
قال أجدادنا المغاربة “الذئب حرام، ومرقتو حلال” وهو المثل الشعبي الذي ينطبق على ما تعيشه الساحة السياسية المغربية هذه الأيام من مفارقة غريبة تكشف اختلالًا عميقا في منطق تحمل المسؤولية داخل التحالف الحكومي، حيث اختار بعض وزراء حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة المشاركين في الحكومة، في عز الأزمة والاحتجاجات الاجتماعية، الحديث بقبعتهم الحزبية عوض الظهور كمسؤولين حكوميين واجبهم التفاعل مع الاحتجاجات وطرح الحلول الناجعة وليس محاولة الركوب الانتخابوي والعين على حكومة المونديال.
إن ما قام به بعض الوزراء من قفز مفاجئ من سفينة الحكومة، يثير أسئلة عميقة حول تدبير هذه السنة الانتخابية في غياب الجدية والالتزام في العمل السياسي، والتسبب في إضعاف ثقة المواطن في العمل الحكومي والمؤسسات الرسمية، لأن المنصب الحكومي يعتبر مسؤولية وأمانة لا واجهة سياسية لتلميع الوجوه المستهلكة وإعادة تدويرها، بحيث عندما يقبل وزير ما تولي حقيبة وزارية، فهو يتحمل مسؤولية جماعية داخل التحالف الحكومي سواء في النجاح أو الفشل.
لقد حاول بعض الوزراء الانفصال عن الأداء الحكومي بشكل جاف، في الخطاب الإعلامي الذي يأتي بعد الاحتجاجات الشبابية، وخرج بعض الزعماء السياسيين بمواقف حزبية غريبة موجهة للجمهور المحتج، تروم التنصل الصريح من مبدأ التضامن الحكومي، ما يكرس فضيحة ازدواجية الخطاب ومحاولة ركوب الموجة وترقيع ما تبقى من بكارة حزبية إن بقيت أصلا قُبيل محطة الانتخابات التشريعية 2026.
وما يجب أن يعرفه هؤلاء الوزراء الذين يتنصلون من مسؤوليتهم الحكومية، هو أن مثل هذه السلوكات لا تعبر عن الدهاء السياسي، بقدر ما تفقد السياسة معناها ومصداقيتها أمام الرأي العام، وتفتح الباب أمام انتشار الأصوات الشعبوية بدل الإصلاح الجدي المطلوب في هذه المرحلة الحساسة، وتحمل المسؤولية في النجاح والفشل معا أو مغادرة المنصب بالاستقالة، لأن الوزير الذي لا يوافق على توجه الحكومة أو يخجل من الدفاع عن حصيلتها أمام الشعب، يجب أن يستقيل بكرامة.
نحن في حاجة إلى سياسيين يتحملون المسؤولية لا مناورين حسب الظروف ورمال السياسة المتحركة، وإذا كانت الحكومة تواجه تحديات في هذه المرحلة بالذات، فإن مواجهتها تكون بالتزام الوزراء بخلق الصدق في الخطاب والتقييم، لا بالهروب إلى الخطاب الحزبي وكأن الأمر يتعلق بأطراف في المعارضة لا تستفيد من امتيازات ومكاسب المناصب الوزارية وسلطة التوقيع والتصرف في الميزانية والمال العام، وتبليص المقربين على رأس مؤسسات عمومية.
إن الاستحقاقات التشريعية على الأبواب، ومن يتنصل اليوم من المسؤولية الحكومية، كيف له أن يطلب غدًا ثقة الناخب لتولي رئاسة حكومة المونديال، علما أن المشاريع الاستراتيجية الكبرى المرتبطة بمونديال 2030 بمثابة محطة أساسية في التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتتطلب رجال دولة بكل ما تحمله الكلمة من معنى يتحلون بالمسؤولية والوضوح في اتخاذ القرارات ويتحملون التبعات بوجه مكشوف حتى ولو كلفهم ذلك مغادرة مناصبهم وفقدان قواعدهم الانتخابية، ولهم الجرأة في الإصلاح أو وضع الاستقالة دون دموع التماسيح التي تشير إلى هضم الفريسة، وليس التباكي والتضامن مع المحتجين.





