
النعمان اليعلاوي
شهدت سلا، مساء أول أمس الأربعاء، أحداثا دامية وغير مسبوقة، بعدما اندلعت أعمال شغب واسعة النطاق على مستوى حي الأمل وعدد من الأحياء المجاورة، الأمر الذي أدخل المدينة في حالة استنفار أمني كبير. فقد تحولت شوارع وأزقة الحي إلى مسرح لمواجهات عنيفة بين مجموعات من الشباب الغاضب وبين عناصر القوات العمومية، ما أسفر عن خسائر مادية جسيمة وحالة من الهلع في صفوف السكان.
وانطلقت شرارة هذه الأحداث مع تجمعات شبابية رفعت شعارات غاضبة واحتجاجية ضد ما وصفته بـ«الأوضاع الاجتماعية الصعبة»، قبل أن تنفلت الأمور عن السيطرة بسرعة، ويتحول المشهد إلى مواجهات مباشرة مع القوات الأمنية. وعمد بعض المحتجين إلى رشق عناصر الشرطة بالحجارة وإضرام النيران في الإطارات المطاطية، فيما ردت قوات مكافحة الشغب والقوات المساعدة بمحاولات تفريق الحشود وإبعادها عن الشوارع الرئيسية.
ولم تتوقف المواجهات عند هذا الحد، بل امتدت لتأخذ منحى تخريبيا خطيرا، حيث أقدم عدد من المنفلتين على إحراق سيارتين تابعتين للشرطة كانتا مركونتين بالقرب من حي الأمل، إضافة إلى استهداف ممتلكات عامة وخاصة بشكل ممنهج.
وكان أبرز هذه الأفعال إقدام مجموعة من الأشخاص على اقتحام مؤسسة بنكية تابعة لـ«البنك الشعبي»، بعدما تمكنوا من تحطيم بابها الرئيسي، ثم إضرام النيران بداخلها، مما ألحق أضرارا جسيمة بالمقر. ولم تسلم مؤسسة بنكية أخرى تقع بالشارع نفسه من التخريب والنهب، في مشهد يوضح درجة الانفلات الذي عاشته المدينة تلك الليلة، كما هاجم المحتجون المركز التجاري «كارفور» وقاموا بتهشيم أبوابه الزجاجية وسرقة بعض المحتويات، بالإضافة إلى تخريبهم لوكالة بريد المغرب بشارع ابن الهيثم بمقاطعة لعيايدة.
ووثقت كاميرات الهواتف المحمولة مشاهد الفوضى بشكل مباشر، حيث انتشرت مقاطع مصورة على مواقع التواصل الاجتماعي أظهرت عشرات الشباب وهم يتنقلون في الشوارع بشكل جماعي، بعضهم يحمل الحجارة والعصي، وآخرون يكتفون بالصراخ وترديد عبارات التحدي في وجه القوات العمومية. وتحولت هذه الفيديوهات بسرعة إلى مادة للتفاعل الرقمي، بين من اعتبر ما جرى شكلا من أشكال «الانفجار الاجتماعي»، ومن أدان بشدة هذه الأفعال واعتبرها «تخريبا ممنهجا».
إلى جانب ذلك، سجل حضور تعزيزات أمنية كبيرة قدمت من مدن مجاورة، حيث حلت في سلا وحدات إضافية من قوات التدخل السريع والقوات المساعدة، في محاولة للسيطرة على الوضع الذي خرج عن السيطرة في ساعاته الأولى. ولم تهدأ الأوضاع إلا بعد تدخل هذه القوات بكثافة، حيث تمكنت من تفريق المجموعات المتجمعة وإبعادها عن المؤسسات الحيوية.
وخلال هذه العملية، قامت عناصر الشرطة بحملة اعتقالات واسعة شملت عددا من الشباب المشتبه في ضلوعهم في أعمال الشغب والتخريب. وشوهدت سيارات الشرطة وهي تقل عشرات الموقوفين الذين جرى اقتيادهم نحو مخافر الأمن، قصد التحقيق معهم حول ملابسات مشاركتهم في هذه الأحداث.
لكن الحصيلة لم تقتصر على الخسائر المادية فقط، فقد أكدت مصادر محلية سقوط إصابات متفاوتة الخطورة في صفوف الطرفين، حيث تعرض بعض الشباب لجروح نتيجة التدافع وتبادل الرشق بالحجارة، فيما أصيب عدد من أفراد القوات العمومية بكدمات وجروح استدعت نقلهم إلى المستشفى، لتلقي الإسعافات الضرورية. وقد زاد ذلك من حالة التوتر، إذ سجلت لحظات من الفوضى العارمة بسبب انتشار سيارات الإسعاف في محيط حي الأمل لنقل المصابين.
عدد من سكان الحي عبروا عن استيائهم العميق مما وقع، مؤكدين أن منازلهم لم تسلم من وابل الحجارة التي كان يتبادلها الشباب مع قوات الأمن، كما أن الأطفال والنساء عاشوا لحظات رعب حقيقية، بسبب كثافة المواجهات. وقال بعضهم إن «ليلة الأربعاء كانت أشبه بكابوس لم تعرفه سلا منذ سنوات طويلة»، حيث انتشرت النيران في الشوارع وارتفعت أعمدة الدخان، فيما عمت أصوات الانفجارات الصغيرة الناتجة عن حرق الإطارات والأجسام البلاستيكية.
ومن اللافت أن هذه الأحداث لم تبق محصورة في حي الأمل فقط، بل امتدت إلى بعض الأحياء المجاورة، حيث جرى تسجيل أعمال عنف متفرقة. ووفق ما رصدته «الأخبار»، فقد سادت حالة من التوجس بين التجار وأصحاب المحلات، الذين سارعوا إلى إغلاق أبواب محلاتهم، خوفا من أعمال نهب محتملة، فيما فضل الكثير من المواطنين التزام منازلهم وعدم الخروج تجنبا للمخاطر.
ويأتي هذا التصعيد الخطير في وقت تعرف فيه عدد من المدن المغربية الأخرى موجات احتجاجية متفاوتة الحدة، وهو ما يثير التساؤلات حول خلفيات هذه الأحداث، وطبيعة التنسيق بين مجموعات الشباب التي تنخرط في مثل هذه الأعمال. ففي الوقت الذي يرى فيه البعض أن هذه الأحداث تعبير عن احتقان اجتماعي متراكم، يذهب آخرون إلى اعتبارها سلوكا غير مسؤول يهدد الأمن العام والسلم الاجتماعي، ويعطي ذريعة لاستهداف ممتلكات الدولة والخواص دون مبرر مشروع.
وبالرغم من أن التدخل الأمني نجح في إعادة الهدوء نسبيا إلى شوارع سلا مع اقتراب منتصف الليل، إلا أن آثار ما وقع ستظل راسخة في ذاكرة السكان، الذين لم يتوقعوا أن تشهد مدينتهم ليلة دموية بهذا الشكل. فالخسائر المادية كانت واضحة، لكن الأخطر تمثل في إحساس السكان بانعدام الأمن والأمان داخل فضاءاتهم القريبة، وهو ما من شأنه أن يترك أثرا عميقا على صورة المدينة في المدى القريب.





