
صادق مجلس نواب الأمة على مشروع قانون المسطرة الجنائية، بالغ الأهمية، وسط حضور باهت لا يتجاوز 15 في المائة من مجموع الأعضاء، حيث لم يتجاوز عدد الحاضرين 62 نائبا من أصل 395، توزعوا بين 47 من فرق الأغلبية و15 فقط من المعارضة، فيما غاب 333 نائبا ونائبة عن جلسة تشريعية مصيرية تتعلق بمستقبل احترام الحريات وإصلاح العدالة ومواكبة التحولات المجتمعية، والالتزام بدولة الحق والقانون.
إن غياب العديد من البرلمانيين عن جلسات مصيرية، لمناقشة والتصويت على مشاريع قانونية بالغة الأهمية، يؤكد التيه التشريعي الذي نعيشه، والميل لنقاش الهامش وسفاسف الأمور، عوض النقاش الجدي للقضايا العالقة ودراسة المستجدات، والاجتهاد في البحث عن تشريعات قانونية يمكنها معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يتخبط فيها المجتمع.
يجب أن يعلم الجميع أن تعثر التشريعات القانونية وعدم مواكبة التحولات الاقتصادية والمجتمعية، يعرقل تنفيذ المشاريع التنموية الكبرى، ويتسبب في جمود القوانين وصعوبة تنزيلها في ظل واقع متغير بشكل سريع خاصة في الزمن الحاضر، نتيجة سياسة الانفتاح على الخارج.
وعندما نقول غياب البرلمانيين عن جلسات تشريعية في غاية الأهمية، يذهب التفكير مباشرة إلى عدم تقدير المسؤولية الملقاة على عاتق ممثلي الأمة، كما تتوجه أصابع الاتهام مباشرة إلى الفساد في تزكية وجوه سياسية مُستهلَكة تعاني الأمية وفقرا مدقعا في الثقافة وعدم تقدير الصالح العام، واستحالة مساهمتهم في تطوير التشريع ومناقشة القضايا المستجدة.
إن الملفات التشريعية المصيرية من الأولويات التي تحتاج المناقشة بهدوء، وإشراك الرأي العام في الحيثيات وخلق جو عام من النقاش الإيجابي قبل الحسم فيه داخل المؤسسة التشريعية من قبل ممثلي الأمة، عوض الاستغراق في المزايدات الانتخابوية الفارغة، والدفع في اتجاه تسخين أجواء النقاش في ملفات هامشية أو أخلاقية.
لقد غاب نواب الأمة عن جلسة تشريعية تتعلق بمصير الحريات والعدالة التي يُطالب الجميع بإصلاحها، لكنهم يحضرون كل اللقاءات الانتخابية التي تتم بالقرى والمناطق النائية، ويشحذون ألسنتهم لتوزيع وعود انتخابية جديدة، والبكاء والعويل على غياب التنمية والمشاكل والإكراهات التي تواجه الإصلاح، علما أن الغياب عن مناقشة والتصويت على مشروع قانون في غاية الأهمية، من أبرز مؤشرات ضعف التشريع الذي بدون مواكبته للتحولات الاجتماعية والاقتصادية سنستمر في الدوران داخل حلقة مفرغة، وإنتاج تشريعي هزيل لا يتماشى وطموح المواطنين في العيش بكرامة.





