شوف تشوف

الرأيالرئيسية

واشنطن والشرق الأوسط

 

 

محمد قواص

 

 

أما وأن الولايات المتحدة ما برحت تردد منذ عهد أوباما أنها بصدد «مغادرة» الشرق الأوسط، فإن أزمة أوكرانيا كشفت ولأول مرة على نحو صارخ، أن دول المنطقة أخذت علما، وتنحو بدورها إلى «مغادرة» الولايات المتحدة.

واللافت أن هذا التحول انسحب على إسرائيل المفترض أن واشنطن هي حليفها التاريخي الاستراتيجي الأول، حيث إن موقف وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لبيد، جاء على استحياء مدينا للحرب الروسية في أوكرانيا، فيما تدعو منابر أخرى إلى التمسك بالحياد في هذا الصراع، وهو أمر لا تراه واشنطن بعيون راضية.

الواقعة تعكس تباعدا في الكيمياء، ما بين حكومة ما بعد بنيامين نتنياهو، وإدارة ما بعد ترامب. تكشف أيضا، وربما على نحو غير مسبوق تباين الرؤى حول الأمن الاستراتيجي لإسرائيل. ولئن دافعت واشنطن في عهد أوباما عن الاتفاق النووي مع إيران عام 2015، بصفته حاميا لأمن إسرائيل من سلاح نووي قد يطل من طهران، فإن سعي بايدن للعودة إلى الاتفاق بعد «بشارة» ترامب بالخروج منه، أثار الخلاف بين البلدين، لكن أيضا أماط اللثام عن مضي واشنطن في انتهاج خيارات بشأن أمن إسرائيل، حتى لو كانت نقيض الخيارات التي تسعى الأخيرة إليها.

وجدير تذكر تقدم العلاقات الإسرائيلية الروسية في عهد نتنياهو، بحيث فاق عدد زياراته إلى موسكو تلك التي أجراها لواشنطن. وجدير تذكر أن تدخل الرئيس الروسي العسكري في سوريا تم التفاهم بشأنه مع إسرائيل، قبل أن يتم تنسيق ذلك التدخل مع أوباما في نيويورك.

باتت روسيا رقما صعبا في السياستين الداخلية والخارجية لإسرائيل. يصل عدد الإسرائيليين الناطقين بالروسية إلى حوالي مليون نسمة، يشكلون لوبيا روسيا داخل إسرائيل، كما يشكلون قوة ديموغرافية لها نفوذها داخل أروقة القرار بروسيا. ثم إن قواعد الأمن الإسرائيلي المتعلق بمقاربة «الأخطار» في سوريا ترتبط على نحو حيوي وحتمي بالاتفاق مع موسكو. وما التوتر الذي سُجل أخيرا، سواء في الدوريات الجوية الروسية السورية فوق الجولان، أو في السجال الروسي الإسرائيلي الأخير حول الموقف في أوكرانيا، إلا مثال على دقة وخطورة المس بالعلاقة بين البلدين، وتداعيات ذلك المباشرة على الجبهة الشمالية لإسرائيل.

ولوحظ على نحو واضح تحول الموقف العربي بشأن الحدث الأوكراني باتجاه منطقة حيادية، بما يعبر عن توق المنطقة العربية إلى النأي بنفسها عن صراع لا مصلحة لها بالانخراط فيه. وما امتناع الإمارات العربية عن التصويت في مجلس الأمن بشأن مشروع قرار أمريكي ألباني حول أزمة أوكرانيا، إلا تعبير مباشر، من على منبر أعلى مؤسسة أممية، عن مصالح الدول العربية في عدم الانحياز في نزاع يتصارع داخله الحلفاء والشركاء.

غير أن ذلك النأي بالنفس يعبر في الوقت عينه عن تغير في أجندات المنطقة، بحيث بات لروسيا (والصين) موقع في الشرق الأوسط، وجب أخذه بعين الاعتبار، بعدما كان نفوذ الولايات المتحدة ومصالحها هي الغالبة بالمنطقة، منذ انهيار الاتحاد السوفياتي. ولا ريب أن للإدارة الديمقراطية الحالية دور إضافي في إسباغ أجواء سوء التفاهم في قراءة علاقة واشنطن بدول المنطقة، والتي بدت غريبة وبعيدة عن طبيعة العلاقات الاستراتيجية التاريخية، سيما بين دول المجموعة الخليجية ومصر من جهة، والإدارات الحاكمة بالبيت الأبيض.

والحال أن مباشرة تركيا فتح علاقات جديدة واعدة مع القاهرة وعواصم الخليج، كما التطور الذي طرأ على علاقات أنقرة مع إسرائيل لا يمكن قراءتهما، إلا وفق تمرين لبناء شبكة علاقات تأخذ بعين الاعتبار المشترك في مصالح دول المنطقة، كما المشترك في حال علاقاتها مع الولايات المتحدة، سواء في التمسك باستراتيجيتها وتاريخيتها من جهة، كما في ظهور واجهات مختلفة من سوء الفهم في مقاربة واشنطن لأولويات دول المنطقة ومصالحها. لكن بالمقابل فإن لتركيا حسابات أيضا مع روسيا، تجعل من الحدث مناسبة لاستعادة «أطلسية» ترنحت، في السنوات الأخيرة. ويظهر ذلك في إدانة أنقرة للحرب الروسية في أوكرانيا، وتزويدها كييف بمسيرات «بيرقدار»، أو في إمساك تركيا بمفاتيح مضيق البوسفور والدردنيل، والتلويح بإعادة قراءة اتفاقية مونترو بشأن المضائق.

ولئن يدور الخلاف الإسرائيلي مع الولايات المتحدة حول جدارة أي اتفاق نووي مع إيران في توفير أمن إسرائيل، فإن المنطقة العربية، وفي مقدمها المجموعة الخليجية، تنظر بعين القلق إلى نزوع أعمال «فيينا» إلى معالجة التقنيات التي من شأنها ضبط البرنامج النووي وإعادته إلى «الصندوق»، دون أن تشارك دول المنطقة في صياغة الاتفاق العتيد، ناهيك عن أن فريق روبرت مالي، الذي يمثل الولايات المتحدة في مفاوضات العاصمة النمساوية، لا يدرج، وبناء على رفض إيراني، برنامج إيران للصواريخ الباليستية وأنشطتها المزعزعة للاستقرار داخل ملفات التفاوض.

باتت المنطقة في حِل من التزاماتها الآلية في أن تكون طرفا في صراع الكبار. بادرت واشنطن إلى طرق أبواب الخليج تحريا لمصادر بديلة للطاقة لأوروبا. ردت العواصم بأنها ملتزمة بعقود وعهود واتفاقات تمنعها من تحويل إنتاجها وصادراتها لأسباب لوجيستية تقنية نعم، لكن أيضا لأسباب تتعلق بمصالح المنطقة مع دول كبرى، مثل روسيا والصين كما مع الولايات المتحدة.

 

نافذة:

للإدارة الديمقراطية الحالية دور في إسباغ أجواء سوء التفاهم في قراءة علاقة واشنطن بالمنطقة والتي بدت غريبة وبعيدة عن طبيعة العلاقات الاستراتيجية

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى