شوف تشوف

شوف تشوف

منعشون ومنهشون

وصلني هذا الصباح بلاغ من إحدى الوكالات الإعلانية يقول إن 17 شركة عقارية وزعت، في إطار مكافحة تداعيات وباء كورونا، 20.000 قفة من المواد الغذائية في أحياء الدار البيضاء بحضور السلطات المحلية.
عندما راجعت أسماء الشركات العقارية وجدت أنها شركات لمنعشين عقاريين كبار ولديها مشاريع عقارية ناجحة.
وبعملية حسابية بسيطة افترضت أن كل قفة كلفت هؤلاء المنعشين خمسمائة درهم فإن مجموع القفف التي تبرعوا بها لا يتعدى مليار سنتيم، أي 60 مليون لكل واحد منهم، أي ما يعادل شقة من شقق السكن الاجتماعي المتوسطة لكل واحد.
هل بهذه الإعانة يعتقد هؤلاء المنعشون أنهم يساهمون في الحد من آثار جائحة كورونا على المحتاجين؟
يقول البيان إن هؤلاء المنعشين لن يوقفوا صرف رواتب مستخدميهم وأنهم سيتحملونها رغم توقيف العمل بالأوراش. ربما كانوا يتحدثون عن الموظفين الذين يشتغلون في مقرات الشركات والذين يبيعون الشقق مقابل عمولات إضافية تصلهم كل شهر، لأنه حسب علمي فإن أغلب المستخدمين في قطاع البناء عطاشة يتقاضون أجورهم كل أسبوع وعندما ينتهي الورش ينصرفون إلى ورش غيره.
تارة نتهم أصحاب المدارس الخاصة، وتارة أخرى نتهم بعض أصحاب المصحات الخاصة بالجشع، وننسى فصيلة المنعشين العقاريين الذين تحول بعضهم بفضل الاستثناءات والمساعدات والتسهيلات إلى مليارديرات رغم أنهم لا يظهرون على أغلفة مجلة فوربس.
وبعض هؤلاء المنعشين العقاريين، بالإضافة إلى وزارة الإسكان والمؤسسات التابعة لها، جميعهم مسؤولون عن فساد العمران الذي يعتبره ابن خلدون مقدمة لفساد البلدان.
ونحن اليوم نرى حجم الصعوبات التي تواجهها السلطة المحلية والأمن والجيش لفرض التزام الناس لبيوتهم، خصوصا في الأحياء الشعبية حيث السكن يعاني من الهشاشة والضيق وغياب الشروط الصحية للعيش السليم وانتشار الأسواق العشوائية.
مشكل سكان الأحياء الشعبية مع عدم احترام تدابير الحجر الصحي وخروجهم للشوارع والأزقة رغم جهود السلطات الأمنية والمحلية يعطينا فكرة عن مشكلة شروط السكن بهذه الأحياء.
غالبية الأسر تعيش مكدسة في بيوت بغرف محدودة وضيقة، والعائلات التي فيها مراهقون مشكلتها أكبر بحيث يضطر الذكور لإخلاء المكان لإتاحة الفرصة لأخواتهم للقيام بأشغال البيت بحرية أكبر في الملبس.
هناك عائلات ليس لديها ما يكفي من أماكن النوم بحيث يتناوب أفراد العائلة على السدادر بالدور، وعندما ينام النصف يغادر النصف الآخر البيت.
اليوم في أحياء الدار البيضاء الشعبية والفقيرة تحولت أسطح العمارات إلى أماكن للتجمع، بحيث تحول راس الدرب إلى راس السطح، فهناك، وإلى ساعات الصباح الأولى، يتم تدخين الشيشة جماعيا وفتخ لفافات الحشيش وتعاطي كل المخدرات التي كانوا يتعاطونها عادة في المقاهي.
ولأن الوقت اليوم ليس وقت إلقاء اللائمة على هذا القطاع أو ذاك بل الوقت وقت التزام بالحجر الصحي، الآن أكثر من أي وقت مضى، فإن الجميع مدعو للتضحية والمكوث في بيته حتى لا يجلب الفيروس لوالديه، مثلما حدث مع تلك السيدة في طنجة التي تلتزم منذ شهر بالحجر الصحي لكن ابنها الذي لا يحترمه جلب لها الفيروس من الشارع والنتيجة أنها الآن تصارع الموت في غرفة العناية الفائقة. فعلى الأقل إذا لم يرفق هؤلاء الناس بجيرانهم فليرفقوا على الأقل بآبائهم وأمهاتهم.
على الجميع أن يفهم أن الدولة إذا رأت أن المصلحة العامة تقتضي حبس الناس في بيوتهم بقوة القانون فإنها ستضطر لذلك، وقد رأينا ما حدث في بعض أحياء الناظور التي تم تطويقها وعدم السماح لسكانها بمغادرة بيوتهم فيما السلطات هي من سيتكلف بتزويدهم بحاجياتهم الأساسية.
وعلى رأي القايدة حورية “هاديك خيطي زيطي” التي يدمنها البعض في بعض الأحياء والمدن يجب أن تتوقف، وإلا سنكون مجبرين على قضاء رمضان وما بعده داخل الحجر.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى