شوف تشوف

الرأي

ريع بطعم التربية

المصطفى مورادي
تنكب وزارة التربية الوطنية، الآن، على وضع تصور جديد للقطاع الخاص، وذلك تطبيقا لما جاء في القانون الإطار. والأمل هنا هو أن تتم محاصرة بعض أشكال التسيب التي يعرفها هذا القطاع، الذي أضحى العنوان الأبرز للريع. فالدولة تعرف أنها عاجزة عن استقبال آلاف التلاميذ والطلبة الذين يدرُسون في التعليم الخاص، لذلك أعفت المقاولات التربوية من الضرائب وحوّلتها إلى شريك، بل وتغض الطرف أحيانا كثيرة عن تجاوزات خطيرة، تبدأ تارة بالتجاوزات الموجودة في البنية التحتية. ويكفي القول إن ثلثي بنايات المدارس الخاصة في المغرب هي عبارة عن شقق تم بناؤها للسكن و«اجتهد» أصحابها في رسم شخصيات كرطونية على جدرانها، لا غير.. وقد لا تنتهي هذه التجاوزات بالطاقم الإداري والتربوي العامل في هذه المؤسسات.
ولأنه يسهل على أي «مستثمر» الحصول على ترخيص بفتح مدرسة خاصة من طرف المصالح المعنية، إذا عرف «نوعية القهوة» التي يفضّلها المسؤول، فإن التجاوزات التي تتم في مستوى الطاقم التربوي والإداري تتم غالبا بتزوير الوثائق المُقدَّمة عن هذا الطاقم للجهات المشرفة: تضخيم عدد الساعات المسندة للعاملين الرسميين وكذا تضخيم رواتبهم. وفي المقابل، التستر على عدد ساعات عمل أطر التعليم العمومي العاملين لديها والتستر على رواتبهم..
يتعلق الأمر بمقاولات أغلبها ريعية، تربح دون ضرائب ودون التزام تجاه أزمة العطالة، التي يعرفها هذا البلد، مستفيدة من أطر «جاهزة» تكونت واكتسبت خبرة في مؤسسات الدولة، أطر ملتزمة بالاجتهاد والالتزام اللامشروطين بعملها في هذه المؤسسات، مقابل «الانخراط» اللا مشروط في «إضرابات» التعليم العمومي مع أي نقابة مهما كانت مطالبها وانتماؤها.. وفي المقابل، لا تبذل أيَّ مجهود للوفاء بالتزاماتها تجاه مدرسيها الرسميين، سواء في التكوين أو التحفيز المادي والاجتماعي، مع أن حجم الرأسمال الذي تروّجه هذه المدارس قادر على الإسهام الفعلي في حل معضلة البطالة في صفوف حاملي الشهادات.
ولأن هذا المجال هو من القلاع الحصينة للسيبة والفوضى، فإن بعض «الأذكياء» من أطر التعليم العمومي أنفسهم لجؤوا إلى الاستثمار في التعليم الخاص، تحت مسمى الجودة والشراكة، دوما، فأنشؤوا شيئا سموه «مراكز اللغات»، مع أنها مجرد شقق صغيرة مُجهَّزة بكراسٍ كالتي نجدها عند حلاق الدرب. تُنظَّم فيها حصص للساعات الإضافية العشوائية. إذ يُحضر الأستاذ تلامذته من المدرسة العمومية تحت ضغط النقطة، وآخرون، هم نقابيون يساريون يحلمون ليل نهار بشيوعية لا تُبقي ولا تدر.. آثروا الانضمام إلى قائمة مصاصي دماء أبناء الشعب.. فاستثمروا في الأقسام التحضيرية، لذلك يصل دخل كل واحد منهم مئات الملايين صافية سنويا.. وهم للإشارة يُشكّلون جوقة لها لحنها الخاص في البيانات المنددة بلاوطنية ولا شعبية الدولة.
يتعلق الأمر ببعض أصحاب المدارس الخاصة، الذين حوّلوا مؤسسات تربوية إلى «فنادق» متباينة الخدمات. فكما أن هناك فنادق في باب مراكش في الصويرة بثلاثين درهما لليلة الواحدة، فإن هناك فنادق في المدينة نفسها بألف درهم لليلة الواحدة، «أنت وْجيبْك».
إننا نتكلم عن آلاف الساعات غير المُرخَّص بها سنويا، حيث يلجأ بعض المستثمرين في هذا القطاع إلى تزوير الوثائق الرسمية، كأن تجد مدرس التعليم العمومي يدرس 6 ساعات على الورق و20 ساعة في «النّْوارْ».. أما كيف يتم ذلك فإن مديري المدارس الخصوصية يستقدمون عاطلين بعقد عمل يتضمن التدريس لـ24 ساعة، مثلا، في حين أنهم يدرسون 8 فقط، والباقي يعطى لمدرّس عمومي بناء على رغبة التلاميذ وآبائهم..

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى