شوف تشوف

الرأيالرئيسيةرياضة

معركة أدرار

تسود حالة احتقان بين جماهير الرجاء البيضاوي وحسنية أكادير، تجثم غيمة داكنة على مدرجات الرجاويين والسوسيين أمطرت زمهريرا. كلما اقترب موعد مباراة بين الفريقين حلقت فوق ملعبي دونور وأدرار طيور أبابيل لترمي المناصرين بحجارة من سجيل، وكأن الموعد مع معركة الفيل يتجدد مرتين في السنة.

في مباراة جمعت الفريقين البيضاوي والسوسي، تعطلت قيم الرياضة وبات الثأر في المدرجات أهم من الفوز على رقعة الملعب، ونسي العقلاء تاريخ العلاقات بين الرجاء والحسنية، وفي مباراة للكرة استباح المشجعون قواميس التنكيل وحولوا المدرجات ومحيط الملعب إلى ساحة معركة سلاحها الحجارة الصماء.

انتهت المباراة بفوز الحسنية وهزيمة نكراء للروح الرياضية، وظل آباء وأولياء المعتقلين والمصابين يرابطون أمام المحاكم والمستشفيات. بدأت الحكاية بعبارات عنصرية صدرت من أشباه مشجعين في الدار البيضاء ضد أنصار الحسنية، وتحولت القضية من نزاع مدرجات إلى صراع تيارات.

لا يعرف الجمهور الناشئ أن للرجاء والحسنية تاريخا مشتركا، وأن أغلب حكماء الرجاء الرياضي من أبناء سوس العالمة، بدءا بامحمد أوزال وحميد الصويري، بل إن عبد الله غلام، الرئيس السابق للرجاء، ظل وصيا على إشعاع الثقافة الأمازيغية من خلال منصبه كرئيس لجمعية تميتار، ناهيك عن محمد حصاد، وزير الداخلية السابق، الذي كان يوزع عشقه الكروي بين الرجاء والحسنية، وعثمان الفردوس، وزير الرياضة السابق، المنحدر من عائلة رياضية سوسية وتحديدا من حي أكرض أوضاض بمدينة تافراوت، حيث سبق لوالده عبد الله أن تحمل مسؤولية رئاسة فريق الرجاء الرياضي، وظل يطوي المسافات من أجل تشجيع الرجاء والحسنية. فضلا عن متعاطفين سوسيين جعلوا من الرجاء معبدهم كناجم أبا عقيل وسعيد الضور الذي أصبح ابنه الرجاوي بالوراثة رئيسا لحسنية أكادير.

في زمن مضى، كان جسر يربط الحسنية بالرجاء، وكانت علاقات الجماهير يطبعها الود بل إن حضور الحسنية إلى مركب محمد الخامس، يغلق المحلات التجارية في درب السلطان، ويجعل المدينة تعيش شبه إضراب.

في زمن مضى، كان لحسنية أكادير «سفير» اسمه الكابوس، عينه جمهور الحسنية راعيا لمصالحها الكروية في العاصمة الاقتصادية، ونسج علاقات ود مع جماهير الرجاء والوداد.

لكن البداية الحقيقية للاحتقان كانت في عهد الرئيس السابق عبد الله أبو القاسم، الذي أصر على اللعب ضد الرجاء في مسابقة كأس العرش، ولم يسمح للفريق البيضاوي بالتقاط الأنفاس وتأجيل المباراة وهو العائد من رحلة إفريقية شاقة، رفض أبو القاسم كل الملتمسات ورفض حميد الصويري خوض المباراة، حينها بدأت أولى شرارات الغضب.

انسحب صناع الفرجة وحكماء الكرة من المشهد الكروي وسلموا الوديعة لحكام المدرجات فحولوها إلى جبهة قتال، بعد أن زرعوا في أحشائها ألغاما قابلة للانفجار مع كل صافرة منفلتة، حينها أصبح الثأر عنوانا لمباريات الكرة التي لا تسلم من الأذى حتى يراق على جوانبها الدم.

من يقرأ الكتاب التوثيقي: «العصاميون السوسيون في الدار البيضاء»، وهو من تأليف الدكتور عمر أمرير، سيتوقف عند ثلاث وثلاثين شخصية سوسية عصامية، برزت في مجالات الفكر والتجارة والسياسة والفن والكرة في العاصمة الاقتصادية للمملكة. بين صفحات هذا الكتاب يستوقفك اسم مؤسس الوداد وباعث الرجاء محمد بلحسن العفاني، الملقب بـ«الأب جيكو»، الرجل الذي قضى حياته بين أقا وتارودانت والدار البيضاء. كان هبة وادي سوس للكرة البيضاوية وصانع مجدها.

رجاء لا تعبثوا بتاريخ علاقات راسخة في التاريخ، لا تجعلوا الانتصار والهزيمة في مباراة للكرة فرصة لتفريغ الأحقاد، لا تعلموا أبناءكم دروس الانتقام والضغينة، فالفتنة اليوم نائمة في المدرجات وصفحات منصات التواصل الاجتماعي المزيفة، أخشى أن يوقظها سلوك منفلت.

حسن البصري

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى