأفواج المتطوعين في المسيرة الخضراء عام 1975 بتعليمات سامية من طرف المغفور له الملك الحسن الثاني، مبدع المسيرة الخضراء، بعد أن عينه وزيرا للدولة مكلفا بالإعلام، حيث قد قاد المفاوضات العسيرة مع الإسبان وظل يتردد على محكمة لاهاي، وواكب جميع تفاصيل المسيرة الخضراء، إذ كان «يجتمع بوفود الصحافيين بانتظام، مرة في الصباح وأخرى في المساء بغية تزويدهم بالمعلومات التي تتعلق بهذا الحدث التاريخي العظيم، ويمكنهم من حق الوصول إليها، حيث كان يبهرهم بفصاحته اللغوية، فقد كان يتقن العربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية. وليس ذلك بغريب عن الرجل.. فقد تقلب في عدة مناصب عليا منذ الاستقلال كأحد الدبلوماسيين المغاربة الأكفاء، من الذين أبانوا عن كعب عال في هذا المجال»، يضيف البصكري الفيلالي.
بعد حياة حافلة بالعطاء الفكري والسياسي، رحل أحمد الطيبي بنهيمة إلى دار البقاء، بعد أن وافاه الأجل بأحد مستشفيات باريس، يوم 25 دجنبر 1980، مخلفا وراءه تاريخا حافلا بالإنجازات.





