
يونس جنوحي
بين جمعية وأخرى، لا يوجد شيء سوى جمعية مفتوحة.. حتى أن تأسيس الجمعيات أصبح رياضة وطنية قد ننافس فيها دوليا.
في النهاية يشتكي الشبان من الفراغ وغياب التأطير. من يستفيد إذن من هذا «الجيش» من الجمعيات التي تحصل على التراخيص من السلطات المعنية، وتدفع سنويا طلبات الحصول على الدعم العمومي، ما دام أثرها على أرض الواقع «معدوما»؟
عندما كان لدى المغاربة «مسابقات مدرسية» وطنية، ودور شباب تفتح أبوابها في وجه أبناء الشعب البسطاء، كانت تتفتق مواهب شقت طريقها إلى العالمية عن طريق «الرياضة المدرسية»، قبل أن يزحف الإفلاس، وتصبح ألعاب القوى والمنافسات الأولمبية، مناسبات للتنغيص علينا وعلى ذاكرتنا الجماعية.
تأسيس الجمعيات في المغرب، ضارب في القدم.. ولا أدري إن تساءل أحد يوما ما عن الجمعية رقم 1 في المغرب..
التنقيب في الأرشيف يفضي إلى أن أول جمعية أسسها مغاربة تعود إلى سنة 1908، وكان اسمها «جمعية الاتحاد والترقي».
كانت هذه الجمعية سرية عند تأسيسها، والسبب أن نشاطها كان إصلاحيا في عز التنافس الأوروبي على احتلال المغرب. ثم مرت إلى مرحلة الإعلان، واتخذت أول مقر لها في مدينة فاس.
ولن يكون غريبا إذا علمتم أن أول جمعية مغربية في التاريخ، ارتبط اسمها بالزوايا! فالزاوية الكتانية هي التي تزعمت تأسيس هذه الجمعية واختيار اسمها. أما الفكرة فقد وُلدت عندما جاء الشيخ محمد خير الدين التونسي، وهو صوفي وابن أحد أشهر الإصلاحيين التونسيين في عهد العثمانيين، والتقى بالأخوين محمد وعبد الحي الكتاني.
عبد الحي الكتاني، الذي شارك في تأسيس هذه الجمعية، وهندس أولى البلاغات التي أصدرتها في الدوريات والصحف العربية الشرقية، اتخذ مسارا سياسيا مثيرا.. من النضال في مواجهة فرنسا، إلى تبني أفكار الحركة الوطنية، ثم لينقلب على المسار كله ويتحالف مع الباشا الكلاوي.. النهاية كانت هروبه من المغرب، عند إعلان عودة الملك الراحل محمد الخامس من المنفى.. ماتت الجمعية في فاس، ومات الشيخ عبد الحي في منفاه البارد بـ«نيس» الفرنسية سنة 1962.
يعترف علال الفاسي نفسه في كتاباته بأن الأخوين الكتاني هما من أسسا الجمعية، أما عملية تحديد الاسم، فلم يحتر أحد من المؤسسين في اختياره. لقد كانا يريدان فتح نسخة مغربية من الجمعية التركية التي تأسست في عهد العثمانيين سنة 1906، ووصل خبر تأسيسها عبر الصحف إلى المغرب.
الفرق أن الجمعية التركية أسسها شبان مدنيون وعسكريون، كانوا ينشطون في اليونان، بحكم التضييق والمنع في تركيا العثمانية. بينما الشيخ عبد الحي الكتاني وأخوه الأكبر أسسا الجمعية في قلب مدينة فاس، وحشدا أتباع الزاوية ونواة الشبان المغاربة المتعلمين، الذين أسسوا في ما بعد «الحركة الوطنية المغربية».
من بين أنشطة هذه الجمعية، قراءة الصحف! بحكم أن الصحف لم تكن منتشرة بالشكل الكافي في المغرب، فكانت الجمعية تنظم اجتماعات سرية منتظمة.. تُجمع الصحف الصادرة بالعربية من طنجة، ومن عواصم عربية مثل بيروت والقاهرة ودمشق، ثم تصل مُهربة مثل السلاح، إلى قلب فاس، ويتولى أحد أعضاء الجمعية – خصوصا علماء وطلبة جامع القرويين- قراءة مقالات هذه الصحف على مسامع السادة «المنخرطين».
دار الزمن دورته، وصار عدد الجمعيات المغربية أكثر من المغاربة.. كلها تنشط في مجال رعاية الشباب، وإحياء الأنشطة الثقافية والرياضية والاجتماعية.. وفي الأخير «النشاط» الوحيد الذي يتم إحياؤه، لا يتحدث فيه أحد سوى «الآلات» المقلوبة.





