
يسكن الإنسان حلم وظيفة تأسره، أو عمل يجد فيه ضالته، لكن القدر غالبا ما يغير مساره فيقذف به نحو مجال آخر. دائما يتمنى الإنسان تحقيق شغفه في مجال مهني يعشقه، ولكن هذا لا يحدث كثيرا، وهناك عدد من كبار النجوم لم تكن مجالات اشتغالهم تتناسب وأحلامهم، إلا أن المجد رافقهم.
كتبت صحيفة «الأهرام» المصرية أخيرا، سلسلة بعنوان «نجوم لم يحترفوا هواياتهم»، كشفت فيها عددا من هوايات النجوم التي تمنوا أن يشتغلوا في مدارها ولكن القدر غير مسارهم، بل إن كبار نجوم السينما المصرية كانوا يحلمون طول عمرهم بالوقوف في المحاكم للترافع دفاعا عن المظلومين، بعدما قضوا سنوات في رحاب كليات الحقوق، لكن جاذبية السينما كانت أقوى من فصول القانون.
في المغرب، كما في دول أخرى، كثير من المحامين لم يكتفوا بتعلم القانون فقط، بل امتد الأمر بهم إلى دراسة علوم أخرى كالإدارة وإدارة الأعمال والعديد من التخصصات المختلفة، لكن هوايتهم ظلت تمارس جاذبيتها عليهم وتنزع عنهم بذلة الترافع.
يكتسب المحامون فن الخطابة والمقارعة والمحاججة، لتغليب جانب أحد خصوم الدعوى على الآخر سواء كان مدعيا أو مدعى عليه، ويملكون الرغبة في الدفاع، بل إن بعضهم يؤمن بأن الهجوم خير وسيلة للدفاع.
في مجالات الفن والرياضة والأدب يوجد كثير من المحامين يلفتون الأنظار بقدرتهم على التألق خارج ردهات المحاكم، في فضاءات أخرى غير فضاءاتهم.
جيهان.. محامية مغربية في مسابقة ملكات الجمال
قررت المحامية جيهان حدجي تمثيل المغرب في مسابقة ملكات جمال «ميس إيلايت 2023» المقامة في مصر، والتي تعرف مشاركة حوالي 34 متسابقة من بلدان مختلفة حول العالم، يخضعن لسلسة من الاختبارات قبل الإعلان عن اسم الفائزة يوم التاسع عشر من ماي المقبل.
وكشف الموقع الرسمي للمسابقة عن أسماء المتسابقات اللواتي يتنافسن للحصول على اللقب، مبرزا أن نسخة هذه السنة تتميز بمشاركة 34 متسابقة من 34 بلدا من بينها المغرب، فضلا عن: لبنان، الأرجنتين، المكسيك، بلجيكا، مقدونيا، فنلندا، فرنسا، ألمانيا، اليونان، هنغاريا وإيطاليا وغيرها.
وحسب الموقع، فإن لجنة تحكيم هذه المسابقة العالمية تضم كلا من الممثلة المصرية ومقدمة البرامج هيدي كرم، وستيفانو دويهي رئيس «ميس إيلايت»، والممثلة وعارضة الأزياء رزان مغربي، والمصور الفوتوغرافي خالد فدة، والمصمم الفرنسي نبيل يونس، بالإضافة إلى الممثلة اللبنانية غنوة محمود، والممثل السوري يزان السيد، والممثل البريطاني/المصري أمين المصري.
ولأن أعراف المسابقة تفرض على كل متسابقة تقديم نفسها للمصوتين، فقد عرفت جيهان حدجي بنفسها، قائلة «أعتبر نفسي امرأة لديها العديد من الاهتمامات والإنجازات وحتى الأحلام التي يجب تحقيقها. درست شهادتين وركزت على القانون. بعد ذلك، حصلت على درجة الماجستير وأخيرا، حققت حلمي بأن أصبح محامية».
لكن سفيرة المغرب في هذا الحدث لها اهتمامات أخرى، خاصة في مجال الأزياء، ناهيك عن ممارسة «اليوغا» وشغفها بالطبيعة والحيوانات، «أعتقد أن للنساء الكثير من الإمكانيات، ويجب علينا دائماً الانتباه لذلك، أشعر بالفخر لتمثيل بلدي الجميل، وآمل أن أعطي أفضل صورة للمرأة المغربية والعربية بشكل عام».
وسيشرف على تقديم فقرات الحفل الذي سيقام يوم التاسع عشر ماي المقبل بمنتجع سوماباي في مصر، اللبناني رادولف هلال إلى جانب الممثلة ومقدمة البرامج كارلا حداد، وسيكون ضيف شرف هذه النسخة الفنان وليد توفيق الذي سيحيي الحفل النهائي من هذه المنافسة.
وكان موقع المسابقة قد حدد شروط ومعايير المشاركة، وطلب من كل متسابقة التزاما شخصيا بالتميز ودافعا للفوز. «نحن نشجع الشخصيات الأكبر من الحياة، ونحتفل بالجمال الفريد، فنحن منصة للمرأة القوية الشغوفة. إذا كنت رائدة في مجتمعك، فهذه هي المرحلة التي تجعل نورك يلمع أكثر».
ووضع المنظمون بعض المعايير التي يجب أن تتصف بها كل مشاركة، أبرزها الطول الذي يتجاوز مترا وستين سنتيما، والمستوى المعرفي وإجادة لغات عالمية خاصة الإنجليزية، والحس الإنساني من خلال الرغبة في القيام بمبادرات خيرية.
نسرين.. محامية تحولت إلى مراسلة لفضائيات عالمية
اختارت نسرين حشلاف بن سعيد السير على سكتين أو ركوب حبلين، مصرة على الجمع بين عشقين المحاماة والصحافة، رغم أن قواسم مشتركة بين المهنتين، ورغم تضاريس ومنعرجات كل مسار. فقد عملت بنصيحة مدرسيها حين اكتشفوا حضور حس الترافع في دواخلها، فاحتاروا بين الإعلام والحقوق، وحين اشتد عودها انتقلت من صحافية إلى محامية لتصبح أستاذة للقانون في جامعة الملك خوان كارلوس بمدريد.
ركبت نسرين صهوة المغامرة وقررت الجمع بين تخصصي الحقوق والصحافة، وكلما ارتفع منسوب قطاع على حساب آخر، ضاعفت جهودها لتحقيق التوازن المأمول بين رغبتين سكنتا جسدا واحدا.
«حين نلت شهادة الباكلوريا اخترت أن أواصل مشواري في التعليم الجامعي بالقانون والصحافة، وأفلحت في ذلك حين تخرجت من المسارَين عام 2010» تقول نسرين في حواراتها الصحافية.
لا بأس من الرجوع مليا إلى الوراء لتعقب أصول هذه الفتاة، فقد رأت النور في منطقة الريف، وتحديدا بمدينة تارجيست بإقليم الحسيمة، وسط أسرة متعددة الأفراد، قبل أن تهاجر في رحلة عائلية وهي طفلة لا يتجاوز عمرها السادسة من العمر. من مدريد بدأت علاقتها بالمدرسة، ظهرت نوايا الترافع في حياتها حين شاهدت رجال شرطة إسبان وهم يقتادون مهاجرين مغاربة غير نظاميين إلى السجون، فكانت تردد أمام زميلاتها في المدرسة سأصبح محامية لأدافع عنهم، وحين حصلت على الباكلوريا اختارت استكمال دراستها بشعبتي الحقوق والصحافة، وفور تخرجها التحقت بمكتب محاماة وأصبحت أول محامية منحدرة من المغرب تقبل من أجل الترافع أمام الهيئة القضائية للمحكمة الدستورية الإسبانية، إذ تخصصت في مختلف قضايا الهجرة، كما انفتحت أيضا على القضايا الجنائية من باب المساعدة القضائية.
وفي علاقتها بالهجرة ساهمت نسرين في إنجاز مجموعة من الأعمال الصحافية كما اشتغلت كمستشارة في شؤون الهجرة مع عدة قنوات محلية ووطنية، وبرزت أكثر في دفاعها عن نساء الهجرة على وجه التحديد، تقول نسرين في ذات البوح: «اشتغالي بالصحافة سبق احترافي للمحاماة، وإن كنت أقارب ذات القضايا على الواجهتين، إلا أن فتح مكتبي الخاص جاء على حساب الروح الصحافية التي تسكنني».
حصل هذا في مجتمع إسباني مازال يحمل صورة نمطية عن المرأة المغربية تحديدا، والنساء المنحدرات من دول مسلمة بشكل عام، لكن ارتباطها بشبكة من الناشطات المغربيات والعربيات والأوربية عزز موقفها وحولها إلى سيدة المرافعة لفائدة المهاجرين، لا تتردد نسرين في تقديم وصفة النجاح بين عشقين، فقد اختزلته في قوة الإرادة.
رغما عن مسار الهجرة الطويل، إلا أن نسرين حشلاف بنسعيد تصر على شد حبل التعلق بالوطن، لا تتردد في الانخراط ضمن كافة المبادرات التي يكون للمغرب موقع مفصلي ضمنها، فهي عضو بالكتابة العامة لمنتدى المحامين المغاربة والإسبان، وتزور بلدتها مرة أو مرتين كل سنة.
اللاعب الجوباري يجتاز امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة
نجح إبراهيم الجوباري، اللاعب السابق للمغرب الفاسي والاتحاد الزموري للخميسات، في اجتياز امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة. وقال اللاعب السابق ومدرب الشباب الرياضي الأصيلي في تدوينة على منصته التواصلية على «فايسبوك»: «من باب «وأما بنعمة ربك فحدث»، الحمد لله وبفضل منه وتوفيقه نجحت في امتحان الأهلية لمزاولة مهنة المحاماة، وهي المهنة التي أحبها وأتشرف بالانتساب إليها. شكري وامتناني لوالدي وأساتذتي ولكل من كان إلى جانبي».
وتلقى الجوباري عبارات التهاني من المجتمع الرياضي خاصة من جماهير «الماص» والخميسات وأصيلا، واعتبرته نجما في الملاعب ونجما أيضا في جلسات المحاكم. علما أن إبراهيم كان من بين عناصر المجموعة الفاسية التي فازت بالثلاثية التاريخية، كأس الاتحاد الإفريقي وكأس العرش وكأس «السوبر».
وحسب شهادات وتعليقات زملائه، فإن إبراهيم كان يولي للجانب التعليمي اهتماما خاصا وكان يصحب معه في تنقلاته الكروية دفاتره وكتبه ومراجعه، إلى أن تمكن من التتويج الرياضي والحقوقي والصعود مع الإطار الوطني رشيد الطاوسي، إلى منصات التتويج بعد ثلاثية تاريخية جمع فيها هو وزملاؤه المجد من كل أطرافه، بإعادة البسمة والفرحة لقلوب الملايين من المغاربة عامة والفاسيين خاصة.
في مدينة أصيلا، بدأ عشق إبراهيم للرياضة، لكن والده عبد السلام ظل بمثابة فانوس يضيء العتمة، تألق الفتى في رياضات متعددة قبل أن يبرز في الألعاب المدرسية ويتحول إلى نجم في لعبة كرة السلة، لكن جاذبية الكرة كانت أقوى حين تكون في فريق الرجاء الأصيلي وحمل قميص فريق مسقط رأسه وحين اشتد عوده انضم لفريق اتحاد طنجة، هناك بدأت رحلة التألق تحت الأضواء، فأصر المدرب رشيد الطاوسي على استقطابه إلى المغرب الفاسي في تجربة لا تتكرر، لكن الأعطاب ترصدته ومنعته من تحقيق حلم الانضمام إلى المنتخب الوطني، وحين عرض عليه الاتحاد الزموري للخميسات دخول تجربة جديدة لم يتردد.
اعتزل إبراهيم الكرة لاعبا لكنه لم يعتزلها ممارسا ومؤطرا، حيث أشرف على تدريب فريق الرجاء الأصيلي وعمل على جعل التكوين في مجال التدريب طريقا موازيا لطريق المحاماة، قبل أن ينال صفة محامي كامل الأوصاف.
فيرجيس.. محامي عمر الرداد بين المحكمة والخشبة
برز المحامي جاك فيرجيس بشكل ملفت حين عينه الملك الحسن الثاني محاميا مدافعا عن عمر الرداد في ملف «البستاني» الشهير. ظل جاك يردد في المحكمة عبارته الشهيرة «لقد وجدتم المتهم المثالي الذي يوفر عليكم مشاق التقصي. إنه عربي ومهاجر وفقير، فلماذا تبحثون عن غيره؟». لكن الرجل متيم أيضا بخشبة المسرح، فقد تقمص دور «سفاح المرافعات»، وفي قاعات المحاكم كان يلقب بـ «محامي الشيطان».
لمع نجم فيرجيس أيضا في قضية دفاعه عن جميلة بوحيرد الجزائرية، بعد إدانتها سنة 1957 بالمشاركة في تفجير أحياء أوروبية في مدينة الجزائر خلال الثورة الجزائرية، وساهم محاميها الفرنسي جاك، وهو من أصول تايلندية، في تدويل قضيتها التي حركت الرأي العام الدولي، بعد إصداره لكتاب «من أجل جميلة» الذي تضمن نص محاكمتها، قبل أن يتزوجها بعد مغادرتها السجن ويعملا معا في مجلتي «العالم الثالث» و«الثورة الإفريقية» الصادرتين عن حزب جبهة التحرير الجزائري.
أمضى فيرجيس وقتا غير يسير في بيروت إلى جانب منظمة التحرير الفلسطينية، ثم اختفى لمدة ثماني سنوات. وعاد بعدها بإصدار عمل مسرحي، بل إن بعض أعماله عرضت في مسارح المملكة خاصة مسرحية «مرافع في تسلسل» وتبين أن نداء الخشبة أقوى من نداء المحكمة.
«ليس ثمة في الأمر تناقض، إنها مسرحية، حيث أتحدث عن مهنة المحاماة، والعلاقة ما بين القاضي والنظام القضائي بشكل عام. إن العديد من الزملاء المحامين قد سبق أن وجهوا إلي الدعوة للعب فصول هذه المسرحية في العديد من المناطق في فرنسا»، يقول جاك مبررا الانتقال من المحكمة إلى الخشبة.
وشاء القدر أن يتوفى أكثر المحامين جدلا وشراسة في بيت المسرحي الشهير فولتير، أشهرا قليلة بعد صدور مذكراته بعنوان «من صميم اعترافاتي: ذكريات وأحلام»، التي وثق فيها نضاله في الحزب الشيوعي قبل أن يغادره، وتجربته القضائية في المحاكم مناضلا ضد القوى الاستعمارية تارة، ومدافعا عن النازيين تارة أخرى، محاميا عن القضية الفلسطينية، مدافعا عن الثائر الفنزويلي كارلوس، وصدام حسين، وحتى عن مجرمي الحرب كقائد الخمير الحمر السابق خيو سامفان. هذا التناقض هو الذي جعل من جاك فيرجيس مدرسة في المحاماة قائمة بذاتها.
حين فاز رضا اكديرة بجائزة أحسن ممثل
بعد حصول أحمد رضا اكديرة على دبلوم معهد الدراسات القانونية العليا بالرباط، قرر الشاب ابن المدينة القديمة للعاصمة البحث عن يد تنتشله من المغرب وتساعده على استكمال دراسته الجامعية في فرنسا، سيما بعدما قطع عدد من رفاق دربه الدراسي مضيق البوغاز واستقر بهم المقام في الجامعات الفرنسية، ولأنه كان يعاني من اليتم والخصاص، فقد تحمل عمه العربي تكاليف الرحلة إلى باريس، ومكن ابن شقيقه من تحقيق طموحاته.
مباشرة بعد عودته إلى المغرب، فتح أحمد رضا اكديرة مكتب محاماة بالرباط، بدعم ومساعدة من صديق طفولته رشيد ملين الذي كان ميسور الحال.
بفضل الفقيه محمد الركراكي، المدرس بالمدرسة المولوية، تعرف المحامي الشاب على الملك محمد الخامس ومولاي الحسن في منتجعه الصيفي بإيفران، فتطورت علاقته بولي العهد إلى صداقة قوية كانت بابه الأوسع لعالم السياسة والمناصب الحكومية، قبل أن يساهم في تأسيس أحزاب عديدة مقربة من القصر، أبرزها جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية «الفديك» سنة 1963. وبفضل زوجته لم يأل اكديرة جهدا في الدفاع عن المشروع الليبرالي الذي كان يعني يومئذ تقوية العلاقات مع فرنسا.
اهتم اكديرة بالرياضة وكان يميل أكثر نحو المسرح، وربما كان هذا العامل هو ما ساعده على أداء المرافعات الساخنة في المحاكم، إذ كان معروفا رغم أنه صديق للملك الحسن الثاني، بإمساكه ملفات قضايا شائكة، أولها قضية فضيحة الزيوت المسمومة بمدينة مكناس، في نهاية الخمسينيات. ثم ملف البهائيين سنة 1962، وحتى محاكمة انقلاب الطائرة الملكية، حيث كان مرافعا فيها.
خلال سنوات شبابه الأولى خاصة في نهاية الأربعينات من القرن الماضي، كان الشاب اكديرة مهووسا بكرة السلة والتنس الذي مارسه مع الملك الحسن الثاني، وهو ولي العهد آنذاك، حتى أنه كاد أن يرسب في امتحان الباكلوريا بسبب ولعه الكبير بكرة السلة. بالموازاة مع ذلك تألق رضا في الفن المسرحي وكان مهووسا بمسرح الهواة والمسرح المدرسي، وكان يلجأ إلى ضيعة فلاحية في ملكية ملين والد صديقه رشيد، وبعض السلاويين الشباب، وهناك كانوا يتمرنون على أعمال مسرحية حيث تألق رضا في فن المونولوغ من مسرحيات فرنسية، بل إنه ظل يحتفظ في خزانته بجائزة أحسن ممثل في مهرجان للمسرح المدرسي. لكن اكديرة سيفجر حبه للمسرح وإتقانه للمونولوغ في المحاماة، خاصة وأنه ظل يتبنى القضايا الكبرى.
اشماعو.. ورث مكتب اكديرة وتحول إلى فنان تشكيلي
تعددت مواهب وانشغالات نعيم اشماعو الفهري، لكن اسمه برز في ردهات المحاكم وجعل من ورشة الرسم التشكيلي باحة استراحته كلما أضنته المرافعات. عرف في الوسط الفني بالمحامي الفنان، لكنه أصبح حديث الإعلام حين أعجب ملك البحرين بإحدى لوحاته التي كانت تمثل مغاربة قدامى بالزي الوطني وهم يلعبون الكولف. الصورة ليست من نسج خيال الفنان المغربي، وإنما انطلاقا من صور للسلطان مولاي عبد العزيز، وهو يلعب الكولف، بالزي الوطني.
هذه اللوحة الناجحة سارع لاقتنائها ملك البحرين، الذي فاجأ معرضا للوحات في كولف دار السلام، لكن المفاجأة الأكبر هي حين علم الضيف المغربي أن مبدع اللوحة يمارس المحاماة، أو يقتسم مساحة وقته بين القلم والريشة.
اشماعو، المحامي بهيئة الرباط، يعتبر شخصية لافتة في مجال المحاماة والعمل الجمعوي والرسم التشكيلي على الخصوص، يعرف بالمحامي الفنان، موجود بشكل لافت في كل المنتديات الاجتماعية والفنية بالمغرب، يعشق الرسم والسفر والكولف والشطرنج.
«له قصة عشق خاصة مع الريشة وذكريات مع أهل السياسة والفن.رسم أكثر من 3000 لوحة، وباشر قضايا قانونية كبرى منذ أن ورث مكتب رضا اكديرة مستشار الملك الراحل الحسن الثاني في بداية الثمانينات، وكأنه ورث عنه الفن الذي سكن رضا لسنوات.
من خلال تتبعنا لمساره عبر حوار صحفي، كشف فيه عن المسالك التي أدت به لمدارة تؤدي إلى الإبداع، فقال إنه تخصص في القانون والإدارة، وكان على وشك ولوج سلك القضاء، لكن شاءت الصدف أن يلتقي المستشار الراحل رضا اكديرة ويكون ضمن المتدربين في مكتبه، «اختارني بعدما لمس في استعدادا للعمل والتعلم، بدأت معه في أوائل السبعينات واستمر المشوار بعد مماته، حيث ورثت مكتبه، أما الفن فجاء فعلا بمحض الصدفة، حينما حضرت مهرجانا عالميا للرسم بدوسلدورف، اكتشفت سحر الرسم وأثيرت شهيتي لهذا الفن فقررت دراسته في باريس، كنت أجتهد كثيرا لأن آخذ دروسا في تقنيات الرسم بتركيز، ولدي دبلوم أكاديمي من باريس عام 2012 بمعية فنانين كبار وكنت من بين الخمسة الأوائل». يقول نعيم في حوار صحافي.
كانت للمحامي اشماعو اهتمامات رياضية خاصة بلعبة الكولف التي استهوته كثيرا، واعتبرها رياضة روحية، كما مارس الفروسية وظل حاضرا بقوة في ملاعبها، إضافة إلى لعبة الشطرنج التي حرص على تنظيم ملتقيات كثيرة في هذه الرياضة الذهنية.
الرياحي.. قاض ومحام عشق الفن والشعر وكتب السيرة
يقول نور الدين الرياحي، القطب القانوني الشهير، في إحدى تدويناته: «كنت رغم صغر سني أمكث كثيرا في مكتبة الكتب الصفراء. ومكنني هذا الاطلاع المبكر من أن أجد قدوتي في العلماء والكتاب والأدباء، ومن بينهم كبار القضاة والمفكرين والأدباء والشعراء، وقرأت لهم وكتبت عنهم وما زلت».
حين كان قاضيا دخل غمار الكتابة الأدبية، حين كتب أول سيرة عن قاضٍ نزيه، رئيس النيابة العامة بالدار البيضاء، في أربعينيته، كان له الفضل في تكوين الرياحي وزملائه، اختار له عنوانا مرتبطا بالذكرى: «في ذكرى المكي نوشريف»، «لقي إقبالا كبيرا سنة 1989 وخصصت مداخيله لإكمال أداء بقعة أرضية لم يجد ورثته في حسابه ما يكملون بها أداء ثمنها لمسؤول قضى ما يزيد عن خمسين سنة في خدمة الدولة في أعلى المناصب القضائية، وكان إلهاما لي في سن مبكر أن أكتب هذه السيرة لأول مرة في المغرب عن قاض».
يبرر الرياحي نزوعه نحو الفن والأدب، فيقول: «في زمن الحروب والجوائح والأزمات يفر الإنسان إلى ربه، وإلى الفن والشعر لعله يجد ملجأ من ملاجئ القلوب المرهفة عوض ملاجئ الحرب والدم، محرابا يصلي فيه بقلبه وشعوره ويتمنى في جو ماطر أن يكون صباحه صوت المحبات والمحبين، فالقلب الأنيق هو من يختار روحا أنيقة تسكنه، ويتمنى أن يكون وطنا وجسدا لهذه الروح التي غالبا ما كانت وطن الشعراء والأدباء والفنانين والعاشقين».
لكن الكثير من المتتبعين لمسار الرياحي لا يعرفون شخصية الشاعر التي تسكنه، بل إن الصدف شاءت أن يكشف عنها في ندوة رياضية لا علاقة لها بالشعر والشعراء، وتحديدا في مناظرة نظمتها البطلة المغربية العالمية والوزيرة السابقة نوال المتوكل، قبل 12 سنة، حين قدم عرضا حول إشكالية القانون والرياضة، في قاعة الندوات التابعة لمؤسسة الملك عبد العزيز آل سعود وسط المهتمين بالرياضة والقانون، من كتاب وصحافيين وقضاة ومحامين وأبطال رياضيين. وسط هذا الفضاء فاجأ الرياحي الحاضرين حين جادت قريحته الشعرية بقصيدة مرتجلة تخللتها شهادة في حق اللاعب الدولي الدولي الكبير المرحوم عبد السلام عاطف.
حكام في الملاعب مرافعون في المحاكم
كان الفرنسي جول ريميه صاحب فكرة مونديال كرة القدم، وهو من مواليد 14 أكتوبر 1873، محاميا ارتبط اسمه بالمونديال، حين قدم فكرة لازالت تشد إليها العالم، واستطاع أن يجمع الشعوب حول الكرة مرة كل أربع سنوات. ففي كل بلد كان محاميا يمارس الكرة لاعبا أو حكما، لكن قضاة الملاعب هو القطاع الأكثر استقطابا للمحامين، ليس في المغرب فقط بل في ربوع العالم يكفي التوقف عند سيرة الحكم الدولي المصري الجنسية، أمين عمر الحاصل على «ماستر» في الحقوق ويعمل محاميا إلى جانب عمله في قطاع التحكيم. في المغرب عدد من الحكام الذين قادوا مباريات الدوري المحلي أبرزهم بوشعيب لحرش الحكم الدولي المغربي الذي يجمع بين المحاماة والتحكيم. وهو من مواليد 5 شتنبر 1972، عاش فترة طويلة من حياته في حي ميلان الشعبي. وكان يعد قيد ممارسته من أفضل الحكام المغاربة، لخبرته وقيادته لمباريات هامة قاريا ووطنيا.
التحق بوشعيب بمدرسة التحكيم سنة 1991، وأول مباراة لعبها بالفئات الصغرى سنة 1992 والتي جمعت جمعية الحليب ضد الرجاء، درس الحقوق في جامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء، وظل يجمع بين التزاماته المهنية والرياضية، خاصة بعد أن تحول إلى محاضر، وكان مرشحا لخلافة يحيى حدقة على رأس مديرية التحكيم.
في نفس قطاع القضاء نتوقف عند الحكم منير الرحماني الذي تألق في الملاعب وعرف بصرامته، التحق بالتحكيم سنة 1991، وهو إطار في وزارة العدل، وطبعا هناك أسماء أخرى كالزداني وغيره من الحكام الذين اختاروا الجمع بين المرافعة والكرة.





