شوف تشوف

الرئيسية

فاطمة الشاوي.. مدرسة العلوم الطبيعية التي صنعت «خلطة» الأموي النقابي والسياسي

ولد نوبير الأموي في 21 نونبر سنة 1936 بقبيلة أولاد مراح في عمق قبائل الشاوية، وكان والده حمان فلاحا بسيطا في المنطقة، يقتات من جود فرنسيين استوطنوا القبيلة، وأسبغوا عليها مسميات «مفرنسة». فالدوار الذي نشأ فيه كان يحمل اسم «ميلكَو» ليتبين أنه يعني «ألف ذوق» نسبة لرافد من روافد نهر أم الربيع الذي كان يمر بالقرب من الدوار.
ولأن نوبير عاش في كنف والديه عيشة محافظة، فقد كان من الصعب على الوالد لشهب بن حمان الزيراوي تقبل انتقال ابنه من البادية إلى المدينة، التي ارتبطت في ذهن الأب بالتربية المتطرفة، لكنه لم يكن يعلم أن انتقاله إلى الرباط، حيث دخل مدرسة المعلمين، سيغير مجرى حياته رأسا على عقب.
تخرج نوبير معلما مع بداية عهد الاستقلال، وكان من الرعيل الأول لهيئة التدريس المغاربة، لذا لم يكن تعيينه يتجاوز محيط العاصمة الإدارية للمملكة. وخلال اشتغاله في العاصمة الرباط تعرف على شريكة حياته فاطمة بنعلي الشاوي، التي لم تقاسمه مهنة التعليم فقط، بل الأصول القبلية لامتدادات في عمق الشاوية أيضا. ولم تمض على تعارفهما سوى بضعة أشهر حتى قررا الدخول طوعا القفص الذهبي في عطلة صيف سنة 1961، لتصبح في ما بعد مدرسة علوم طبيعية.
في مدرسة المعلمين تعرف الأموي على فاطمة التي أعجبت به، سيما بأسلوبه الخطابي وقدرته على الإقناع وعفويته في التعامل مع محيطه. وحين بدأ مساره كمعلم أشرف على تدريس مجموعة من الأطر التي حاربته بعد أن اشتد عودها، كما كان عبد الإله بنكيران، رئيس الحكومة الحالي، تلميذا له.
وبعد سنوات قليلة دخل الأموي مدرسة المفتشين في الرباط، وتلقى أولى دروس التكوين على يد عبد السلام ياسين، المرشد الروحي لجماعة العدل والإحسان، قبل أن يتخرج مفتشا. وبعد انخراطه في العمل النقابي عقب إنشاء الكونفدرالية الديمقراطية للشغل، نال التفرغ وانتهت علاقته بالتعليم، رغم أنه ترأس لفترة قصيرة جمعية آباء تلاميذ مدرسة لقبيبات بالرباط، لكن تفرغه النقابي لم يمنحه فرصة التفرغ لأسرته الصغيرة التي عهد لفاطمة بالإشراف الكلي عليها، إيمانا منها بالالتزامات السياسية والنقابية لزوجها.
ساهمت فاطمة في بناء شخصية نوبير الأموي، وتقاسمت معه الحلو والمر، خاصة خلال سنوات النضال الأولى، حين كان مطاردا من طرف البوليس السياسي، ما اضطرها إلى التعرف على طقوس «زيارة السجين» ورحلة الشتاء والصيف وهي تحمل القفة إلى مخافر الشرطة، كما خاضت معه معارك «مسطرية» كبرى ضد ضباط الحالة المدنية، حين أصر نوبير على استبدال اسمه العائلي «مية» نسبة لولي صالح غير بعيد عن الدوار، يدعى «سيدي مية»، إذ اعتبر الرجل الاسم مشبعا بحمولة «الأمية» فسارع من أجل تغيير لقب العائلة «مية» بـ«الأموي»، كما خاضت فاطمة معارك مماثلة مع وزارة الداخلية كلما رزقت بمولود بعد إصرار نوبير على إطلاق اسم «غيفارا» على أحد أبنائه، إلا أنها حرصت على الاهتمام بتربية أبنائها (معاوية والمهدي ومحمد) ثم (سناء)، وجعلهم في مأمن من عاديات الزمن. بالمقابل تقاسمت فاطمة الشاوي مع زوجها عشق سماع أغاني أم كلثوم.
تقاسم نوبير مع فاطمة الداء والدواء، فقد ترددا سويا على المصحات بعد أن نال منهما المرض، إذ ظل الكاتب العام للكونفدرالية الديمقراطية للشغل يعاني من أزمات صحية حتمت عليه في كثير من الأحيان الانتقال إلى أحد المستشفيات بباريس لتلقي العلاج، كلما ازدادت مضاعفات مرض الربو الممزوج بالضغط الدموي.
قدر فاطمة أن تلقى ربها في 12 مارس الماضي في إحدى غرف العناية المركزة بمصحة خاصة في الدار البيضاء، وشيع جثمانها في محفل جنائزي مهيب بمقبرة الشهداء بالدار البيضاء. استعصت الكلمات على نوبير وهو يحاول تأبينها فنابت عنه الدموع وبدا منهارا وهو يودع رفيقة دربه وأم أولاده في المقبرة، إلى جانب فعاليات سياسية ونقابية. واكتفى أثناء عملية الدفن، بالقول إن «المغرب فقد أحد الوجوه السياسية المناضلة التي تسعى إلى تكريس الديمقراطية بالمغرب»، وهو ما يكشف حقيقة امرأة اختارت النضال خلف الستائر النقابية، وراكمت تجربة كبيرة في حياتها وهي تحاول التوفيق بين النضال السياسي والنضال التربوي في الفصل الدراسي وفي البيت.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى