شوف تشوف

الرأيالرئيسية

لو طال الجفاف

 

مقالات ذات صلة

 

عبد الرزاق الحجوي

 

من بين توقعات إحدى الدراسات التي عرضتها، قبل سنوات، قناة «ناشيونال جيوغرافيك» الأمريكية، عن شكل العالم في ظل التغير المناخي، توقع يقول إن التصحر سيغطي كامل شمال إفريقيا وجنوب أوروبا، كما تحدثت هذه الدراسة عن نزول الثلج والأمطار بمناطق بعينها لم تر ذلك من قبل، وهو ما حدث بعد ذلك كنزول الثلج غير المسبوق في مصر والخليج، مما يمنح لهذه الدراسة الصادرة عن وكالة «ناسا» درجة من المصداقية. في ظل مثل هذا السياق، المعزز بتجربة الجفاف المريرة التي عرفها المغرب سابقا، سيعتبر احتمال تعرض المنطقة التي نعيش بها إلى موجة جفاف طويلة أمرا واردا، وهو ما يطرح أسئلة ملحة عن شكل البادية المغربية، وشكل حياة سكانها الذين ما زال يعاني جزء كبير منهم من الهشاشة ومن صعوبة التوفر على الخدمات العمومية، ذلك أن برامج دعم وتطوير الفلاحة مهما بلغت فوائدها على الفلاح العصري وعلى الصادرات، فإن قلبها لوضعية الفلاح الصغير والمربي التقليدي للمواشي، ولحياة أسر العاملين والعاملات بالضيعات الفلاحية هو أمر جد نسبي؛ فقد عرض موقع إلكتروني، قبيل سنوات، فيديو تحدثت فيه عاملات حقول البطاطس بمنطقة الحاجب عن مرارة معاناتهن اليومية بعد انتهاء موسم جني البطاطس، واعتبرن دوام قسوة العمل الذي كان من تخصص الذكور أرحم لهن من قسوة الجلوس بالبيت دون أي مورد رزق. هذا الموقع استبدل عمق الموضوع بحجبه لهذا الفيديو، ليعوضه بفيديو تحدث فيه أرباب تلك الضيعات الكبيرة عن فوائد هذا النشاط الفلاحي الاجتماعية والاقتصادية! وهو ما لن ينكره عاقل، لكن الظن بأن ثمار تنمية وتطوير الفلاحة ستنهض بوضعية العامل المياوم وبحياة أسرته، وستنهض بوضعية الفلاح الصغير هو ظن يحتاج إلى تمحيص، فهاتان الفئتان الأخيرتان تشكلان سواد البادية الأعظم وتعانيان من ضعف الحال دون جفاف، أما معه فالأمر صعب حتى تصوره، بالأحرى عيشه ومعايشته.

وفي سياق موضوع العالم القروي، رغم أن موضوع الجفاف الذي لو طال أمده فإنه سيضر بالمدن كثيرا، وسيتسبب في موجات هجرة للبحث عن لقمة العيش بشكل أكبر بكثير مما هو واقع اليوم، كما أن كلفة توفير مياه الشرب والكهرباء والأمن ستتعرض لارتفاعات صاروخية لا قبل للمالية العامة، في ظل محدودية الموارد، بتحملها على المدى الطويل. حيث سيتعرض عصب التوازنات القائم عليها استقرار البلد لتهديد عالي الخطورة، مما يفرض القيام بخيارات ثورية في التخطيط للمستقبل، وفعل كل ما يمكن فعله حاليا، من أجل تفادي الوقوع غدا في دوامة بهذه القوة والبأس.

وحتى مع موجة انبعاث المجتمع المدني، فإن التحسن النسبي يبقى أمرا، وتفكيك بنيوية الهشاشة المتجذرة هو أمر ثان، فجل برامج الدعم الكبرى وليست الظرفية، لا يمتلك الإمكانات للنجاح بفضلها إلا القلة. كما أن تغطية المساحات الشاسعة ومنخفضة الكثافة بالخدمات العمومية الكافية أمر غير متاح إلا للدول الغنية، والتي رغم كل ذلك تواصل بها انخفاض نسبة الكثافة السكانية داخل العالم القروي أكثر من غيرها من باقي دول العالم؛ في اتجاه تفرضه طبيعة العصر التي يصعب كثيرا السعي إلى معاكستها.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى