شوف تشوف

الرئيسيةملف الأسبوع

قصة إذاعة البوليساريو

فكرة بومدين وتمويل القذافي وإخراج انفصاليين وتشخيص معارضين

حسن البصري
أضاع المغاربة وجيرانهم فرصة مع التاريخ، فقد كان بإمكان المسيرة الخضراء سنة 1975، أن تتحول إلى عامل بناء للوحدة والتنمية وحسن الجوار في منطقة شمال إفريقيا. لكن استرجاع المغرب لصحرائه والتخلص من الاستعمار الإسباني في ربوع من القارة السمراء، تحول إلى ورقة حارقة تذكي الصراع والتوتر بالمنطقة. فجماهيرية القذافي التي ساندت حق المغرب في تحرير صحرائه، والتي صرح زعيمها في أكثر من مناسبة بأنه ضد تمزيق الوحدة الترابية للمغرب، هي نفسها التي ذهب رئيس وزرائها عبد السلام جلود للتفاوض مع إسبانيا عبر ورقة الصحراء. وليبيا القذافي التي بعث قائدها برسالة رسمية إلى الملك الحسن الثاني ليشارك في المسيرة الخضراء، هي ذاتها ليبيا التي أسست جبهة البوليساريو وأشرفت على رعايتها بالمال والسلاح والدعاية الإعلامية، وهي التي ساندت إعلان الجمهورية الصحراوية.
لم يكن الحسن الثاني يظن يوما أن الجارة الشرقية سترد على المسيرة الخضراء بمسيرة سوداء، حين قرر هواري بومدين طرد 350 ألف مغربي من الجزائر صوب الحدود، حيث دخلوا وجدة مطرودين في أبشع رد فعل. ولم يتوقف الجزائريون عند هذا الحد، فقد انتبهوا إلى أهمية «الترانزيستور» وأسسوا نواة لإذاعات ترسل الأحقاد عبر الأثير وتسمم الأوضاع وتقطع خيط الرجعة.
تكلف بومدين بوضع إذاعة وهران رهن إشارة انفصاليي البوليساريو، ومكنهم من تثبيت إذاعة صوت الصحراء الحرة التي بدأت البث من الجزائر، وخصصت ليبيا مصلحة من إذاعة الوطن العربي لضرب المغرب إعلاميا، فيما اقتنى بومدين شاحنة وحولها إلى إذاعة متجولة، قبل أن يساهم الجنرالات في تأسيس إذاعة ميدانية بتندوف.
في الملف الأسبوعي لـ«الأخبار» وقفة مع قصص من غرف الأثير، حول البدايات الأولى لإذاعات روجت الوهم وباعته للصحراويين، قبل أن يكمل حكام الجزائر وليبيا بقية التفاصيل.

القذافي يضع إذاعة صوت العرب الليبية رهن إشارة البوليساريو
يذكر الملك الراحل الحسن الثاني، في كتاب «ذاكرة ملك»، أن الغاية الأولى التي حركت العقيد معمر القذافي كانت هي هاجس إجلاء الاستعمار الإسباني من الصحراء، بدليل البرقية الرسمية التي بعث بها القذافي إلى الحسن الثاني بمناسبة عزمه تنظيم المسيرة الخضراء في 1975، ومما جاء فيها: «بصفتي ثوريا، فإني أساندكم ألفا في المائة، وإني أريد القدوم إلى المغرب على رأس وفد ليبي للتصدي للاستعمار، عدونا المشترك». لكن هذه الرغبة كانت أشبه بصيحة في واد صحراوي، حيث ما إن احتضنت الجزائر فئة من الصحراويين الانفصاليين، حتى انضم العقيد إلى بومدين فأصبح الراعي الرسمي للحركة التي بدأت بتمرد في طانطان.
ولأن «البروباغاندا» تعد أساس الحركات الانفصالية، فإن تشخيصا سريعا للوضع الإعلامي في شقه الإذاعي أكد أن الإذاعات التي كانت مسموعة وقتها، وتبث بشكل منتظم في الصحراء كانت من طرفاية والعيون ونواكشوط، ثم الإذاعة الجزائرية من وهران بالخصوص. لذا شرع العقيد يفكر في ضرب المغرب إعلاميا من خلال برامج تساند أطروحة الانفصال، والبداية ببرنامج «الساقية والوادي على طريق الحرية»، والذي كان يبث من الإذاعة الليبية «صوت الوطن العربي»، حيث كانت ليبيا القذافي أول من دعم جبهة البوليساريو بالمال والسلاح واللوجستيك والإعلام.
وترى بعض القيادات الإعلامية الصحراوية، أن برنامج «الساقية والوادي على طريق الحرية» كان يبث لمدة نصف ساعة يوميا من الجماهيرية العربية الليبية سنة 1974، أي قبل المسيرة الخضراء. بل إن الجماهيرية اللبيبة لم تكتف بتخصيص برامج إذاعية للبوليساريو، بل ساهمت في تكوين بعض الشباب في مجال الإعلام، «ففي منتصف الثمانينيات بدأت أولى أفواج الجامعيين تلتحق بالبوليساريو لتعزز صفوفها، ذلك أن أول صحفي يتم تكوينه أكاديميا هو السالك مفتاح بجامعة قاريونس بليبيا، ثم علي المختار وحميدي فاك الله وبلاهي لخليفة من جامعة سانتياغو بكوبا، ومنذ ذلك الوقت إلى الآن أصبح الصحفيون والمهندسون يعدون بالعشرات»، كما جاء في أطروحة أكاديمية لماء العينين سلامة، في موضوع البث الإذاعي عند البوليساريو.
في خطابه بمناسبة ثورة الفاتح في شتنبر 1987، صرح العقيد الراحل معمر القذافي قائلا: «أستطيع أن أتكلم عن قضية الصحراء أكثر من أي طرف آخر، لأن بوليساريو نحن الذين أسسناها عام 1972، ونحن الذين دربناها وسلحناها لتطرد الاستعمار الإسباني من الساقية الحمراء ووادي الذهب، ولم نسلحها لإقامة دولة». إنه الخطاب نفسه المعلن عنه غداة القمة العربية بالرباط سنة 1974، حيث دعم الرئيس الليبي موقف المغرب لإنهاء الاستعمار الإسباني للصحراء. وخلال زيارته إلى المغرب في 16 يونيو 1975، عبر العقيد معمر القذافي عن مساندته اللامشروطة للمغرب، حيث صرح بأن «القوات الليبية المسلحة رهن إشارة المغرب لتحرير صحرائه»، في تناقض رهيب بين الفعل والخطاب السياسي.
كان على رأس إذاعة «الوطن العربي» عبد اللطيف سالم وهو ليبي من بنغازي، كما قام بتأسيس إذاعة تحمل اسم «صوت إفريقيا»، وتم تعيينه في البداية لتدريب بعض المذيعين الصحراويين على كيفية التقديم الإذاعي، قبل أن ينتقل إلى إذاعة الثورة الشعبية.

بومدين يطلق «صوت الصحراء» من وهران
علاقة التوتر بين المغرب والجزائر ترجع إلى حرب الرمال، ففي سنة 1963 حينما لجأت عناصر من الاتحاد الوطني للقوات الشعبية إلى الجزائر هروبا من غضب النظام، وفي تلك السنة أصبحت الجزائر قاعدة للمعارضة المغربية، حيث كان يزورها المهدي بن بركة وأنشأ فيها مركز دراسات في حي القبة بالجزائر العاصمة، كما كان يتردد عليها عبد الرحمان اليوسفي وعبد السلام الجبلي ومحمد بن سعيد أيت إيدر والفقيه البصري وسعيد بونعيلات وغيرهم من الأسماء، التي كانت محل متابعة من الأمن السري في المغرب خلال سنوات الرصاص.
كان «صوت الصحراء الحرة» يبث من الإذاعة الجزائرية، وظل حاضرا في البرامج الموجهة إلى المغاربة من نونبر 1975 إلى يناير 1995، حيث وصلت مدة البث إلى ساعة واحدة، وعلى امتداد ثلاثة رؤساء كانت الإذاعة تواصل ضرب سمعة المغرب، سواء مع بومدين أو رابح بيطاط أو الشاذلي بن جديد، وكانت تعتبر الرافد الأساسي للأخبار التي تبث على محطة تندوف، وفي هذا الصدد قال محمد لامين نفعي، أحد تقنيي مرحلة تأسيس إذاعة البوليساريو، في حوار صحفي: «كان قسم التنصت للإذاعات هو الذي يمدنا بالأخبار، وأحيانا ننقل بعض الأخبار من صوت الصحراء الحرة الذي يبث لمدة ساعة من الإذاعة الجزائرية».
الغريب في هذه النازلة أن الجزائر تنكرت للمغاربة الذين مكنوها من منبر إعلامي في التراب المغربي، فبدعم من المغرب تأسست في 16 دجنبر 1956 نواة الإذاعة الجزائرية، وكانت تبث برامجها وبياناتها سرا من التراب المغربي في أزغنغان ضواحي الناظور، حيث أشرف على وضع اللبنات الأولى لهذه الإذاعة جزائري درس في المغرب وهو عبد الحفيظ بوصوف، هذا الأخير اعتمد على الصحافي الجزائري عيسى مسعودي وتقني إرسال في إيصال صوت الإذاعة إلى الجزائريين بدرجة أولى، والتونسيين والمغاربة بدرجة أقل.
والأغرب أن هواري بومدين، الرئيس الجزائري الأسبق، أكد في أكثر من تصريح صحفي أن الإذاعة التي كانت في التراب المغربي كانت تمثل نصف الثورة التحريرية، مشيرا إلى أن الثورة انتصرت بفضل الثنائي جيش التحرير الوطني وإذاعة الناظور، هذه الأخيرة أوصلت صوت الثورة الجزائرية إلى أبعد نقاط العالم، من خلال برنامجها الذي كان يبث انطلاقا من المغرب.

تقنيون من إذاعة العيون وجزائريون يؤسسون إذاعة تندوف
ترجع ولادة إذاعة البوليساريو إلى الثامن والعشرين من دجنبر 1975. كانت عبارة عن جهاز بث في شاحنة وبوسائل بسيطة ومولد كهربائي محمول على متن شاحنة أخرى، مع الاعتماد على شخصين سبق لهما أن عملا في إذاعة العيون وهما النعمة ولد زين الدين والسيد أحمد محمد، مع الاستعانة ببعض المعلمين والطلبة، وهناك من أعفي من مهامه كمدرس وتم إلحاقه بالإذاعة أو ما يشبه الإذاعة. وكانت تعتمد على ما سمي الإذاعات الصديقة والمدعمة من طرف الجزائر وليبيا، ولم تكن مدة البث تتجاوز الساعتين يوميا.
«كل شيء كان يسجل في الكاسيت «بوبينا» عبر آلة التسجيل والمونتاج «ناكرا»، وغالبا ما يتم البث من محطة كان يشغلها جزائريون في تندوف، ثم لاحقا تواصل العمل نفسه مع بعض الصحراويين الانفصاليين وتحديدا منذ 1978، وكان النعمة زين الدين وسيد أحمد وأحمد معروف ولحرطاني هم محركو هذه المحطة، فيما كان التقني يلعب فيها دورا محوريا مقارنة مع المحرر»، حسب ما أورده السالك مفتاح، مدير الأرشيف الإعلامي في البوليساريو.
ومن أبرز البرامج التي كانت تبثها هذه الإذاعة بعد الأخبار والتي كانت تنحصر في البلاغات العسكرية والزيارات التي تقوم بها بين الفينة والأخرى شخصيات موالية للجزائر، الراعي الرسمي للإعلام الانفصالي، ويمكن القول إن إذاعة البوليساريو قد دشنت بشكل رسمي في شهر يناير سنة 1978، أي أنه على امتداد ثلاث سنوات كانت شبه محطة إرسال.
عانت المحطة من ضعف الموارد البشرية، إذ غالبا ما تجد مقدم النشرة يقوم بأدوار مختلفة، فهو رئيس التحرير إضافة إلى تقمص دور المراسل الذي يقوم بالتغطيات، بجانب بحثه عن المعلومات والترجمة وتحرير الأخبار، كما يعد كذلك مجموعة من البرامج الإخبارية والسياسية والثقافية والرياضية وهلم جرا، بينما كان مدير الاذاعة يومها عضوا في المكتب السياسي لجبهة البوليساريو، قبل أن تتداول هذا المنصب أسماء تدين بالولاء للجزائر قبل الصحراء.
ومن غرائب هذا الوضع وجود برنامج رياضي قبل وجود الرياضة في تندوف، بل إن معده ومقدمه مصطفى محمد فاضل ستتم ترقيته من صحافي إلى أمين عام لوزارة الثقافة بحقيبة لكن دون مقر، قبل أن يصبح اسمه مقترنا بفضيحة جنسية، بعد أن تداولت العديد من المواقع شريط فيديو يوثق لفضيحة بطلها المسؤول الإعلامي للانفصاليين، حيث كان يتواصل عبر الفيديو على أحد التطبيقات المختصة مع فتاة عارية تقوم بإيحاءات جنسية، في الوقت الذي بدا مصطفى محمد فاضل متفاعلا معها عبر ممارسة العادة السرية.

الوفاة الغامضة لإعلامي صحراوي نوه بالحكم الذاتي
كان من واضعي اللبنات الأولى للإعلام في تندوف كما شغل مهام أخرى، قبل أن ينتهي جثة هامدة في إنجلترا. أثارت ظروف وفاة محمد فاضل إسماعيل، ممثل الانفصاليين في العاصمة البريطانية، ظلالا من الشكوك حول ما إذا كانت وفاته طبيعية. ويرجح أن الأمر قد يتعلق بعملية تصفية تحمل بصمات جزائرية.
ظلت أسرة المرحوم تطالب بإجراء تحقيق حول الظروف الغامضة للوفاة، وإجراء تشريح من طرف الطب الشرعي البريطاني على الجثة، لكن سفير الجزائر بلندن حال دون إجراء التشريح، سيما بعدما تناولت إذاعة لندن الظروف الغامضة للوفاة، ونقلت عن أخيه إبراهيم حالة الغموض التي تلف النازلة، بعد أن عثر عليه ميتا بمكتبه في لندن، غداة عودته من تندوف التي قضى فيها أسبوعين.
وحسب رفاق محمد فاضل، فإن حكام الجزائر والبوليساريو قد انتابهم خوف كبير، حين علموا أن الرجل بصدد التحضير للقاء كان مرتقبا مع جمعية مغربية في باريس، خاصة وأنه كان يجهر بخيار الحل الثالث ويميل إلى الحكم الذاتي في الصحراء، وكانت جبهة البوليساريو تتخوف من إمكانية عودة محمد فاضل إلى المغرب، كما فعل بعض الزعماء التاريخيين للحركة.
وكان إسماعيل فاضل قد ولد في المغرب وتلقى تعليمه الثانوي بتيزنيت ومراكش، وحصل على الإجازة في الاقتصاد من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بالرباط، وما زال والداه وأخوه يعيشون في العيون، فيما كانت زوجته وأبناؤه يقيمون في لاس بالماس.
«وقعت الوفاة الغامضة مباشرة بعد عودة محمد فاضل من زيارة إلى الجزائر، أبلغ خلالها قيادة البوليساريو والجنرالات انتقاداته الشديدة واعتراضه القاطع على الأطروحة الجزائرية بتقسيم الصحراء المغربية. وتؤكد شهادة ذويه، أن فاضل تحدث إلى عمه في موريتانيا منذ أيام وكان في صحة جيدة، بل وكان يعتزم العودة إلى المغرب رفقة بعض الأطر الصحراوية»، على حد قول الكاتب هشام شكار.

مغربي على رأس إذاعة ضد الملكية بدعم ليبي
في سيرته الذاتية التي جمعت حوارات الفقيه البصري مع الصحافي حسن نجمي، يسلط المعارض المغربي السابق الضوء على سر سباحته ضد التيار ومعاكسته المغرب في استرجاع أقاليمه الصحراوية، وموقفه الداعم للجزائر خلال حرب الرمال.
لكن الفقيه البصري يؤكد أن الغاية من البث الإذاعي في بدايته لم تكن ضرب المغرب، بقدر ما كان يرمي إلى جلب التأييد: «الذي ساعد على انحراف زعيم الجبهة الوالي مصطفى هم الإخوة في ليبيا آنذاك، ففي الوقت الذي كان نقاشنا مع الوالي قد تبلور في إطار مغربية الصحراء وأسسنا الإذاعة، وشرعنا في توفير الدعم لمشروع تحرير الصحراء، ذهب عبد السلام جلود، رئيس وزراء الجمهورية الليبية حينذاك، إلى إسبانيا وخطب خطبة وساوم الإسبانيين بالمصالح مقابل تحرير الصحراء، طبعا ظهر للقذافي أنه من الممكن عن طريق الصحراء أن يربط مشكله مع الأرض التي اقتطعها الفرنسيون من ليبيا وألحقوها بالخريطة الجزائرية، وهي أرض ليبية غنية بالنفط، في الحقيقة لم نلمس حينها أي ميول جزائرية لتبني ودعم بوليساريو كمشروع انفصالي».
من جهته يكشف إبراهيم أوشلح، أحد أبرز المعارضين لنظام الملك الحسن الثاني ومسؤول الإذاعة التي كانت تبث من طرابلس، أسرارا عن الدعم الذي قدمه القذافي لثوار الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، من أجل قلب نظام الحسن الثاني وعن الطائرات العسكرية التي بعثها العقيد لقصف الرباط، ومن أنقذ العاصمة من ذلك.
أمضى أوشلح سنتين على رأس إدارة إذاعة معارضة لنظام الحسن الثاني في ليبيا، فصدق خطب القذافي ووعوده، «العلاقة بدأت بعد زيارة الفقيه محمد البصري إلى ليبيا رفقة عثمان بناني، ممثل الحزب في القاهرة، والطاهر الجميعي، ممثل الحزب في دمشق، ومحمود بنونة. وبدأ هؤلاء نسج العلاقات الأولى مع نظام ليبيا، ولم يستقبلهم في البداية القذافي ولا أي عسكري، بل استقبلهم صالح أبو صير، وهو مناضل مدني مناهض للملكية قومي عربي ناصري، كان قد سبقت له زيارة المغرب، وكان أبو صير يحتل في أول حكومة للقذافي مركز وزير الخارجية ثم في ما بعد وزير الثقافة والإعلام، وهو من قدم الفقيه البصري للعسكريين، أي للضباط الأحرار. لم يقدمه للقذافي، ولكن للرائد عبد المنعم الهوني».
وعن الخط التحريري للإذاعة يقول أوشلح: «لم يسبق أن تدخل الليبيون أبدا في برامج إذاعتنا التي كنت أديرها شخصيا في ليبيا، ولم يسبق أبدا أن طالبونا بمراقبة ما نسجل أو محاسبتنا على ما نذيع في إذاعتنا. ربما لم يكونوا يسمعونها، أما الإشراف على الإذاعة فقد كنت أنا المدير السياسي لها، لكن كنا نشتغل تحت إشراف عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان بمثابة المسؤول الإعلامي للحزب وهو من يقوم بالتوجيه».
واستمرت الإذاعة من ليبيا من أكتوبر 1971 إلى غاية 1973، كان اسم البرنامج الإذاعي «التحرير»، أي استمرارا لصحيفة «التحرير» الناطقة باسم الاتحاد الوطني للقوات الشعبية والتي تم منعها إبان سنوات الرصاص، وتوقفت في ما بعد الإذاعة لأن الحرب مع إسرائيل استدعت وحدة الصف العربي وكان المغرب مشاركا فيها و«أوقفنا الإذاعة ونشاطنا في ليبيا لهذا السبب»، يقول أوشلح.

محمد باهي يرفض منصب مدير إذاعة البوليساريو
تعددت الروايات حول أسباب وفاة محمد باهي، الصحافي الذي ارتبط اسمه طويلا بجريدة «المحرر»، قبل أن تغير جلدها، لكن المقربين من دائرة القرار في الحزب والصحيفة يؤكدون أن الوفاة لها علاقة بأزمته المهنية مع رفاق الدرب.
وكشف إدريس الخوري، في إحدى خرجاته الإعلامية عن «خلافات محمد باهي مع بعض القياديين في الاتحاد الاشتراكي، وبعض صحافيي «الاتحاد الاشتراكي» الذين رفضوا تعيينه على رأس الجريدة، فألمت به أزمة كانت السبب في وفاته».
بدأت معاناة الرجل حين عينه عبد الرحمان اليوسفي مستشارا إعلاميا له وذلك في 14 ماي 1996، وكلفه بالإشراف على إعادة هيكلة هيئة تحرير جريدة «الاتحاد الاشتراكي»، بالنظر إلى التجربة التي راكمها في العديد من الصحف، خاصة صحيفة «المجاهد» الجزائرية التي كان يديرها، إضافة إلى ارتباط باهي بصحافة الحزب مدة طويلة عبر إطلالته الشهيرة «رسالة باريس»، إلى أن وفاه الأجل المحتوم في 4 يونيو 1996.
نجا أحمد صاحب الأصول الموريتانية من الموت مرات عديدة، أولها حين تسلل خلسة في مرسى نواذيبو إلى باخرة صيد إسبانية متجهة إلى طرفاية. وبعد الإقلاع، اكتشف طاقم الباخرة وجود شخص غريب، وقرروا رميه في البحر. وفتح معهم مفاوضات وعرض عليهم أن يقوم بأعمال الخدمة طوال الرحلة مقابل العدول عن رميه في البحر، فتكفل بتنظيف المطبخ وغسل الأواني وصيانة المراحيض. هكذا دخل الفتى إلى المغرب، وتوجه إلى الرباط بحثا عن وظيفة صحافي في جريدة «العلم».
لكن الرجل كشف يوما للكاتبة زكية داوود، رئيسة تحرير مجلة «لام ألف»، عن أخطر موقف كاد يكلفه حياته، وقال: «لقد عشت حياة معقدة، نجوت من الموت مرات عديدة، من بينها المرة التي رفضت فيها تسيير إذاعة البوليساريو، باقتراح من هواري بومدين، قبل أن يفكر هذا الأخير في تعييني رئيسا للجبهة، وحين تبين له رفضي وطلبت مهلة للتفكير عدت فيها إلى فرنسا وأنا مرعوب، عين عبد العزيز المراكشي».
قال المناضل عباس بودرقة في تأبين باهي إن التأبين وهو نوع من الميلاد الجديد للمرحوم، كما كان يقول عبد الرحمان منيف رحمه الله وهو على فراش الموت، «أوصى بالاعتناء وبنشر كتابات الباهي»، لأنه كان يعتبره مدرسة تاريخية، أدبية، فكرية، سياسية، وصحفية.

هكذا ينتزع صحافيو البوليساريو شهادات تحت الإكراه من الأسرى
في مذكرات عبد الله لماني، الأسير السابق في معسكرات البوليساريو، والتي اختار لها كعنوان: «رعب جزائري في تندوف»، يتوقف الكاتب عند ظروف اشتغال الإذاعة، حيث يقول في الصفحة 59 من مؤلفه: ««المائدة المستديرة» هو عنوان برنامج يبث من تندوف ومن إذاعة الصحراء الحرة بوهران، يتم إعداد هذا البرنامج بمركز «رابوني»، حيث يتم اختيار بعض المعتقلين المغاربة، وتسلم إليهم مقالات مكتوبة فحواها ضد الملك الحسن الثاني، وقصص كاذبة عن بعض الوزراء، وأمور فادحة حول قواتنا المسلحة الملكية وخاصة الضباط السامين، فيجبرونهم على قراءة تلك النصوص، البعض كانت له الشجاعة ورفض التفوه بأي كلام يمس كرامة الوطن والملك، لكن الغالبية منهم كانوا يخشون من بطش البوليساريو فيفعلون ما يطلب منهم على مضض. بينما تسجل برامج أخرى يمدح فيها أسرى مغاربة عناصر البوليساريو، ويتحدثون عن مروءتهم وكيف يتقاسمون معهم زادهم وأن قضيتهم عادلة وأنه لا وجود للجزائريين والكوبيين، إنه الخوف من بطش رجال يعشقون تعذيب المغاربة».
تحدث عبد الله لماني الذي كان أسيرا في معسكرات البوليساريو وعمره لا يتجاوز 23 سنة، عن الرعب الممارس على الأسرى من أجل انتزاع شهادات بالقوة تضرب الوطن في العمق، مع تعزيز هذه الشهادات بمقاطع من أغان ملتزمة لـ«ناس الغيوان» و«لمشاهب» و«جيل جيلالة» و«السهام».
وكان لماني الشاهد على حوارات مفبركة، قد تعرض للأسر ذات يوم من صيف سنة 1980، عندما كان يستقل حافلة من طاطا إلى الدار البيضاء، حيث اعترض طريقها مقاتلو الجبهة الانفصالية. لم يكن لماني جنديا كما أنه لم يعتقل على أرض المعركة ولا حتى داخل الأراضي المفروض أنها خاضعة للنزاع. اعتقل الشاب المغربي على أرض مغربية في كمين نصبه مقاتلو الجبهة، الذين تسللوا إلى الأراضي المغربية عبر الحدود الجزائرية، بتواطؤ مع حرس الحدود الجزائريين. وبعد 23 سنة قضاها لماني في زنازين تشبه القبور الجماعية، خضع فيها لأسوأ أنواع التعذيب والإهانة لكرامة الإنسان، أفرج عنه ضمن فوج من الأسرى المغاربة سنة 2003.

مصطفى العلوي يتصدى للقذافي وبومدين من برنامج «دعوة الحق»
في كثير من السير الذاتية للمقربين من محيط الزعيم الليبي السابق معمر القذافي، يتم الحديث عن حجم الضغينة التي كان يكنها العقيد المخلوع للإعلامي المغربي مصطفى العلوي، بل إن مذكرات أحد أقطاب النظام الليبي السابق تحدثت عن رغبة معمر في بتر لسان العلوي، الذي خصص برنامجه الإذاعي «دعوة الحق» للتنكيل بخصوم الملك الراحل الحسن الثاني، خاصة معمر القذافي الذي كان يصفه بـ«الكديديفي» وهواري بومدين الذي يصفه باسمه الحقيقي «بوخروبة»، كما خصص لجمال عبد الناصر حلقات انتقد فيها الفكر الثوري وركز على الجوانب الداكنة في حياة ملهم الثوريين العرب، وخصص بعض الحلقات للكشف عن عورات حزب البعث. ولأن رأسه أصبح مطلوبا من اللجان الشعبية الليبية، فإنه ظل يتنقل تحت حراسة أمن خاص بعد أن تلقى تهديدات جادة، قبل أن تنجلي هذه الغيمة بعودة الصفاء للعلاقات المغربية الليبية، وموت جمال عبد الناصر وهواري بومدين.
ولد مصطفى العلوي سنة 1948 بمدينة مكناس، من والد ينتمي إلى تافيلالت وتحديدا من الريصاني، قبل أن يستقر في مكناس، وأم ذات أصول أمازيغية، وعاش مصطفى في أسرة محافظة إلى جانب شقيقيه، وتابع تعليمه الابتدائي والثانوي بالعاصمة الإسماعيلية، وعرف عنه نظم قوافي الشعر منذ صغره وتقديم فقرات تنشيط الحفلات المدرسية والمشاركة في المسرحيات، التي تقام خلال المناسبات الوطنية. وعلى الرغم من ميولاته الفنية وعشقه للشعر والشعراء، إلا أن والده أصر على التنشئة العسكرية، فألحقه بالمدرسة العسكرية لمكناس ضدا على ميولاته المرهفة التي تتعارض والتكوين العسكري الصارم. مما دفعه إلى مغادرة المدرسة والبحث عن توجه جديد يتلاءم ورغباته، قبل أن يصبح عضوا في فرقة للتمثيل برئاسة محمد البصري، حيث شارك مصطفى في مجموعة من التمثيليات الإذاعية باللغة العربية الفصحى، ولفت الانتباه بصوته، فتم اقتراحه منشطا لبرنامج إذاعي لتكون البداية الحقيقية من برنامج «دعوة الحق»، الذي خصص للرد على الخصوم السياسيين للوطن.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى