شوف تشوف

الرأيرياضة

مذكرة سراح على الهواء

حسن البصري

في غمرة «كان» نون النسوة، وفي لحظة انتشاء جماهيري بـ«لبؤات الأطلس»، كشفت خديجة رميشي، حارسة مرمى المنتخب المغربي لكرة القدم، عن رسالة تحت قميصها، وطالبت بإطلاق سراح شقيقها المدان بعشر سنوات سجنا في قضية جنائية، قضى نصف المدة وما زالت أسرته تناشد المجتمع الرياضي العفو عنه في ما تبقى من العقوبة السجنية.

لم تكتب حارسة المنتخب ملتمس العفو في رسالة رسمية، لم تطرق باب وزير ولم تلتمس من محامي الجامعة صياغة مذكرة استرحام، فعلى قميصها الداخلي كتبت دفوعاتها على شكل رؤوس أقلام، تختزل محنة أسرة تفرح لابنتها وتحزن لولدها.

لم تكتمل فرحة حارسة مرمى المنتخب الوطني وفي بيتها نكبة، فكلما تذكرت معاناة شقيقها في زنزانته، ابتلعت ابتسامتها ورسمت على محياها علامات الأسى، فلكل فرح إذا ما تم نقصان.

في نهائي كأس العرش لسنة 1992 الذي دار بمدينة مراكش، وجمع الرجاء الرياضي بالأولمبيك البيضاوي، تقدم محمد القدميري، عميد الأولمبيك، لتسلم الكأس من يد الملك، إلا أنه أصر على تقديم ملتمس شفوي للحسن الثاني، حول اعتقال شقيقه وإدانته بتهمة القتل غير العمد، وفور انتهاء مراسيم تسليم الكأس أعطى الملك تعليماته إلى وزير العدل مولاي العربي العلوي، الذي كان يتابع المشهد من المنصة الرسمية.

شاءت الصدف أن يكون وزير العدل عاملا سابقا على الدار البيضاء، لذا لم يتأخر في إعادة فتح تحقيق في القضية، وخلص إلى أن شقيق القدميري قد ارتكب جريمة قتل دون نية إحداثها، فحكم عليه بما قضى.

في كثير من المنصات الشرفية تتناثر مواثيق شرف، لكن أشهر ملتمس إفراج كان وراءه اللاعب الودادي عبد السلام عاطف، أثناء احترافه بنادي بوردو الفرنسي، لقد امتلك ما يكفي من الجرأة ليطالب رئيس الجمهورية الفرنسية بإعادة محمد الخامس إلى عرشه ووقف مسلسل النفي، خلال حفل تسليم كأس الجمهورية الفرنسية، لم يقف عبد السلام بخشوع، أثناء عزف النشيد الوطني الفرنسي، وظل منشغلا بالإحماء اللازم، وحين سئل عن موقفه قال للصحافة الفرنسية: «لن أنافقكم وأتغنى بنشيد بلد نفى السلطان. سأكون في وضع أحسن، لو عاد الملك محمد الخامس من المنفى إلى المغرب».

التقطت الحكومة الفرنسية الرسالة التي تناقلتها آنذاك مختلف وسائل الإعلام الفرنسية والعالمية، وتربع عبد السلام على قلوب العائلة الملكية والمغاربة جميعا، من خلال الرسالة التي جسدت المفهوم الحقيقي لثورة الملك والشعب.

قدم عبد السلام الملتمس وحين عاد إلى المغرب لم يسجل في لوائح المقاومين ولم يصنف في خانة المحاربين، وحين مات بسبب مرض لم ينفع معه علاج، عانت أسرته الويلات وانتهى الأمر بزوجته بائعة متجولة في حي بوسبير، وحرم أبناؤه من حقهم في تذكرة ولوج الملعب.

في كثير من المباريات الكروية تحضر السياسة وتصبح المنصة الرسمية فضاء لمطالب لا رياضية، ففي المباراة النهائية لكأس العرش سنة 1979، وجمعت الوداد بشباب المحمدية، كان الملك الحسن الثاني مرتبطا هاتفيا بمعارك الصحراء، وحين كان يهم بمغادرة الملعب طلب منه لاعب ودادي إعفاء شقيقه من الخدمة العسكرية، وقبل أن يكمل سرد مطالبه، سحبه أحمد الدليمي إلى الخلف وهمس في أذنه: «سير ولا توصل عليه».

اليوم نحن أمام جيل جديد من «ملتمسات المنصات»، حيث يطلق اللاعبون عند الهزيمة أو الانتصار ملتمس الإفراج عن معتقلي المدرجات المدانين بعقوبات حبسية، بسبب شغب الملاعب، وهناك من يكتفي بإشارة منه أمام الكاميرا تنوب عن كل ملتمس لفظي.

كثير من اللاعبين يهدرون فرص التسجيل في المباريات النهائية، لكنهم لا يهدرون فرصة تسليم الملتمسات المكتوبة أو الشفوية، البعض يطالب بعفو شامل عن المعتقلين والبعض يدعو لعفو يشمل حتى الموجودين في حالة سراح، وأغلبهم يؤمنون بأن الملتمس في المقربين أولى.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى