الرئيسيةبانوراما

فوضى الشقق والفيلات المفروشة بالشمال

ارتفاع صاروخي في الأثمان وضياع الملايين على خزينة الدولة واستغلال سياسي

تطوان: حسن الخضراوي
بمنطقة الساحل الشمالي، يملك رجال أعمال وغيرهم من لوبيات تبييض الأموال والاتجار الدولي في المخدرات ولوبيات العقار، العديد من الفيلات الفاخرة والشقق المفروشة المعدة للكراء خلال فصل الصيف، بأثمان خيالية يزيد ارتفاعها كلما ارتفع الطلب، وحسب درجة ونوع كل زبون. لكن المثير الذي اكتشفته «الأخبار» خلال جولتها لإنجاز تقرير مفصل في الموضوع، هو فوضى كراء الشقق المفروشة بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، إذ إن مداخيل هذا القطاع غير المهيكل تنتهي في جيوب الملاك، دون تأدية درهم واحد لفائدة خزينة الجماعات المعنية.

هناك فيلات فاخرة بمنطقة مكاد بواد لو والشريط الساحلي، الذي يمر بالمضيق والفنيدق ومرتيل وتطوان ويتجه إلى الحسيمة، يتم كراؤها بمبالغ تتراوح ما بين 2000 و3000 درهم لليوم الواحد، خارج أي عقود قانونية تحمي المستهلك، ودون لقاء المالك الأصلي، حيث يتكلف سماسرة بالعملية التي تتم في السوق السوداء، ولا يحصل الزبون على أي وثيقة قانونية يمكنها أن تحميه من تبعات مشاكل محتملة، أو حدوث ما يستدعي تدخل السلطات الأمنية والقضائية.

وعلى الرغم من تدخل مصالح وزارة الداخلية، وفق الاختصاصات المخولة لها طبقا للقانون، من أجل تنظيم المجال ووضع دفاتر تحملات تنظم القطاع، إلا أن العديد من السياسيين والمستفيدين من هذا الوضع يشكلون جبهة لعرقلة القرار المذكور، سيما في ظل قرب محطة الانتخابات البرلمانية والجماعية المقبلة، وخوف الأحزاب وتوجسها من فقدان قواعد انتخابية مهمة، في حال تم إلزام ملاك عقارات ضخمة وفيلات وشقق مفروشة للكراء الصيفي (بعضهم يسجل أملاكه في أسماء أفراد عائلته أو أبنائه أو الزوجة)، بدفع الضرائب والرسوم لصالح خزينة الدولة.

وحسب مصادر مطلعة فإن فوضى كراء الشقق والفيلات المفروشة بالساحل الشمالي، تدخل في نطاق القطاعات غير المهيكلة، وقد بادرت مصالح وزارة الداخلية إلى تكثيف الإجراءات القانونية من أجل تنظيم المجال وفق معايير صارمة، وضمان حماية حقوق المستهلك، وتشجيع السياحة الداخلية والخارجية، واستفادة الجماعات الترابية من مداخيل مهمة، يتم ضياعها بسبب حسابات سياسية واستغلال التسيير انتخابيا.

واستنادا إلى المصادر نفسها فإن حزب العدالة والتنمية بالمضيق يناور من أجل عدم تنظيم مجال قطاع كراء الفيلات والشقق المفروشة، لما في ذلك من تضرر لمصالحه الانتخابية، لكن مصالح وزارة الداخلية والسلطات الإقليمية تدفع بقوة في اتجاه تنظيم القطاع بقوة القانون، وضمان مداخيل لخزينة الدولة، والتخفيف من تبعات تراكم وارتفاع أرقام الباقي استخلاصه.

فوضى القطاع
يعيش قطاع كراء الفيلات والشقق المفروشة بالشمال فوضى عارمة ومشاكل لا يمكن حصرها، نتيجة العشوائية في تحديد الأثمان، وغياب حماية حقوق السائح المستهلك، واستفحال المضاربات والسمسرة غير القانونية، واستغلال ارتفاع الطلب للرفع من الأثمان التي تصل إلى أرقام خيالية، وسط إكراهات غياب المراقبة، والتهرب من أداء الضرائب ومستحقات الدولة، ووقوف اللوبيات المستفيدة في وجه كل محاولة لتنظيم وهيكلة القطاع.

وقال (س. ا)، المستشار الجماعي بإقليم المضيق، إن ما قامت به مصالح وزارة الداخلية من اقتراح دفاتر تحملات تنظم المجال، وطرح الملف لإدراجه كنقطة بدورات المجالس الجماعية، فيه منافع كثيرة للمستهلك والمستثمر في المجال وكذا خزينة الدولة، حيث تتم حماية المستهلك من الاستغلال وأداء أثمنة كراء في السوق السوداء، دون الحصول على عقود قانونية ولا فواتير تضمن الأداء.

وأضاف المتحدث نفسه أن كراء شقق فاخرة وفيلات مفروشة خارج القوانين المعمول بها، يعرض المستهلك لخطر مشاكل معقدة وغياب الحماية القانونية، وقد حدث ذلك عند ضبط رزم مخدرات بفيلا بالفنيدق، حيث حاولت مالكتها التنصل من مسؤوليتها، لكن في غياب إثبات قانوني تم اعتقالها وإيداعها السجن المحلي الصومال، وعرضها على قاضي التحقيق بابتدائية تطوان، للبحث في حيثيات الملف واتخاذ المتعين طبقا للمساطر القانونية المعمول بها في المجال.

وأشار المتحدث ذاته إلى أن سير الدولة في اتجاه هيكلة قطاعات تشهد فوضى عارمة بالشمال، من الطبيعي أن تواجهه عراقيل تصنعها لوبيات تتحكم في القطاع المربح، وترفض أداء الضرائب الضرورية لفائدة خزينة الدولة، لذلك تحاول جهات سياسية تعطيل المصادقة على دفاتر تحملات تنظم القطاع المذكور، عوض العمل على الدفع في اتجاه الهيكلة والتنظيم، ودعم سياسة الهيكلة بصفة عامة، وتنزيل التعليمات الملكية السامية المرتبطة بتسريع تعافي الاقتصاد وتجاوز تبعات إجراءات الحجر الصحي، وقانون الطوارىء الصحية للحماية من انتشار جائحة «كوفيد- 19».

وذكر مصدر مطلع أن مصالح وزارة الداخلية بالشمال، مطالبة بالتركيز أكثر من أي وقت سابق على إحداث مصالح خاصة بالاستماع لشكايات الزيادات العشوائية في الأسعار خلال العطلة الصيفية، وتخصيص أرقام هاتفية تتفاعل مع الشكايات وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، وتعتمد الصرامة في ردع المخالفين، وتقديم من يصر على الفوضى إلى العدالة لتقول كلمتها الفصل في القضايا، كمخول وحيد لذلك.

المشاكل الأمنية في الواجهة
تتسبب فوضى قطاع كراء الفيلات والشقق المفروشة بالشمال في مشاكل أمنية متعددة، منها صعوبة ضبط هويات الأشخاص الذين يكترون شققا وفيلات لقضاء عطلة الصيف، وخطر تحويل المحلات المكتراة إلى مقرات لأعمال إجرامية مثل تهريب المخدرات وتخزينها وممارسة الدعارة الراقية، وفرار مطلوبين للعدالة من أعين الأمن، وكذا مشاكل أخرى من السهل التغلب عليها إذا توفرت عوامل التنظيم والإدلاء بالوثائق القانونية، كما هو الشأن بالنسبة إلى الفنادق الفخمة.

وكشف سمسار يعمل بواد لو في كراء فيلات فاخرة، رفض ذكر اسمه لأسباب شخصية، أنه مكلف بكراء فيلا فخمة بمنطقة مكاد، حيث يطلب من الزبون أداء 2500 درهم عن كل يوم في العطلة الصيفية، ويقوم بإطلاع الزبون على صور الفيلا فقط دون سماحه بدخولها، حتى يدفع عربونا أوليا لا يحق له المطالبة باسترجاعه.

وأضاف المتحدث نفسه أنه يطلب قبض المبالغ المالية المخصصة للمدة الزمنية التي يحددها الزبون، ولا يمنح الأخير أي وثيقة كراء أو وصل أداء، سوى عامل الثقة الذي يكون من جهة واحدة، بحيث إن السمسار نفسه لا يعرف المالك الحقيقي للفيلا، وتتم بعض عمليات الكراء خارج أي أثر قانوني يذكر.

وذكر (ج. ا)، فاعل حقوقي بواد لو، أن كراء فيلات وشقق فاخرة خلال فصل الصيف لا تستفيد منه خزينة الجماعة التي تعاني ميزانيتها مع تراكم الديون، وغياب تنفيذ مشاريع تنموية، وهو الشيء الذي يتطلب القطع مع فوضى المجال في أقرب وقت ممكن، لأن هيكلة القطاع السياحي لا تتم بمعزل عن هيكلة كل ما يرتبط بالسائح، منذ دخوله واختياره المنطقة حتى نهاية العطلة.

واستنادا إلى المصدر ذاته فإن فوضى كراء فيلات بمنطقة مكاد تستفيد منها لوبيات مالكة لا تظهر على الواجهة، كما أن المصالح الأمنية تواجه صعوبات في ضبط مطلوبين للعدالة، وتوجيه ضربات استباقية لعمليات إجرامية، في ظل غياب التصريح بهويات من يكترون الفيلات وغياب العقود القانونية، التي تحفظ حقوق المستهلك وخزينة الدولة ومالك الفيلا أيضا.

وحسب المتحدث نفسه فإن كراء الفيلات بمنطقة مكاد بواد لو يصل إلى 2500 حتى 3000 درهم لليوم الواحد، حيث سبق وقضى مسؤولون سياسيون كبارا عطلتهم الصيفية بالمنطقة، وقبلوا بغياب عقود قانونية، وعدم تسليم وصل الأداء، وهو الشيء الذي يطرح أكثر من علامة استفهام حول تشجيع المسؤولين السياسيين على تكريس جهود الهيكلة، وإلزامية اختيارهم القطاعات التي تؤدي الضرائب لخزينة الدولة.

شقق الاستغلال سياسي
تستغل العديد من الأحزاب المشرفة على تسيير جماعات ترابية بجهة طنجة – تطوان – الحسيمة، فوضى قطاع كراء الفيلات والشقق المفروشة، وتعمل على عرقلة تنظيم المجال الذي يرتبط بقطاع السياحة الحساس، لصالح لوبيات تببيض الأموال والاتجار الدولي في المخدرات، التي تقوم بتشييد عقارات للكراء بالساحل الشمالي، لكنها تعمد إلى تسجيل المِلكيات في أسماء العائلات والمقربين، تفاديا لأي محاسبة أو تحقيق مفاجىء في الموضوع.

وكشف مصدر من داخل المجلس الجماعي للفنيدق أن السلطات الإقليمية اقترحت على الجماعة إدراج نقطة بجدول أعمال الدورات، لمناقشة وتنظيم كراء الشقق والفيلات المفروشة، وقد تم ذلك على مضض، لكن لم تتم المصادقة على النقطة المذكورة، وتم تأجيلها مرتين في ظروف غامضة.

وأضاف المصدر نفسه أن المجلس الجماعي الذي يقوده حزب العدالة والتنمية، اتهم بالمناورة لعدم تمرير والمصادقة على النقطة المذكورة، لأن تنزيل القرارات المتعلقة بدفتر التحملات الذي ينظم المجال سيضر بمصالح لوبيات تدعم السياسيين في الحملات الانتخابية، وتنتعش من الفوضى والعشوائية، بالدفع في اتجاه عرقلة كل مبادرة للهيكلة والتنظيم.

وأشار المصدر ذاته إلى أن رئاسة المجلس الجماعي حاولت تجاهل عرض والمصادقة على دفتر تحملات ينظم مجال كراء الشقق المفروشة، للمرة الثالثة على التوالي، حيث تم استدعاء المستشارين بعقد دورة استثنائية بنقطة فريدة تتعلق بتحويل في فصول الميزانية، ما دفع بالسلطات الإقليمية، قبل أيام قليلة، إلى تذكير الجماعة، ودفعها لاستدراك الأمر وإدراج الملف المذكور في الدورة الاستثنائية المقررة نفسها.

الفوضى وتبعاتها
إن تبعات فوضى القطاعات غير المهيكلة بالشمال، من حيث ضياع مداخيل بالملايين على ميزانية الدولة والجماعات الترابية المعنية، وتكريس التهرب من الضرائب، لها انعكاسات جد سلبية على التنمية، وعرقلة تشجيع الاقتصاد المهيكل، سيما وأن المعاملات المالية في السوق السوداء لا تخضع لأي شروط قانونية، حيث يبقى المستفيد الأول اللوبيات المتحكمة التي تراكم أرباحا خيالية على حساب الدولة.

وحسب مصدر مسؤول فإن تنزيل التعليمات الملكية السامية في موضوع تسريع تعافي الاقتصاد الوطني من تبعات جائحة «كوفيد- 19»، يتطلب تضافر جهود الجميع من مؤسسات رسمية وفاعلين ومستثمرين، قصد تحقيق هدف الانتقال من الفوضى والعشوائية، نحو فضاء الهيكلة والتنظيم، لتنمية مداخيل الخزينة، والقدرة على تمويل مشاريع تنموية حقيقية.

ويتسبب كراء الفيلات والإقامات السياحية الفاخرة بالشمال، في السوق السوداء، دون عقود، وخارج تدابير وإجراءات تسليم فواتير وإشهار الأثمان، في ضياع ملايين السنتيمات على ميزانية الجماعات الترابية، وذلك لغياب أداء الضرائب الضرورية، وإفلات أصحاب مشاريع ضخمة من المراقبة الضرورية، في ظروف غامضة.

وسبق تنبيه مهتمين بالشأن العام المحلي، إلى أن فيلات فاخرة في ملكية مبيضي أموال وشبكات الاتجار في المخدرات، يتم تسجيلها في أسماء أفراد العائلة، تجنبا للمحاسبة، وتوجد على طول الشريط الساحلي، معدة للكراء خلال العطلة الصيفية، في السوق السوداء، ويصل ثمن كراء اليوم الواحد بها أكثر من 3000 درهم، حيث يمنع الحراس تصويرها من الداخل أو الخارج، كما يسمح بكرائها فقط لمن يعاينها بشكل مباشر، أو عن طريق سماسرة، دون اللجوء إلى العملية الإشهارية أو ما شابه ذلك.

وطالبت أصوات السلطات المختصة بإحداث لجان للمراقبة، والقيام بحملة موسعة للكشف عن العديد من الفيلات الفاخرة والإقامات المعدة للكراء في السوق السوداء بالشمال، وذلك لضبط المعاملات المالية الكبيرة التي تتم في الخفاء، وتستفيد منها جهات مالكة، خارج أداء الضرائب الضرورية، والالتزامات الخاصة بالنظافة وما شابه ذلك.

وقال مصدر إن منع تصوير الفيلات والإقامات التي يتم كراؤها في السوق السوداء، يأتي بتعليمات صارمة من الملاك الحقيقيين وليس الذين يظهرون في الصورة، وذلك تجنبا للتناول الإعلامي لغلاء الأثمنة، وتجنب البحث في ملفات الضرائب، وعدم تسليم وصل الأداء أو العربون، فضلا عن غياب العقد أو أي وثيقة رسمية خاصة بالعملية.

هذا ويتم استغلال استفحال ظاهرة القطاعات غير المهيكلة بالشمال من قبل شبكات المضاربة في العقار، ومبيضي الأموال وتجار المخدرات وبعض السياسيين، لتشييد مشاريع مدرة لمداخيل كبيرة خلال العطلة الصيفية، لكن خارج تأدية الضرائب الضرورية، أو الكشف عن أرقام المعاملات المالية والأرباح، وهو الشيء الذي يضيع فرص إنعاش ميزانية الجماعات الترابية المعنية، خاصة في ظل العجز وتراكم الديون وارتفاع أرقام الباقي استخلاصه، وتبعات الركود الاقتصادي بسبب أزمة جائحة كورونا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى