الرئيسية

ودارت الأيام

شامة درشول

مقالات ذات صلة

 

لي صديقة محجبة، شديدة التدين، تركت الوظيفة لتفتح مشروعها الخاص، وتناضل من أجل تدبيره أمام صعوبة نجاح مقاولة صغرى في بلد مثل المغرب.

صديقتي هاته، كلما التقيت بها أسرت لي بأنها تريد اقتناء شقة، أو حتى سيارة مستعملة، لكنها لا تستطيع أن تحقق أحلامها الصغيرة هاته بسبب رفضها طلب قرض بنكي لأنه في نظرها ربا، وأنها تجد نفسها دائما في حالة نفسية سيئة كلما فكرت في أنها لا تستطيع الاقتراض من البنك، وتعجز عن الادخار.

حال صديقتي هاته حال الكثيرين منا، لكن ما جعلني أتذكرها اليوم، هو هذا الحديث الدائر حول رئيس الحكومة، وكيف أنه تحصل على سكن خاص بدرجة فيلا من خلال نظام سلف يسمى في المغرب «دارت»، وفي مصر «الجمعية»، وهو ما يعني أنه نظام سار به العمل في عدد من المجتمعات، ولا ننسى أنه نظام قرض تتقنه النساء بشكل كبير.

المشكلة ليست في أن رئيس حكومة لجأ لهذا النظام الذي اعتاد اللجوء إليه صغار الموظفين، ونساء الحي والمعلمات، المشكلة هي أن «دارت»، هاته التي لجأ إليها العثماني، هي نظام معتمد داخل «الجماعة»، لا يسمح به إلا لأعضاء الجماعة، وكل من يريد الاستفادة منه عليه أن ينضم إلى الجماعة، ويكون عضوا بحزبها، ومناصرا لحركتها، وهو ما جعلني أتذكر صديقتي المحجبة، المتدينة، التي يضيع وقتها في تدبير أمورها المالية، ولا قدرة لها على الانضمام لنشاط حزبي ولا دعوي، كيف يمكن لمثل هذه المواطنة المغربية، ومثلها كثيرات وكثيرون، أن تحقق حلمها بما يتناسب مع قناعاتها الدينية، في الوقت الذي يفرض عليها من تشاطرهم القناعة نفسها الدخول في جماعتهم، إن أرادت هي الاستفادة من حلولهم البديلة التي يجتهدون في إيجادها لأعضاء جماعتهم، في الوقت الذي يتركون بقية المواطنين عرضة لمؤسسات متوحشة تفرغ جيوبهم من كل ما يملكون؟

للسيد العثماني الحق في اقتناء السكن الذي يريد، بالطريقة التي يريد، مادام هذا تم بطريقة مشروعة، ومادام لم يلجأ فيه لاستعمال سلطاته، وعلاقاته للحصول عليه، ومادام لم يتم من خلال دافعي الضرائب، لكن هذا لا يعفي رئيس الحكومة من المسؤولية باعتباره أمينا عاما لحزب ذي مرجعية دينية تقول إن الاقتراض من البنك حرام، دون أن تبحث عن حلول بديلة، وتكتفي بمنح هذه الحلول مقابل الانضمام لجماعتها. هذا هو مربط الخلاف، وهنا المشكلة المؤلمة إن لم نقل المأساة.

داخل الجماعة لا يعتمدون فقط نظام «دارت»، بل أيضا نظام الوداديات السكنية، وأنظمة أخرى تساعد أعضاء الجماعة في تحسين أوضاعهم المادية، والإقبال على الحياة بما يتماشى مع قناعاتهم الدينية، وكان الحزب، الذي يشكل الأغلبية في الحكومة منذ سنوات، يقسم المواطنين المغاربة إلى مواطني الحزب يستفيدون من الامتيازات التي يقدمها، ومواطني المغرب عليهم أن يقاتلوا فرادى من أجل لقمة الخبز، أو الانضمام إلى الجماعة التي تعفيهم من هذا القتال.

هذا التقسيم للمغاربة باسم الجماعة، والمرجعية الدينية، والذي من خلاله يتم توزيع الثروة، بما أن الهدف من توزيعها هو تحسن الوضع المادي للفرد، لا تعتمده فقط جماعة الإخوان، وجماعة العدل والإحسان، بل تعتمده أيضا مجموعات اجتماعية أخرى في هذا البلد، لكنها تعتمد تقسيما بناء على الاثنية، اللغة والعرق.

أهل فاس يعيشون في جماعات منغلقة ترفض المصاهرة إلا مع عائلات تتحدر مثلها من فاس، أو تملك ما يكفي من سلطة أو مال، أو هما معا. شكلوا بذلك مجموعة اقتصادية تحمي مصالحها برفض دخول الغريب، والذي هو، بالمناسبة، مغربي أيضا، إلى هذه المجموعة قصد حماية المصلحة، في الوقت نفسه يستفيد كل منتم إلى هذه المجموعة من امتيازات لا تعد ولا تحصى، مثلما يحدث تماما داخل المجتمع الديني السياسي للجماعة.

في مجموعة آل سوس، لا يختلف الأمر كثيرا، يكفي أن ينشئ تاجر سوسي، ولو كان بسيطا، تجارته ليحضر إليها «اولاد لبلاد»، ويساعدوه في إدارتها، يقرضهم المال، يوفر لهم السكن، ويقرضونه وفاءهم، وإخلاصهم له باسم القبيلة والأعراف.

الأمر  نفسه تجده في أبناء الأطلس المتوسط، وأبناء الصحراء، لكن يبقى السؤال هو: هل بهذه القبلية، وبهذا الانتماء الديني، يمكن بناء دولة حديثة في المغرب؟ طبعا لا يمكن، لأن أساس الدولة بمفهومها الحديث هو المساواة بين كل المواطنين بدون أي استثناء مهما كانت مرجعيتهم الدينية، أو انتماؤهم الحزبي، أو لون بشرتهم، أو جنسهم، أو طبقتهم الاجتماعية، أو حتى ميولاتهم الجنسية. وإذا أردنا تطبيق هذا على المغرب، سنجد أن هذا المفهوم لا يمكن أن يطبق مادام رئيس الحكومة نفسه، لا يجد ضررا في الوفاء لمبادئ حزبه الاقتصادية، واعتماد نظام «دارت» داخل حزب لا يقبل بتعميم «دارت» إلا بين أبناء الحزب. فكيف يمكن أن يطبق مفهوم الدولة الحديثة مادام رئيس الحكومة اول من لا يحترم هذا المفهوم؟ وهذا هو مربط الفرس في هذه الضجة حول «فيلا دارت»، ليس أن العثماني اقتناها بهذه الطريقة كما قيل، ولكن لأن رئيس الحكومة استفاد من نظام اقتصادي داخلي يمنع الاستفادة منه على باقي المواطنين غير المنتمين للحزب، وهو ما يعتبر، حسب معايير الدولة الحديثة، إقصاء وتمييزا يعاقب عليه.

إلى ذلك الحين، الذي نستوعب فيه سبب هذا النقاش، يمكنكم الاكتفاء بالاستماع لأم كلثوم وهي تغني «ودارت الأيام».

 

 

نافذة

مربط الفرس في هذه الضجة حول «فيلا دارت»، ليس أن العثماني اقتناها بهذه الطريقة كما قيل، ولكن لأن رئيس الحكومة استفاد من نظام اقتصادي داخلي يمنع الاستفادة منه على باقي المواطنين غير المنتمين للحزب، وهو ما يعتبر حسب معايير الدولة الحديثة إقصاء وتمييزا يعاقب عليه.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى