شوف تشوف

الرئيسيةسياسيةملف الأسبوع

علماء في معترك السياسة

حين تحرك مواقف رجال الدين القادة السياسيين وتلغي مسافة الأمان

هناك إشكالية لطالما شغلت المجتمعات واستنفرت السياسيين ورجال الدين، وتتعلق بالفصل بين الدين والدولة، وهو نقاش قديم يرجع إلى عصر النهضة حين «تجرأ» العالم غاليلو وقال إن الأرض كروية الشكل، فقامت الدنيا ولم تقعد، وجلب لنفسه مشاكل لا تحصى مع الكنسية.

مقالات ذات صلة

ولأن الدين يعد مكونا أساسيا في بناء شخصية الإنسان في کافة المجالات: الاجتماعية والثقافية والسياسية، والاقتصادية، والعلمية، فإنه مكون رئيسي في بناء الحضارة الإنسانية، وناشر لروح التسامح والمحبة، وقد يستخدم من طرف البعض لنشر التعصب أيضا، بعد أن أصبحت للدين مكانة في السياسة العالمية، إذ لم يعد شأنا يهم رجال الدين، بل امتد إلى مقرات الأحزاب ومجالس الحكومات، وأصبحنا نعيش زمن حكومات مشكلة من أسماء ترعاها فصائل دينية دعوية.

من هذا المنطلق دار نقاش واسع حول هذه الإشكالية، بعد أن ظهر مؤيدون لاختراق السياسة من طرف رجال الدين، ومعارضون لهذا الاختراق، فتمت المطالبة بمسافة الأمان بين الطرفين، وأبرمت معاهدات حظر الاستخدام السياسي للدين، أو الاستخدام الديني للسياسة، ودار سجال كبير في مؤتمرات عالمية، خلص إلى ضرورة منع توظيف الأديان في إثارة النزاعات والفتن.

هذا لا يعني أن السياسيين لا يمكن أن يكونوا متدينين، لكن الأمر المرفوض هو الشطط في استعمال الدين في اتجاهات أخرى، والزج برجالاته في خنادق المواجهة من أجل معارك تزيد من التفرقة بين الشعوب، ما يتنافى مع قوله تعالى: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم، إن الله عليم خبير».

في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» رصد لحالات اختراق رجال الدين لمعترك السياسة، والأزمات التي تولدت عن هذا الاختراق.

 

 الزمزمي في مواجهة حزبي المهدي بن بركة والخطيب

أغضب عبد الباري الزمزمي، وهو من أشهر خطباء المغرب وشيوخه وقتها، اليسار المغربي والاتحاديين على الخصوص، حين جرد المهدي بن بركة من صفة «الشهيد» في مقال بجريدة «التجديد»، في سياق الصراع المرجعي بين حزب العدالة والتنمية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، رغم أن الخلاف لم يفسد الود القائم بينهما، ولم يمنعهما من العمل تحت سقف حكومة سعد الدين العثماني.

شارك الزمزمي في الانتخابات التشريعية رغم أنه عالم دين، ودخل غمارها بالرغم من أن وزارة الأوقاف المغربية نبهت الوعاظ والخطباء قبل الحملة الانتخابية بشهر تقريبا، إلى ضرورة الاستقالة من الخطابة للترشح للانتخابات.

فقد ترشح الخطيب عبد الباري الزمزمي لخوض الانتخابات البرلمانية سنة 2007 في المغرب، تحت لواء حزب النهضة والفضيلة الذي انشق مؤسسه محمد خليدي عن حزب «البيجيدي»، علما أنه موقوف عن الخطابة بقرار من رئيس الوزراء الأسبق عبد الرحمن اليوسفي، عندما تسبب مقال أشبه ما يكون بالفتوى نشره الزمزمي في جريدة «التجديد» سنة 2001، اعتبر فيه الزعيم اليساري المهدي بن بركة الذي اختطف واغتيل خارج تصنيف الشهداء، باعتباره كان معارضا وكان ينوي الإطاحة بالملك الراحل الحسن الثاني، وفي ذلك «خروج عن الطاعة والدولة».

وحسب الحسن السرات، فقد تسبب نشر المقال في أزمة حادة بين حزبي الاتحاد الاشتراكي والعدالة والتنمية، وزاد من حدة الخلاف رفض عبد الإله بنكيران، بعد أن تولى إدارة جريدة «التجديد»، أن ينشر أي مقال للزمزمي في الجريدة، مما دفع الأخير إلى الترشح مع حزب النهضة والفضيلة.

وفي حوار سابق للزمزمي مع قناة «الجزيرة» القطرية، قال ردا على من دعاه للابتعاد عن السياسة والعمل الحزبي: «إن المسجد لم يعد يؤدي وظيفته التي وضع من أجلها، ولذلك قررت منذ أشهر أن أتخلى عن العمل فيه، سواء كان البرلمان أو لم يكن، لقد قررت أن أخرج من المسجد الأصغر إلى المسجد الأكبر، فالأرض كلها مسجد كما قال النبي صلى الله عليه وسلم». داعيا في الوقت نفسه العلماء والدعاة إلى دخول البرلمان، لأنهم، حسب قوله، «أولى بذلك من غيرهم، وهم خير من ينوب عن السكان في مراقبة عمل الحكومة، وتصحيح ما يطرح في البرلمان من قوانين وتشريعات».

ولم يكتف الزمزمي بمواجهة الاشتراكيين، بل دخل في ملاسنات مع بعض قادة حزب العدالة والتنمية، إذ نعته بأنه «حزب النذالة والتنمية»، ووصف أخلاق بعض مسؤوليه وصفا يستحي المرء من ذكره، وهي التصريحات التي أدار لها حزب «المصباح» ظهره.

في مساء العاشر من فبراير 2016، توفي الفقيه المغربي عبد الباري الزمزمي، رئيس الجمعية المغربية للدراسات والبحوث في فقه النوازل، ومؤسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين، عن سن تناهز 73 عاما. مات الرجل في مصحة خصوصية بالدار البيضاء قبل أن يتقرر دفنه في مدينة طنجة، بالزاوية الصديقية، بعد أن صلى عليه مشيعوه صلاة العصر بمسجد الشريف حسنونة بطنجة، لأنه من مواليد هذه المدينة التي رأى فيها النور عام 1943، حيث نشأ في وسط صوفي داخل أسرة تعمل جميعها في المجال الدعوي، كما تلقى العلوم الشرعية في الفقه والحديث والتفسير من والده العالم محمد الزمزمي، قبل أن يشتهر بفتاويه المثيرة للجدل.

سعيد الزياني ينتفض ضد زواج الداخلية بالإعلام

شاءت الصدف أن يقضي سعيد الزياني، واسمه الحقيقي سعيد دحمان، طفولته بالقرب من مقر الإذاعة والتلفزيون، حيث كانت تقطن أسرته. هناك كان يلتقي بالمشاهير، قبل أن يتلقى دعوات المشاركة في برامج الأطفال، التي برزت فيها مواهبه من خلال مشاركاته في التمثيليات وأناشيد الأطفال، التي كانت تتسم بالبراءة وتجسد القيم والمواعظ.

في بداية الستينيات نسج الزياني أولى علاقاته مع التلفزيون، وتحول مع مرور الأيام إلى عنصر أساسي في كورال الأغاني الوطنية، التي كانت تميز تلك الفترة من تاريخ المغرب. شارك في مسابقة تلفزيونية للأصوات الناشئة، في برنامج كان يذاع على الهواء مباشرة اسمه «خميس الحظ»، حينها بدأت ملامح التألق تظهر في مجال الغناء، وعمره حينها لا يتجاوز الخامسة عشر ربيعا، ثم كانت له مشاركات في  برامج تلفزيونية أخرى، وهو طالب يتابع دراسته في الثانوية، إلى أن التحق كمحترف بالفرقة الوطنية للموسيقى، وأصبح يشارك أشهر المغنيين مثل عبد الوهاب الدكالي وعبد الحليم حافظ اللذين أصبحا في ما بعد من أعز أصدقائه، وفي الوقت نفسه كان يشارك فرقة التمثيل الوطنية بالإذاعة وأصبح يتقمص أدوارا رئيسية، لكنه كان يفضل إعداد وتقديم برامج إذاعية وتلفزيونية نالت نصيبا كبيرا من الشهرة، بالإضافة إلى تقديم النشرات الإخبارية في الإذاعة والتلفزيون، مع أنشطة أخرى في ميدان الإعلام، كالكتابة والتلحين والإخراج الإذاعي وغيرها.

قال سعيد الزياني في حوار سابق إن سؤالا من الصحافي المغربي بوشعيب الضبار قد جعله يعيد ترتيب أوراق حياته، «طُرح علي سؤال ذات يوم في صحيفة «الميثاق الوطني»، وكان السؤال هو هل أنا اسم على مسمى، أي هل أعيش السعادة في حياتي؟ كان جوابي: أنا سعيـ..دون دال، أي ينقصني حرف على استكمال السعادة، كان ذلك في سنة 1974، فقررت أن أستغل برامجي الإذاعية للبحث عن السعادة المفقودة، وخصصت لذلك حلقات جمعت فيها نظريات وآراء الكثير من المفكرين والأدباء والفلاسفة حول مفهوم السعادة».

في سنة 1981 التحق سعيد بإذاعة البحر الأبيض المتوسط الدولية (ميدي 1)، وأصبح نجمها المطلق، لكنه سرعان ما استقال وهاجر إلى هولندا، بعد أن أغضبت تصريحاته حول زواج الداخلية بالإعلام في منتصف الثمانينيات الوزير إدريس البصري، غضب منه رجال البصري وإدارة «ميدي 1»، حين أعلن توبته على الهواء من شاطئ طنجة، كان خلالها يتحدث عن الحرارة والحر وإيقاع الناس في الصيف، وأثناء بث الحلقة ألقى الميكروفون وانخرط في نوبة بكاء على المباشر وهو يتذكر حر جهنم، هذا الكلام قاله الشيخ بنفسه خلال أحد اللقاءات على تلفزيون قطر. خرج المذيع من المغرب ولم يعد إلى مقر عمله، قبل أن يصبح داعية، حيث استقر في قطر وحمل جنسيتها.

في الثامن من أكتوبر 2009، توفي الداعية الإسلامي سعيد الزياني، بعد ربع قرن من الدعوة، وذلك إثر تعرضه لحادث أليم على مشارف مدينة أبو ظبي، حيث كان عائدا من السعودية، وفي يوم الجمعة أقيمت صلاة الجنازة على جثمانه في مسجد الصحابة بالشارقة، غير بعيد عن منزله في منقطة الرمثاء.

 

أزمة سياسية مع السعودية بسبب بيان للتوحيد والإصلاح

حين كانت الحكومة المغربية في جلباب حزب العدالة والتنمية، خلقت حركة التوحيد والإصلاح حرجا لرئيسي الحكومة عبد الإله بنكيران وسعد الدين العثماني، بل ودعت ذراعها الدعوية إلى إجراء تعديلات على قانونها الأساسي أملا في وضع مسافة أمان مع العمل السياسي، الذي يجلب متاعب كثيرة والقطع مع محاولات استغلال الدين في الممارسة السياسية والانتخابية، سيما في ظل شراكة استراتيجية بين القطبين.

وفي هذا الصدد دعا «إخوان» عبد الرحيم الشيخي، إلى تبني تصور جديد يأخذ مسافة رسمية من حزب العدالة والتنمية، خصوصا بعدما فشل التعاقد في احتواء عدد من الأزمات التي مر منها «البيجيدي»، خاصة وأن مواقف الذراع الدعوية ساهمت في إحراج الحكومة وكادت أن تتسبب في أزمات خارجية للمغرب مع دول الخليج العربي، وبالتحديد السعودية.

وكانت النقطة التي أفاضت كأس الحرج، هي دعوة وجهتها حركة التوحيد والإصلاح إلى السلطات السعودية، تدعوها بشكل مباشر إلى إخلاء سبيل العلماء والدعاة والمفكرين المعتقلين في سجونها، وذلك في أول تعليق لهيئة مغربية على حملة الاعتقالات التي أطلقتها السعودية.

وقالت حركة التوحيد في بيانها الرسمي، عنونته بـ«بيان حول اعتقال علماء ودعاة في السعودية»، «ندعو السلطات السعودية للمبادرة الفورية إلى إخلاء سبيل العلماء والدعاة والمفكرين المعتقلين أخيرا، وكذا كافة دعاة الإصلاح السلميين، المعتقلين بسبب الرأي وإسداء النصح». كما دعت الجهات المختصة في السعودية إلى الكشف عن تهم وجرائم «هؤلاء المعتقلين المعروفين باعتدالهم ووسطيتهم وحكمتهم وسماحتهم، ولم تتم إحالة أي منهم على أي جهة قضائية مختصة».

 

الحسن الثاني يتدخل بعد تلميح بن الصديق لبطلان معاهدة الاتحاد العربي

دخل الحسن بن الصديق مبكرا مجال الوعظ والإرشاد، فقد كان خطيب الجمعة من سنة 1955 إلى 1989، كما ألقى دروسا في السيرة النبوية لعدة سنوات بزاوية والده، وفي مساجد مختلفة. شارك في برنامج «ركن المفتي» الذي كانت تبثه التلفزة المغربية لعدة سنوات، ولما تأسس المجلس العلمي الأول بطنجة تحت رئاسة العلامة عبد الله كنون عين عضوا فيه، واستمر فيه لعدة سنوات، قبل أن ينال رئاسته، كما حظي بالمشاركة في الدروس الحسنية، حيث ألقى بين يدي الملكين الحسن الثاني ومحمد السادس دروسا كان لها الصيت الذائع.

في يوم الاثنين 24 أبريل 1989، ألقى الشيخ الحسن بن الصديق درسا حسنيا في موضوع «الدين بين الاتباع والابتداع»، حيث تناول فيه بعض نماذج البدع المنهي عنها، ومن ضمنها العقود التي تبرم وقت صلاة الجمعة، مذكرا بقوله تعالى في سورة “الجمعة”: «يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة، فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع». قدم المحاضر تفاصيل أكثر حول الدرس، إذ قال معلقا: «فإذا تشاغل عنها مسلم ببيع، أو بأي شيء من الأشياء، كان ذلك العقد وذلك البيع باطلا ولاغيا ولا يترتب عليه أثره، وهكذا». حينها تدخل الملك غاضبا: «أتمم الآية يا فقيه»، فتلا الشيخ قوله تعالى: «فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله، واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون». فعاود الملك المقاطعة على غير عادته، منبها الشيخ إلى أنه مطالب بإتمام الدرس في غضون خمس دقائق فقط.

تابع الكثيرون هذا السجال عبر التلفزيون، إذ اعتبر الملك أن قصد الشيخ سياسي، وأنه يدعو إلى بطلان معاهدة اتحاد المغرب العربي التي أبرمت في 17 فبراير من السنة نفسها بمدينة مراكش، بالنظر إلى أن مراسيم التوقيع عليها تمت في وقت صلاة الجمعة التي تأخر قادة البلدان الخمسة عنها، على اعتبار أن الاتفاقية وقعت قبيل موعد صلاة الظهر بحوالي نصف ساعة.

ومن تداعيات هذا السجال الديني، منع الشيخ لاحقا من الإجابة عن استفسارات المواطنين في أمور دينهم خلال برنامج «ركن المفتي»، الذي كان يبث مساء كل جمعة على شاشة التلفزة المغربية. مما اضطره إلى قبول عرض الهجرة إلى الديار البلجيكية، قبل أن يصفح عنه الملك ويدعوه مجددا لإلقاء الدروس سنوات بعد ذلك.

بعد تقاعده ظلت وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية ترسله على رأس بعثات الوعظ، وحين استشعرت بالخطر القادم من بلجيكا، خاصة من حي مولمبيك، أرسلته في رحلة للدعوة والإرشاد بطلب من المغاربة المقيمين بها، واشتغل أستاذا في الفقه وأصوله والسيرة النبوية بالمعهد الإسلامي بالمركز.

غضب من موسى الصدر بسبب بيان ضد مغربية الصحراء بحبر جزائري

في شهر مارس سنة 1971 حضر الإمام موسى الصدر والوفد الشيعي المرافق له حفلة استقبال أقامها الملك الحسن الثاني، في القصر الملكي بمدينة فاس، بمناسبة عيد العرش، كما حضر مأدبة عشاء أقامها شقيق الملك في قصره تكريما له، وزار مع الوفد المرافق له جامعة القرويين بفاس، حيث ألقى محاضرة حول موضوع «تفسير القرآن»، نقل وزير الأوقاف للملك تقريرا حول المحاضرة، فاقترح الحسن الثاني دعوة موسى للمغرب كلما تعلق الأمر ببحث ديني.

آخر زيارة لموسى إلى المغرب تعود لسنة 1977، قبيل اختطافه ببضعة أشهر، كان الزعيم الشيعي اللبناني المختطف من قبل نظام معمر القذافي، قد حل بالمغرب كضيف، لكنه غادر فندق حسان بالرباط الذي كان يقيم فيه، قبل أن يعود في ساعة متأخرة من الليل ويقول مازحا: «كنت معتقلا عند معمر القذافي»، وكأنه يتنبأ بالمصير الذي ينتظره بعد أشهر. لقد كانت علاقات الحسن الثاني بموسى الصدر من الأمور التي دفعت النظام الإيراني الجديد بقيادة الخميني إلى معاداة المغرب، خاصة وأن موسى أقنع الملك بضرورة تسجيل الطلبة الشيعة في الجامعات المغربية على غرار الجزائر، لكن الحسن الثاني ظل يرفض مشاركة موسى في محاضرات جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، التي حاول من خلالها العقيد القذافي أن يستقطب لها مجموعة من رجال الدين.

روى الدكتور حسين يتيم، عضو المكتب السياسي لحركة «أمل» وأحد مؤسسي الحركة، علاقة الزعيم الشيعي بالملك الحسن الثاني وسر الخلاف بينهما: «كان الإمام الصدر قد عاد من الجزائر على رأس وفد يضم الشيخ محمد يعقوب، والصحافي عباس بدر الدين. فاجأني يومها بيان للوفد، يقول إن الصحراء لها صلة بالجزائر أكثر من المغرب. وأنا كقارئ تاريخ أعرف أن هذه المنطقة اسمها الصحراء المغربية. وأعرف أيضا أن الإمام الصدر كان على علاقة طيبة جدا بالعاهل المغربي الملك الحسن الثاني، وعلى علاقة وطيدة بسفير المغرب في لبنان أحمد بن سودة، حتى أنه توسط لي ذات يوم مع بن سودة الذي نقل إلى الديوان الملكي المغربي، لإدخال نجلي أحمد إلى إحدى الجامعات المغربية. وأذكر أنني دخلت يومها إلى القصر الملكي في الرباط، واستقبلني بن سودة أنا ونجلي بالترحاب، بناء على وساطة الإمام الصدر، وأمسك بسماعة الهاتف واتصل بعميد كلية الطب قائلا: «يا عبد الرزاق.. أحمد يتيم يدخل كلية الطب حالا. وهكذا كان. ولذلك كله استغربت مضمون البيان المذكور آنفا».

بعد عودة الإمام من الجزائر قرر السفر إلى ليبيا، بناء على دعوة من القذافي لحضور احتفالات الفاتح من شتنبر، لكن بوساطة من بومدين، وأكد الرائد عبد المنعم الهوني، عضو مجلس قيادة الثورة الليبية السابق، شريك العقيد معمر القذافي في حركة «الفاتح»، في مقابلة مع صحيفة «الحياة» أن الإمام موسى الصدر «قتل خلال زيارته الشهيرة إلى ليبيا العام 1978، ودفن في منطقة سبها في جنوب البلاد، والمقدم الطيار نجم الدين اليازجي الذي كان يتولى قيادة طائرة القذافي الخاصة، هو من تكلف بنقل جثة الإمام الصدر لدفنها في منطقة سبها. وتعرض اليازجي بدوره للتصفية على أيدي الأجهزة الليبية، لمنع تسرب قصة مقتل الصدر».

حين اقتحم شيخ الإسلام معترك السياسة 

كان شيخ الإسلام، محمد بلعربي العلوي، زاهدا في حياته، على الرغم من ميوله السياسية، وحين حصل على أعلى الشهادات من القرويين، ظل يصر على وضع ما علمه الأسلاف للخلف، مؤمنا بالقيم الإنسانية الأكثر نبلا.

عاش الرجل في كنف التصوف، فعينه السلطان مولاي حفيظ مدرسا لأبنائه، وحين أبعدته السلطات الفرنسية عن العرش، وشد الرحال إلى مدينة طنجة التي كانت تحت الوصاية الدولية، لم يتخل عنه محمد بلعربي وأصر على أن يكمل رسالته كمدرس لأبناء سلطان مخلوع، في موقف إنساني قل نظيره.

تخرج محمد بن العربي العلوي من القرويين، وشغل مناصب عالية في القضاء، قبل أن يعين وزيرا للعدل سنة 1938، بموازاة مع عمله كأستاذ ومربي لأبناء الأسرة الملكية منذ العهد الحفيظي. لكن الإقامة الفرنسية ظلت تعلن قلقها من تحركات رائد السلفية بالمغرب.

استقال من منصبه السياسي بعد نفي محمد الخامس، وظل إلى جوار الحسن الثاني في بدايات حكمه، ويروي رفاق شيخ الإسلام أن هذا الأخير استغرب لما اقترحت عليه الدولة معاشا بلا عمل، فبادر سنة 1962 إلى الاستقالة من منصب وزير الدولة، بعد أن عايش أربعة سلاطين علويين وهم: مولاي عبد الحفيظ العلوي ومولاي يوسف العلوي، ومحمد الخامس، ثم الحسن الثاني.

ومن مواقفه الجريئة الأخرى، وما أكثرها، افتاؤه بوجوب قتل محمد بن عرفة الذي حاولت فرنسا فرضه سلطانا على المغرب، بعد نفيها لملك البلاد محمد الخامس سنة 1953، تطبيقا للحديث الشريف: «إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الآخر منهما»، ورفض التوقيع على بيعة محمد بن عرفة سلطانا على المغرب، ومن مظاهر وفائه وحبه وإخلاصه لمحمد الخامس، معارضته لتأسيس «مجلس حفظة العرش»، بعد انسحاب بن عرفة.

على المستوى السياسي لعب شيخ الإسلام دور الوساطة عندما انقسمت الحركة الوطنية بين حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال، بعد رجوع الزعيمين علال الفاسي ومحمد بن الحسن الوزاني من منفاهما، لكن الوساطة لم تكلل بالنجاح.

غضب القصر من شيخ الإسلام حين استقال من منصبه كمستشار للملك، مباشرة بعد اعتقال بعض قادة المقاومة وجيش التحرير، من بينهم محمد بن سعيد أيت إيدر، وعبد الرحمن اليوسفي ومحمد البصري وغيرهم.

كما ساند شيخ الإسلام الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في مقاطعته للدستور، بل وحضر تجمهرا خطابيا لعبد الرحيم بوعبيد يدعو فيه إلى مقاطعة الدستور وكان بجانبه، ثم ترأس المؤتمر الثاني للحزب، كما أنه ساند التصويت بـ«لا» في الاستفتاء على الدستور، بل واعترض على نصه، وبالتالي اصطف إلى جانب اليسار وانضم إلى المهدي بن بركة وعبد الرحيم بوعبيد، مساندا الاتحاد الوطني للقوات الشعبية.

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى