شوف تشوف

الرأيالرئيسية

عود على بدء..

 

يونس جنوحي

 

لماذا لا يحاول بعض المسؤولين المحليين الاستفادة من التجارب السابقة في الأوبئة، التي عرفها المغرب خلال القرن الماضي؟

هناك تخوف كبير هذه الأيام في أوساط المغاربة والأجانب أيضا، بعد انتشار أخبار تفيد بتخفيف الإجراءات ونهاية موجة «أوميكرون»، التي أربكت العالم وأدخلت الناس في دوامة من التوقعات.

سوف يموت كورونا ويصبح مجرد إنفلونزا عادية، لكن هل سوف تموت إجراءات وتعقيدات السفر إلى وجهات العالم؟ هناك تخوف في أوساط العلماء من أن تتكرر المأساة. المصابون اليوم بـ«كورونا» حول العالم، يكتفون بمشاهدة التلفزيون والالتزام ببروتوكول صحي، ويعودون بعده إلى الحياة وكأن شيئا لم يقع. لكن في الوقت نفسه من السنة الماضية كانت الإصابة بالأعراض ذاتها والدرجة نفسها، تعني التأرجح بين الموت والحياة.

ضحايا الوباء لم يلجوا إلى المصحات أو المستشفيات بالضرورة، بل منهم من لم يُصب بـ«كورونا» نهائيا. الوباء أصاب مشاريع تتعلق بالاستثمار في السياحة والخدمات. هناك من خسر أحباء بسبب المتحور «أوميكرون»، وخسر أيضا مشروعه الخاص، وانقلبت حياته الأسرية رأسا على عقب.

مع بداية القرن الماضي، أي قبل 122 سنة من اليوم، عاش الناس في المغرب تجربة فريدة للخروج من تداعيات الوباء. في المدن التي لديها أنشطة تجارية بحرية، مثل الجديدة وسلا والدار البيضاء وطنجة والناظور، كان «المخزن» يفرض قيودا على السكان بعدم مغادرة منازلهم لأسبوعين. أغلقت الفنادق التي كان يقطن فيها التجار الأوروبيون، واضطر المقيمون الأجانب في المغرب من مختلف الجنسيات إلى مغادرة البلد خفية، حيث كانوا يدفعون المال لأرباب السفن المحلية، لكي يوصلوهم إلى السواحل البريطانية والفرنسية، ظنا منهم أن المرض سوف يقتلهم بين المغاربة.

لكن بمجرد ما أن تنتهي موجة الوباء، والتي غالبا ما واجهها أجدادنا بالدعاء وطبخ الأعشاب في مياه النهر، حتى تبدأ الحياة في العودة إلى طبيعتها تدريجيا.

كانت أحوال الناس فعلا تتغير حسب انتشار الأمراض، لكن لم تسجل أبدا فترة حجر طويلة مثل التي عشناها، خلال السنتين الأخيرتين.

أحد المقيمين الأمريكيين في المغرب، اسمه «هاوود هاردي»، كان يعيش متجولا بين نواحي تطوان وأصيلة، حيث قام برحلة في المغرب مدتها خمس سنوات كاملة، انتقل خلالها بين فاس والدار البيضاء وتطوان وأصيلة. كتب سنة 1902 يقول: «رأيت الناس يتساقطون تباعا على طول الطريق إلى فاس، بسبب وباء الطاعون. كنت أضع منديلا من الثوب الأبيض فوق فمي وأنفي، لكي لا تخنقني الرائحة. وعندما وصلت إلى فاس، توجهت إلى منزل صديق بريطاني يعمل ممثلا لصالح الهيئة الدبلوماسية البريطانية في المدينة، وعندما استقبلني لساعتين، انتبهت إلى أن زوجته غائبة ولم تتناول معنا العشاء. ولاحقا فقط أخبرني أن زوجته مصابة أيضا بالوباء، وتعزل نفسها في غرفة بالطابق العلوي للمنزل التقليدي. وبعد يومين علمتُ أنها ماتت بسبب الحمى.

عندما رأيت كيف أن الموت لا يختار المغاربة فقط، أدركت أنني قد أموت أيضا بسبب الوباء القاتل، رغم أنني أحرص على النظافة الشخصية، ولا أشرب أبدا الماء دون أن يُغلى مسبقا.

عندما غادرت فاس في اتجاه تطوان، رأيت كيف أن الفلاحين بدؤوا يعودون إلى ممارسة الحياة الطبيعية من جديد. بعضهم كانوا يبيعون الخضر والمواشي على قارعة الطريق إلى المسافرين. كنت الأجنبي الوحيد بينهم، وكنت أخفي ملامحي بغطاء على الرأس.

ومرة سمعت بعض الفلاحين يحمدون الله، كما أخبرني مرافقي الذي ترجم لي كلامهم، لأنه أنقذهم من الوباء، رغم أن رجلين أجنبيين ماتا في المدنية بسبب العدوى. وكانوا مقتنعين جدا بالفكرة، ودليلهم أنه لا وجود أبدا للأجانب. بينما كنت أنا أعتقد أنني محظوظ لأني أجنبي، قبل أن أعرف أن الأوروبيين يموتون أيضا بسبب الوباء».

لقد كان مضحكا كيف أن الأجانب كانوا يعتقدون دائما أن الأوبئة والأزمات سوف تستثنيهم. ولقد رأينا في فترة الإغلاق الشامل، مع بداية انتشار كورونا حول العالم، قبل عامين، كيف أن بعض الأمريكيين، من أوساط يمينية متدينة، كانوا متأكدين أن الكنيسة سوف تُنجيهم من الوباء. النتيجة واحدة، أصيب الناس من كل الديانات والمعتقدات. والآن حان وقت جبر الضرر، والوقوف من جديد للعودة إلى الحياة الطبيعية.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى