
في معالجة الأزمات والمشاكل وتراكمات الخروقات القانونية وتطبيع فئة من المواطنين معها، وارتباطها بشكل مباشر بالسلم الاجتماعي ومواجهة كافة التحديات المستقبلية بالمغرب، لا بد من العودة للتركيز على استراتيجية الاستباقية في تنزيل الحلول الناجعة والانطلاق من الدراسات الميدانية وملامسة الحقيقة، عوض الارتباك وانتظار المجهول والتغاضي عن تنامي المشاكل وتقاذف المسؤوليات، ليتم بعدها التدخل المتأخر لمعالجة النتائج وسط مخاطر التراكمات وتعقيدات التنزيل.
مناسبة الكلام أعلاه هي الارتباك الذي رافق تنزيل قرار مراقبة سرعة الدراجات النارية للحد من الفوضى والعشوائية التي يشهدها قطاع بيعها واستغلالها والتعديلات غير القانونية، خاصة وتسجيل ارتفاع مهول في عدد الدراجات النارية المحجوزة من قبل السلطات الأمنية التي تنحصر مهامها في تنفيذ القرارات، وتطورات الملف التي سارت بشكل متسارع، وانقلبت من عملية إصلاح وتطبيق القانون إلى خلق جو من الاحتقان الاجتماعي وجدل غياب أرضية التنزيل والركوب السياسي.
وحسنا فعلت رئاسة الحكومة عندما تدخلت في الوقت المناسب وأعطت تعليماتها لوزير النقل واللوجستيك من أجل توقيف حملة مراقبة سرعة الدراجات النارية، ومنح مهلة ما بين ستة أشهر وسنة كاملة لملاك الدراجات النارية، من أجل تسوية وضعيتهم القانونية، هذا إلى جانب استنفار كافة المؤسسات المعنية لمراقبة عمليات الاستيراد ومدى احترام الشركات المواصفات المطلوبة وحماية حقوق المستهلك.
ولكي لا يتحول الملف الحساس بفعل التراكمات والتغاضي عن حل المشاكل في مراحلها الأولى، إلى حلبة مبارزة فيها المنتصر والذي يحس بمرارة الانهزام، يجب الاتفاق أولا على أن فوضى الدراجات النارية لا يمكن لعاقل أن يكون إلى جانب التغطية عليها أو دعمها أو ركوبها انتخابويا، إذ يكفي ما تسببت فيه من حوادث سير مميتة وإصابة الجرحى بعاهات مستديمة والضحايا جلهم من الشباب الذي يعول عليه لحمل المشعل والمساهمة في البناء والتنمية.
لذلك فإن معالجة فوضى دراجات الموت يجب أن تتم وفق خلق أرضية قابلة لتنزيل القانون وردع المخالفين، دون أن يمس ذلك من يستعملون وسيلة النقل المذكورة في التنقل للعمل أو التوصيل أو مشاريع مختلفة تضمن مداخيل لتغطية المصاريف اليومية، ومنحهم مهلة كافية لمعالجة الخروقات مع التوعية والتحسيس بأن الهدف الأسمى من العملية يتعلق بحماية حياة وسلامة الناس وأصحاب الدراجات النارية ضمنهم طبعا.
إن الجدل، الذي صاحب قرار مراقبة سرعة الدراجات النارية، يظهر الحاجة لتحرك كافة القطاعات الحكومية والجماعات الترابية والسلطات، كل من موقعه، من أجل التفاعل الاستباقي مع المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والخروقات والتجاوزات المرتبطة بالتحولات المحلية والعالمية، وليس انتظار التراكمات والتطبيع مع التجاوزات لتصبح معممة ويصعب اجتثاثها وتتحول إلى أداة ركوب واستغلال حسب الأجندات والأهداف، وكما يُقال دائما فالنصوص القانونية في تنزيلها كالجسد الذي يحتاج إلى التمرين المستمر للمواكبة والحفاظ على اللياقة والنفس العميق، ومتى كان الخمول والترهل كان التحرك صعبا وشاقا وظهرت معه مؤشرات التخلف عن الركب وصعوبات التنزيل، فهل من ملتقط للرسائل ومتفاعل معها في جميع المجالات وليس ملف الدراجات النارية والفوضى المرتبطة بها فقط؟





