حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

شوف تشوف

الرأيالرئيسية

ظاهرة الخوارج والحشاشين والقرامطة

في 18 يونيو 2004م قام مجموعة من الإسلاميين المتشددين في الرياض، عاصمة السعودية، بذبح الأمريكي جونسون من الوريد إلى الوريد، ثم قطعوا رأسه مثل الخروف، وبعد ذلك قاموا بنشر عملية الذبح عبر الإنترنت.

وهذه الحادثة تحتاج أن توضع للدراسة السيكولوجية المتأنية، كما نفعل في المخبر بأخذ عينة من دم المريض، بمقدار بضعة سنتيمترات، للتأكد من إصابته بالتهاب الكبد الوبائي.

والحكومات في العادة لا تقاوم الجرثوم المسبب للمرض، بل تعالج الحرارة بخافضات الحرارة. وهي معالجة مقبولة في الطب ويفعلها الأطباء، ولكنهم يسمونها معالجة عرضية وليست سببية.

وعندما ترتفع حرارة الرضيع إلى ما فوق الأربعين درجة مئوية، يصبح وضع الدماغ حرجا، فيجب إنزال الحرارة بكل وسيلة ممكنة، بما فيها الوسائل البدائية، التي كانت تفعلها جداتنا بوضع الثلج على الرأس.

 وعندما اصطاد رجال الأمن بضعا من هذه الخلايا السرطانية المتمردة على المجتمع فلا بأس، ولكن معالجة القتل بالقتل وإرهاب الأفراد بإرهاب الدولة تضبط الأوضاع الأمنية، ولكنها لا تخلص من البؤر الجرثومية الخطيرة في الثقافة.

وكلام من هذا النوع لا يرضي الحكومات، كما أنه يستثير جماعات التطرف والتشدد، لشعورها أن الطبيب الفعلي وصل إلى الساحة للمعالجة.

والأمراض الاجتماعية مثل الأمراض العضوية، بفارق أن المتسبب في الأولى (وحدات) من (الأفكار)، وأما الكوليرا والحمى التيفية فسببها (وحدات) من (الجراثيم) من ضمات الهيضة وجراثيم السالمونيلا.  

وعندما نزرع في ضمير الشباب ولفترة أجيال (أفكارا) من نوع «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بالغزو مات على شعبة من النفاق»، ومثل «ما ترك قوم الجهاد إلا ضربهم الله بالذل»، ومثل «ومن يتولهم فهو منهم» في الولاء والبراء، فنحن نشكل طاقة تفجيرية يجب أن تجد متنفسا لها.

وأذكر أنني اجتمعت مع مدرس من شباب حزب التحرير الإسلامي، فقلت له: ما الذي منعك من متابعة الطريق؟ قال: أفكار الحزب صحيحة، وأنا جبان. وكان الرجل صادقا وليس كل الناس هكذا.

والشباب لا يحملون مسؤوليات في العادة، وأجسامهم ممتازة، وتقبلهم للأفكار حدي أسود أو أبيض، وهم أسرع للتنفيذ لطهارتهم الأخلاقية وتعلقهم بالمثل. والثورة الإيرانية نجحت بمزيج من حكمة الشيوخ، التي قادت طاقة الشباب إلى المواجهة.

 ومن لم يقرأ التاريخ يدفع ثمنه مضاعفا مع الفوائد المركبة، وقل سيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة الذين من قبل.

وفي تاريخنا هناك نقطة حاسمة كسرت المجتمع الإسلامي ودفعته إلى التشظي، وهي معركة صفين، ونحن نمر عليها في العادة أنها معركة من المعارك، وهي انقلاب في سلم القيم. وأخطر ما حصل فيها تأصيل فكرة مفادها أن هؤلاء قوم دفعوا ثمنها دماء، ونحن يجب أن نمسك ألسنتنا من الخوض فيها، ولا نناقش في مسائل ولت، ظهر ذلك مثلا في كتابات من نوع «العواصم من القواصم».

ولكن مشكلة التاريخ أنه ليس سرد سيرة ذاتية لشخص، مثل علي ومعاوية، بل هو فترة في الزمن تركت آثارها حتى اليوم. وما زال الشيعة حتى اليوم يضربون رؤوسهم بالسلاسل والسواطير، فينهمر الدم ويبكون على الحسين.

وفي معركة صفين حصل أن المجتمع الإسلامي وليس الفرق العسكرية انقسمت عقائديا إلى ثلاثة اتجاهات، أعقبها أن الاتجاه نفسه انشطر إلى عشرات الاتجاهات، وهي ظاهرة كونية فيزيائية واجتماعية، فعندما تنشطر الذرة يتتابع المسلسل إلى درجة الانفجار النووي. وكذلك حال المجتمعات فإنها تنشطر وتنشطر، بدون توقف.

وفي سوريا حاليا طوائف مثل العلويين والدروز والإسماعيليين، وهم نتيجة بعيدة من يوم صفين والاتجاه الشيعي. والأعجب جماعة اليزيديين في جبل سنجار الذين يقدسون «يزيد بن معاوية» ويحتفلون بذكراه. فالتاريخ مهزلة وكوميديا لمن يتأمل، وهو تراجيديا ومحزنة لمن يشعر ويتعاطف.

والمهم فإن ما يحدث هذه الأيام يجعلنا نعيد النظر إلى التاريخ ودراسة تلك الحالات العجيبة في تاريخنا من نموذج الحشاشين، وثورة الزنج والقرامطة والخوارج، فهي كلها إنتاج الثقافة الإسلامية.

وقد يقول قائل إنها انحرافات، ولكن أصحابها يقولون عمن يصفهم بالانحراف إن أولئك هم المنحرفون الضالون، أما هم فهم أهل التقوى وأهل المغفرة على الصراط السوي والمحجة البيضاء لا يزيغ عنها إلا هالك.

والصراع العقائدي حول النصوص ليس له نهاية، ولذلك خلقهم. والسبب في هذا هو البرمجة العقلية وعدم تعرض العقل للمفارقات والاختلافات.

وأمام حادثة الرياض، أو ذبح نيك في العراق مشروع كبير للتعليم في العالم العربي، للدخول في المرحلة الإنسانية. كما خلد التاريخ عصر الفيلسوف إيراسموس وتوماس مور.

وما يحدث من صراع حاليا لا يزيد على تكرار صراع الخوارج والأمويين، والعباسيين والقرامطة. وحتى يبزغ عصر العلم والسلم، فسوف يتساقط الضحايا من الجانبين.

خالص جلبي  

حمّل تطبيق الأخبار بريس: لتصلك آخر الأخبار مباشرة على هاتفك App Store Google Play

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *


زر الذهاب إلى الأعلى