شوف تشوف

اقتصادالرئيسيةخاصسياسية

«Sunrise» العملاق الصيني في صناعة النسيج يستثمر في المغرب

فرصة استراتيجية بدعم الوكالة المغربية لتنمية الصادرات لتعزيز السيادة الصناعية

في ظل التوترات التجارية العالمية، وإعادة تشكيل سلاسل القيمة الدولية، يتسابق الفاعلون الصناعيون للبحث عن بدائل موثوقة ومستدامة. في هذا السياق، يبرز المغرب كلاعب واعد، يستثمر موقعه الجغرافي الاستراتيجي، واستقراره السياسي، والبنية التحتية المتطورة لجذب الاستثمارات الصناعية، وخاصة في قطاع النسيج.

 

لمياء جباري

 

لطالما كان قطاع النسيج المغربي يعتمد على نموذج المناولة، حيث يلعب دور المصنع لصالح علامات تجارية أجنبية. غير أن التحديات الجديدة التي تفرضها السوق العالمية، والطلب المتزايد على منتجات مستدامة وذات قيمة مضافة عالية، فرضت على هذا القطاع إعادة النظر في نموذجه التقليدي.

التحول نحو الإدماج الصناعي الكامل أصبح اليوم أولوية وطنية. ويشمل هذا الانتقال تعزيز قدرات الإنتاج المحلي في مختلف حلقات سلسلة القيمة، بدءا من التصميم والبحث والتطوير، وصولا إلى التصنيع والتوزيع. هذا التحول لا يهدف فقط إلى تحسين التنافسية، بل أيضا إلى ترسيخ السيادة الصناعية وتقليل التبعية للأسواق الخارجية.

 

«صنرايز» الصينية.. استثمار استراتيجي يعيد رسم المشهد

في خطوة تؤكد جاذبية المغرب المتزايدة، أعلنت شركة «صنرايز» الصينية، أحد أكبر الفاعلين العالميين في صناعة النسيج، عن دخولها السوق المغربية. هذا الاستثمار يمثل نقطة تحول محورية، ليس فقط من حيث الحجم، بل بالنظر إلى ما يحمله من دلالات استراتيجية. اختيار المغرب من طرف فاعل عالمي بحجم «صنرايز» يعكس ثقة متزايدة في بيئة الأعمال المغربية، كما يكرس مكانة المملكة كوجهة بديلة ومنافسة لأسواق تصنيع تقليدية، مثل المكسيك وبلدان شرق آسيا. ولا يقتصر أثر هذا المشروع على خلق فرص العمل فقط، بل يشمل نقل التكنولوجيا، وتكوين الكفاءات المحلية، وتحفيز سلاسل التوريد الداخلية.

 

هل يكون حضور «Sunrise» محفزا لنهضة قطاع النسيج؟

بين رهانات العولمة الجديدة والتحولات الصناعية، يبرز المغرب كفاعل حاسم في إعادة تشكيل خارطة التصنيع والنسيج العالمية، مستندا إلى موقعه الاستراتيجي ورؤية اقتصادية متقدمة. في هذا السياق، يشكل استقرار العملاق الصناعي الصيني «Sunrise» على الأراضي المغربية نقطة تحول كبرى، قد تُعيد إحياء قطاع النسيج الوطني وتنقله إلى جيل جديد من الإنتاج والاندماج الصناعي.

 

 

استثمار هيكلي يعيد التوازن إلى سلسلة القيمة الوطنية

تُعد مجموعة «Sunrise» الصينية فاعلا عالميا رائدا في إنتاج ألياف البوليستر، وهي مادة أولية أساسية تغيب حاليا عن سلسلة إنتاج النسيج المغربية. وقد قررت المجموعة استثمار2.3  مليار درهم في مشروع متكامل يتوزع على مدينتي فاس (للغزل والنسيج) والصخيرات (للملابس الجاهزة). يُعد المشروع الجديد لإنتاج ألياف البوليستر محليا خطوة محورية نحو تعزيز استقلالية قطاع النسيج الوطني، حيث تتجاوز أهدافه حدود التصنيع التقليدي لتلامس رهانات استراتيجية عميقة. ويهدف هذا المشروع إلى سد فجوة حيوية في منظومة النسيج من خلال توفير ألياف البوليستر محليا، ما يقلص بشكل كبير الاعتماد على الواردات القادمة من آسيا ومنصات التوريد الأوروبية، والتي تمثل حاليا ما يقارب 90 في المائة من حاجيات السوق. كما يُسهم المشروع في خفض تكاليف النقل والآجال الزمنية، مما يعزز من قدرة الصناعيين المحليين على التكيف والاستجابة السريعة للطلب. وإلى جانب ذلك، يُتوقع أن يُحدث هذا الاستثمار منظومة صناعية مندمجة، ترسخ أسس السيادة الاقتصادية وتدعم دينامية التصنيع المحلي، بما يمكن من خلق قيمة مضافة وطنية وتنمية سلاسل إنتاج مستدامة.

ويمثل مشروع«Sunrise»  أكثر من مجرد وحدة صناعية جديدة؛ إنه ركيزة استراتيجية ضمن رؤية شاملة لبناء منظومة صناعية وطنية متكاملة، ومندمجة ومستدامة. وإذا ما تم تأطير هذا المشروع ومواكبته ضمن مقاربة تنموية بعيدة المدى، فإنه قد يشكل اللبنة الأولى في مسار تحويل المغرب إلى قطب عالمي لصناعة النسيج المستدام والذكي، القادر على مواجهة تقلبات السوق العالمية ومنافسة القوى الصناعية الكبرى.

 

 

اتفاقيات استثمار كبرى.. أثر اقتصادي واجتماعي ملموس

في خطوة تؤكد التوجه الاستراتيجي نحو تعزيز التصنيع المحلي وتقوية استقلالية الاقتصاد الوطني، تم يوم 20 مارس 2025 التوقيع الرسمي على اتفاقية استثمار كبرى، تحت إشراف رئيس الحكومة، لإطلاق مشروع رائد في إنتاج ألياف البوليستر محليا. ويجسد هذا التوقيع الأهمية الكبرى التي يوليها المغرب لتطوير منظومته الصناعية في قطاع النسيج، بما يتماشى مع الرهانات الاقتصادية الكبرى للمملكة. ويتوقع أن يُحدث المشروع دينامية اقتصادية واجتماعية واسعة، حيث سيوفر نحو 7,000 منصب شغل مباشر، إلى جانب 1,500 فرصة عمل غير مباشرة، خاصة في المهن التقنية واللوجستية التي تشهد طلبا متزايدا. كما يُعول عليه في نقل الخبرات وتكوين كفاءات وطنية في تخصصات دقيقة، مما يساهم في بناء قاعدة بشرية مؤهلة تواكب تطورات الصناعة الحديثة.

إلى جانب ذلك، يسعى المشروع إلى تحفيز النسيج الصناعي الوطني من خلال تطوير شبكة من الموردين المحليين القادرين على احترام المعايير الدولية، وهو ما من شأنه أن يُعزز تنافسية المقاولات المغربية. كما يُرتقب أن يساهم في الرفع من حجم الصادرات الوطنية، من خلال إنتاج مواد ذات قيمة مضافة موجهة نحو أسواق أوروبا وأمريكا وإفريقيا، ما يدعم موقع المغرب كمركز صناعي ولوجستي استراتيجي على الصعيدين الإقليمي والدولي.

 

المغرب منصة صناعية مقاومة في عالم متعدد الأقطاب

في ظل تزايد اضطرابات سلاسل التوريد والتوترات التجارية على المستوى العالمي، تتجه كبريات الشركات الصناعية نحو نماذج إنتاج أقرب وأكثر استقرارا. وفي هذا السياق، يبرز المغرب كوجهة مثالية، بفضل موقعه الجغرافي الاستراتيجي ومرونته في التكيف مع التحولات، مما يُمكنه من لعب دور محوري في التدفقات التجارية بين أوروبا، إفريقيا، وأمريكا. ويُعزز هذا التموقع عدد من العوامل الحاسمة، من ضمنها بنية تحتية متقدمة تشمل موانئ عالمية ومناطق صناعية مندمجة، إلى جانب توفر رأسمال بشري عالي التأهيل في مجالات الصناعات التحويلية واللوجستية. كما يُعد الاستقرار الاقتصادي والسياسي والتشريعي الذي تنعم به المملكة من أبرز عوامل الجذب للاستثمار طويل الأمد، في ظل إطار تحفيزي مرن يواكب المستثمرين في مختلف مراحل مشاريعهم. هذا التموقع المتقدم يجعل من المغرب خيارا استراتيجيا للصناعيين العالميين الذين يبحثون عن بدائل موثوقة ومستدامة في بيئة اقتصادية تتسم بالتقلبات.

 

دور محوري للوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات

استقرار مجموعة «Sunrise» بالمغرب لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة عمل استباقي قادته الوكالة المغربية لتنمية الاستثمارات والصادرات عبر دبلوماسية اقتصادية ذكية. وشمل هذا العمل تنظيم بعثات استكشافية إلى الصين، لتحديد احتياجات المصنعين وربطها بالإمكانات المغربية؛ الترويج لمزايا المغرب التنافسية، من سرعة التصدير إلى جودة البنية التحتية والكفاءات البشرية؛ تحليل سلاسل الإنتاج وتحديد الحلقات المفقودة فيها، ثم استقطاب الفاعلين القادرين على سدها؛ بناء شراكات استراتيجية تُسهم في تحول بنيوي لمنظومة الصناعة الوطنية. وتُعد «صنرايز» واحدة من ثمار هذه الاستراتيجية، لكنها تمثل نموذجا يحتذى به في جذب الاستثمارات الصناعية المندمجة والمستدامة. يراهن المغرب، من خلال هذا النوع من المشاريع، على نقلة نوعية في النموذج الصناعي الوطني، خصوصا في قطاع النسيج، عبر: الانتقال من منطق المناولة إلى التصنيع الكامل عالي القيمة المضافة؛ بناء منظومة إنتاج متكاملة تشمل المواد الأولية، والتصنيع، والتوزيع؛ تعزيز السيادة الصناعية وتقليص التبعية للخارج؛ رفع تنافسية المنتجات المغربية وفق المعايير العالمية الجديدة للاستدامة، والتتبع، وسرعة التسليم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى