
إعداد وتقديم: سعيد الباز
كان الارتباط الجوهري والمتلازم بين الأدب والفكر من جهة، والفن الموسيقي من جهة أخرى، إحدى العلامات البارزة لعلاقة وثيقة ومتينة، تأكّد حضورها في العديد من الأعمال الأدبية والفكرية على مستوى الشكل والمضمون وتقنيات التأليف والكتابة، قد تتّخذ أحيانا صبغة وجدانية وروحية ذات أبعاد عميقة.
في جانب آخر، ظلّت الموسيقى، بأشكالها وأنماطها المختلفة، مصدر إلهام وإيحاء للمفكرين والمبدعين، وأحد المؤثرات التي نجد ملامحها الواضحة في كثير من النماذج الأدبية والفكرية.
ربعي المدهون.. مصائر كونشرتو الهلوكوست والنكبة
رواية الكاتب الفلسطيني ربعي المدهون «مصائر كونشرتو الهولوكوست والنكبة»، الحائزة على الجائزة العالمية للرواية العربية سنة 2016 المعروفة باسم جائزة بوكر العربية، وظفت القالب الموسيقي «كونشرتو» رمزا لتحولات القضية الفلسطينية من الهولوكوست إلى النكبة، أو بتعبير لجنة التحكيم منوّهة بالرواية الفائزة: «تبتدع رواية (مصائر) نسيجا روائيا فنيا جديدا يصوّر تحوّلات المسألة الفلسطينية، وتثير أسئلة الهوية وتستند إلى رؤية إنسانية للصراع. تعدّ (مصائر) الرواية الفلسطينية الشاملة، فهي ترجع إلى زمن ما قبل النكبة لتلقي ضوءا على المأساة الراهنة المتمثلة في الشتات والاستلاب الداخلي. إنّها رواية ذات طابع بوليفوني مأساوي، تستعير رمز الكونشرتو لتجسّد تعدد المصائر». ذلك أنّ الكونشرتو نوع من آليات التأليف الموسيقي الذي عادة ما يوضع لآلة موسيقية واحدة أو لعدة آلات تقوم بأداء دور رئيسي، فيما تبقى الآلات الآخرى مرافقة في الخلفية. هذا البناء الموسيقي اعتمدته الرواية في أربع حركات تجسّد كلّ حركة مصائر أبطال الرواية وترسم تحولاتهم لتنتهي في حركة أخيرة بمثابة مقطع ختاميّ يتوافق مع البناء الهندسي لأحداث الرواية.
يوضّح الكاتب ربعي المدهون، في مقدمة روايته في فصل تمهيديّ تحت عنوان «قبل القراءة» قائلا: «هذه رواية عن فلسطينيين بقوا في وطنهم بعد حرب 1948، وأصبحوا بحكم واقع جديد نشأ، مواطنين في (دولة إسرائيل) ويحملون (جنسيتها)، في عملية ظلم تاريخية نتج عنها (انتماء) مزدوج، غريب ومتناقض لا مثيل له. وهي رواية عن آخرين أيضاً، هاجروا تحت وطأة الحرب ويحاولون العودة بطرق فردية.
الرواية هي الثانية في مشروعي بعد «السيدة من تل أبيب»، التي قدّمت مشهدا بانوراميا لقطاع غزة في مرحلة زمنية محددة، تقدّم بدورها، بانوراما لوضع فلسطيني آخر. في الرواية شخصيات حقيقية من بيئة واقعية، غادرت ملامحها، متخلية عن أسمائها وعن بعض سمائها، لتتمكن من العيش في فضاء متخيّل تشبه تفاصيله الحقيقة، وقد تتقاطع بعض أحداثها معها أو تلتقي بها لتعزّز صدقيّتها… قمتُ بِـ«توليف» النص في قالب الكونشرتو الموسيقي المكوّن من أربع حركات، تشغل كل منها حكاية تنهض على بطلين اثنين، يتحركان في فضائهما الخاص، قبل أن يتحوّلا إلى شخصيتين ثانويتين في الحركة التالية، حين يظهر بطلان رئيسان آخران لحكاية أخرى، هكذا نمضي مع الحركة الثالثة، وحين نصل إلى الحركة الرابعة والأخيرة، تبدأ الحكايات الأربعة في التكامل وتتوالف شخصياتها وأحداثها ومكوناتها الأخرى وتكون تيمات العمل التي حكمت كلّ واحدة من الحكايات، قد التقت حول أسئلة الرواية حول النكبة، والهلوكست، والعودة. ولا يعني هذا التركيب التجريبي «توريط» القارئ في قواعد التأليف الموسيقي وتعقيداته، بل يعني اصطحابه لتذوّق عمل أدبي يستعير لبنائه شكلا موسيقيا، تنتظم حكاياته على إيقاعاته الحسّية، خارجة من التجريد الموسيقى إلى فضاء السرد البسيط الواضح».
يوسف فاضل.. حياة الفراشات
تقدّم رواية «حياة الفراشات» ليوسف فاضل نفسها في أجواء موسيقية متناغمة مع الأحداث ومشكّلة إطارا لتطورها وتناميها يمهّد لها هذا التقديم: «ما إن نشرع في قراءة هذه الرواية حتى تنطلق من حولنا الموسيقى، تداهمنا من النافذة، من الجدران الصماء، من ذاكرتنا المنهكة. تتبع خطى شخصيات يتقمصها الراوي، بل تتشابك مع مصائر تلك الشخصيات وهي تمضي وتتقاطع وتنتهي على أرض غير صلبة، حيث الحب المشتعل، والمدينة الملتهبة، والجنون المتّقد، حيث الحكايات والأنغام والمقطوعات الموسيقية الصّاعدة مع دخان نادي «دون كيشوت» المحترق، والمتناثرة هنا وهناك كجثث متفحّمة»… وفي مقطع يعتبر أساسيا في الرواية نقرأ: «هذا الرجل الذي يسمّونه سالم دخل مبنى الإذاعة في العاشرة صباحا. قضى زهاء السّاعتين جالسا في حجرة فارغة، ينتظر أن تفرغ قاعة التسجيل. وهو ملحّن لا يعرفه أحد. ومغنّ سجل قبل عامين أغنيتين عند بوسيفون. في بداية مشواره الفني. وجاء لتسجيل أغنيته الثالثة على مقام البياتي. يتوقّع أن يصير مشهورا. الموسيقى هي العماد، والكلمات مختصرة إلى حدّها الأقصى، حتّى لا تشوّش على تناغم الآلات وانسجام الميلوديا. أغنية كما يهواها. ولأوّل مرّة يدخل الإذاعة لتسجيلها. قضى الشهور الأخيرة غارقا في أتونها. في بحيراتها وبراكينها. وينتظر الشيء الكثير من هذا التسجيل. يفكّر في فاطمة. سترى أنها لم تخطئ الاختيار. إنه غير متعجل. حماسه يحجب عنه سريان الزمن. خياله لم يغادر مجال الأصوات الشّجية التي سيطرت عليه منذ ثلاثة أشهر. جالس في إحدى الحجرات يتمايل برأسه، وينقر على فخذه. اللحن يتمازج فيه النداء واللهفة. والانتظار… فا. صول. لا. سي بيمول. دو… ليس كالنقر على الآلة الكاتبة. يستهويه هذا التشبيه. نقر خفيف. يكاد لا يدرك. ولكنّه يهزّ كيانه، يترك في نفسه اختلاجات آسرة…
لا علامة في الجوّ أو على الجدران أو في ممرّات الإذاعة أو مكاتبها تعطي مجرّد إشارة عابرة على ما بدأ يحدث في شوارع العاصمة. ولكن، هناك هذا الرجل قصير القامة الذي يمشي حتّى النافذة، ثم يعود ليقف بالقرب من الباب. ينتظر بدوره أن يفرغ الأستوديو، ليسجّل أغنية تمجّد حلول عيد ميلاد الملك. هل هو مغنّ معروف؟ سالم لم يهتمّ بتوتّره أكثر من اللازم. لم يأخذ الوقت الكافي ليراه ويرى من خلال هلعه ما الذي ينبغي عليه القيام به قبل فوات الأوان. كأن يترك موسيقاه في رأسه ويعود من حيث أتى مثلا. وربما أن وقت التراجع قد فات. الرجل قصير القامة في كسوته الغامقة يطلّ من النافذة، ثم يعود إلى كرسيّه في الجهة الأخرى من الحجرة وهو يجذب رابطة عنقه ذات اللون الغامق نفسه. ولكن هذا لا يدلّ على شيء. لا يعطي فكرة عمّا يحدث في الخارج في تلك الساعة. الموسيقي جالس الآن على ما يشبه الحرير، وينصت إلى انسياب الماء في مكان ما من الكون. على مقام البياتي. ويرى أنه ماء رقراق، نازل من قمم لا تُرى، ويلمع تحت شمس الربيع… فا. صول. لا. سي بيمول. دو. ري… والشمس ترسل ما يكفي من الحرارة، لتنعش الأرض.
شمس رحيمة رغم أننا في الصيف. في عزّ الصيف. ذلك أنّ الربيع حلّ في رأسه فقط. دندنة النقر على الفخذ تخبّ في رأسه برفق، على إيقاع انسياب الماء الخيالي الذي يحجب ضوضاء الخارج. عندما سيقف سالم خارج البناية، في نهاية هذه الظهيرة، ملتفتا إلى ما جرى، آنذاك يستطيع أن يقول إنّ الوقت قد فات فعلا. بلا أدنى عزاء. ختم الزمن على مستقبله وحاضره. ولا سبيل إلى التراجع ثانية واحدة. جالس على ما يشبه بساطا من حرير. وهو ليس سوى كرسيّ من خشب، في مكتب صغير، في بناية عتيقة، اسمها مبنى الإذاعة الوطنية. في زنقة ضيّقة، اسمها زنقة البريهي. النافذة مفتوحة، ولا تصله سوى أصداء بعيدة لما يحدث في العالم القريب. والرجل قصير القامة، بدل أن يسأل عن الأستوديو ما إذا كان قد فرغ، أو عن الفرقة الموسيقية ما إذا كانت جاهزة، يذهب حتّى النافذة ويطلّ على الشارع، ثم يلتفت إلى سالم ويسأله واش وصلو؟ والرجل، الموسيقي الذي اسمه سالم، لا يعرف منْ وصل، ومنْ لم يصل. في هذه اللحظة سمع سالم أولى طلقات الرصاص».
ميلان كونديرا.. الموسيقى جذبتني أكثر من الأدب
لم يكن الكاتب الروائي التشيكي ميلان كونديرا يخفي تأثره القوي بالفنّ الموسيقي في إبداعاته الروائية خاصة في كتابه «فنّ الرواية» وحواراته المتعددة: «… كانت الموسيقى حتّى سن الخامسة والعشرين تجذبني أكثر من الأدب. وكان أفضل شيء أنجزته آنئذ قطعة لأربع آلات: البيانو، الآلتو، الكلارينيت، الطبل. كانت هذه القطعة تجسّد مقدّما على نحو كاريكاتيري معمار رواياتي التي لم يكن يخطر على بالي في تلك الحقبة حتّى إمكان وجودها المستقبلي. هذه القطعة لأربع آلات تنقسم… إلى سبعة أجزاء. كما هو الأمر في رواياتي، يتألّف المجموع من أجزاء متباينة على المستوى الشكلي (جاز، محاكاة فالس، فوغ، كورال… إلخ) لكلّ منها تجويق مختلف (بيانو، آلتو، بيانو فقط، آلتو، كلارينيت، طبل، إلخ) ويتوازن هذا التباين الشكلي بواسطة وحدة تيماتية كبرى… وتقوم الأجزاء الثلاثة الأخيرة على بولوفونية كنت أعتبرها في تلك الآونة جديدة… تماما شأن كوستكا في «المزحة» أو الأربعيني في «الحياة في مكان آخر». إنني أقصّ عليك ذلك لأبيّن لك أنّ شكل الرواية، «بنيتها الرياضية» ليس شيئا محسوبا، وإنّما هو أمر لا واعٍ، هو استحواذ. لقد فكرت في الماضي أنّ هذا الشكل الذي يستحوذ عليّ هو نوع من التعريف الجبري لشخصي، لكنّي ذات يوم، منذ عدة سنوات. اضطررت، بينما كنتُ عاكفا بانتباه شديد على الرباعية… لبيتهوفن، للتخلي عن هذا المفهوم النرجسي والذاتي للشكل… ربّما كان بيتهوفن أكبر مهندس في الموسيقى… لقد ورث السوناتا التي تمّ تصورها بوصفها دورة من أربع حركات، غالبا ما يتم جمعها بشكل تعسّفي، كما أنّ الحركة الأولى منها (والمكتوبة في شكل سوناتا) كانت دوما أشدّ أهمية بكثير من الحركات التالية… وقد انطبع تطوّر بيتهوفن الفني كلّه بإرادته تحويل هذا التجميع إلى وحدة حقيقية. وهكذا فإنّه في سوناتاته للبيانو يقوم شيئا فشيئا بتحريك مركز الثقل من الحركة الأولى إلى الحركة الأخيرة، ويقلّص السوناتا غالبا إلى جزأين فقط…».
وعن حديثه عن شكل الفودفيل في بناء الرواية يقول: «الفودفيل شكل يضفي أهمية كبرى على العقدة مستخدما لذلك جهاز الصدف غير المنتظرة والمبالغ فيها. وليس هناك ما هو أكثر إثارة للشكّ في رواية ما، وأكثر هزءا وسخفا وسوء ذوق من العقدة وشطحاتها الفودفيلية. حاول الروائيون بدءا من فلوبير التخلّص من زخارف العقدة لتصير الرواية أشدّ رمادية من أكثر ضروب الحياة رمادية. ومع ذلك لم يشعر الروائيون الأوّل بأيّ حرج أمام ما هو غير محتمل… ففي الكتاب الأوّل من «دون كيشوت» ثمّة حانة في مكان ما من إسبانيا يلتقي فيها الناس جميعا بصدفة محضة… تراكم من الصدف واللقاءات غير المحتملة على الإطلاق، سوى أنّه لا يتوجب اعتبار هذا التراكم لدى سرفانتس كما لو أنّه سذاجة أو عدم مهارة. فالروايات في ذلك الوقت لم تكن قد أبرمت مع القارئ حلف الاحتمال. إنّها لم تكن تريد إخفاء الواقع، بل كانت تريد أن تسلّي، وأن تُدهش، وأن تُفاجئ وأن تُسحر، كانت الروايات لعبيّة، ومن هنا تكمن مهارتها. وتمثل بداية القرن التاسع عشر تغيّرا هائلا في تاريخ الرواية. أكاد أقول شبه صدمة. فهدف محاكاة الواقع جعل من حانة سرفانتس دفعة واحدة مدعاة للسخرية. يثور القرن العشرون غالبا ضدّ ميراث القرن التاسع عشر. سوى أنّ مجرّد العودة إلى حانة سرفانتس لم تعد ممكنة».
أسعد محمد علي.. بين الأدب والموسيقى
يضع الكاتب والروائي العراقي أسعد محمد علي، في كتابه «بين الأدب والموسيقى»، تحديدا واضحا بين الفنون الأدبية والموسيقى والعلاقات المتشابكة بينهما: «… بديهي أنّ الرواية تعتمد اللغة «أداة التفاهم المباشرة» أساسا لبنائها، شأنها في ذلك شأن المسرحية في مرحلة كتابتها، والرواية والمسرحية تتطلبان أحداثا معيّنة لتحقيق عناصر العرض والسرد والتكوين التي تؤثر في الشكل. ويمكن فهم وتذوق هذين الفنين عبر القراءة التي تُعتبر وسيلة الثقافة الأولى لأيّ مجتمع متمدن، حيث يكون للقراءة شأن مباشر في عملية النمو والتطور. أمّا الموسيقى فهي الفن الذي يختلف عن الرواية والمسرحية في هذا الخصوص، ذلك أنّ الموسيقى لا تعتمد لغة محددة أو هي ليست لغة كما يعتقد الكثيرون، فلو كانت الموسيقى لغة لفهمها الناس بمستوى واحد أو مستويات متقاربة كما الحال في الرواية. لكن حقيقة الموسيقى أنّها تُفهم أو تُدرك عبر مستويات متفاوتة تنبع من خصوصية الموسيقى من جهة، ومن مستوى وقدرة السامع في المتابعة من جهة ثانية، وفي هذا يكمن سر وعمق الموسيقى وأبجدية الموسيقى لا تقارن بأبجدية أيّة لغة رغم توفر مقومات مشتركة بين اللغة والموسيقى خاصة في مجال استخدام الأصوات/ الرموز أساسا للأداء والتعبير…
إنّ الموسيقى لا تعتمد السرد لبلوغ الشكل، رغم أنّ هناك في شكل أية مقطوعة موسيقية مسارا واضحا، لكنّه لا يخضع للتفسير المباشر وربما غير المباشر. فالمسار الموسيقي (الذي هو بمثابة السرد في الرواية) لا يتوخى التوضيح المادي بقدر ما يتوخى جملة موسيقية أو جملتين يستنفد المؤلف أبعادهما الممكنة (المبتكرة) في محاولة لبلوغ الإيحاء بحالة نفسية غير مباشرة أو بلوغ انطباع ما أو تصوير لوحة أو تقديم تقليد مبتكر لصوت أو أصوات في الطبيعة. وتفسير أيّة مقطوعة موسيقية لا يخضع لمواصفات التعبير اللغوي إلّا في حدود الانطباعات العامة المجردة من المعاني المباشرة، وكذلك في مجال التأثير النغمي الخاص المعتمد على شرطين لدى السامع المعرفة بطبيعة الموسيقى وفنونها عموما والقدرة الخاصة على تتبع اللحن وتوليفاته وتشعباته.
لكنّ الموسيقى تشترك مع الرواية والمسرحية في كونها أحد الفنون المؤثرة في وجدان المتلقي، يُضاف إلى هذا القدرات الفوقية التي يتمتع بها الموسيقي، تلك القدرات التي لا يبلغها السامع إلّا بعد استيعاب حسّي وروحي للمقطوعة. وإذا كانت القراءة وسيلة تفهم الرواية، فإنّ المدونة الموسيقية (عزفها) تعتبر بمثابة إعادة خلق الموسيقى، يعقبها عنصرا التذوق والاستيعاب لدى السامع/ المتلقي. بمعنى آخر، إنّ أداء أيّة قطعة من أعمال باخ، مثلا، يتطلب تخصصا علميا ودراسة تاريخية وتقنية من لدن المؤدّي (العازف) يستغرق في بلوغهما ربع قرن من الدراسة أو أكثر يطّلع خلاله على أسلوب باخ ويستوعب فلسفته، في حين أنّ قراءة أيّة رواية لا تتطلب مثل هذا التخصص وذلك الوقت الطويل، والأداء الموسيقي الأوركسترالي أقرب ما يكون إلى الأداء المسرحي من حيث تعدد الأصوات وتتابعها الذي يحقق في كلا الجنسين عناصر التكثيف والإيحاء والتجسيد».
إدوارد سعيد.. بتهوفن أَغْنَى تربيتي الموسيقية
غلبت على إدوارد سعيد صفة المفكّر والباحث في مجال الاستشراق والنقد الأدبي والأدب المقارن والدراسات ما بعد الكولونيالية.. لكنّ إدوارد سعيد كان أيضا عازف بيانو معروفا ومرموقا على صعيد الموسيقى الكلاسيكية تحديدا. تميّز إدوارد سعيد، إضافة إلى ذلك، بإسهاماته في النقد الموسيقي من خلال كتبه: «متتاليات موسيقية» 1991، و«المتشابهات والمتناقضات.. استكشافات في الموسيقى والمجتمع» 2002، وكتابه الأخير: «عن الأسلوب المتأخّر… موسيقى وأدب عكس التيار» 2015.
تطرّق إدوارد سعيد، في سيرته «خارج المكان»، إلى تربيته الموسيقية وظروف نشأته التي مكّنته من امتلاك ثقافة موسيقية متينة على مستوى العزف والتذوق الموسيقي الرفيع والتعرّف على مختلف المدارس الموسيقية الكلاسيكية والتدرب على شتى أنماطها الأكثر تعقيدا بشكل مبكر عزز لديه فضولا معرفيا ونزوعا نحو البحث والاكتشاف على حسب قوله: «… كنتُ قد بدأتُ أيضا في تذوّق الموسيقى الكلاسيكية بجدّية كبيرة. على أنّه في تعلّمي دروس البيانو، وقد بدأتُها في السادسة، اختُزِلَتْ ملَكَتَا الذاكرة والميلوديا عندي إلى التدرّب على السلالم الموسيقية وممارسة تمارين «سزيرني»، وأمّي حادبة عليّ أو جالسة إلى جانبي. فكانت النتيجة شعوري المتزايد أنّ ثمّة ما يعوق تنمية شخصيتي الموسيقية. لم أشترِ الأسطوانات، ولم أستمتع بحفلات أوبرا أختارها بنفسي فبل بلوغي الثامنة عشرة. ولما كان موسم القاهرة الموسيقيّ للأوبرا والباليه محظورا عليّ، فقد لجأتُ إلى ما تقدمه الـ«بي بي سي» والإذاعة الحكومية المصرية من برامج، وكانت متعتي الكبرى الاستماع إلى برنامج للإذاعة البريطانية من خمس وأربعين دقيقة يُذاع بعد ظهر يوم الأحد بعنوان «ليالٍ في الأوبرا». وقد اكتشفتُ باكرا جدا، من خلال «الكامل في الأوبرا» لغوستاف كوبيه، أنّي أكرهُ «فيردي» و«بوتشيني»، لكنّي أهوى القليل ممّا أعرفه عن «شتراوس» و«فاغنر» اللذين لم أشاهد أعمالهما الأوبرالية إلّا حين شارفتُ على نهاية المراهقة.
… بيد أنّي أستطيع، في المقابل، تعيين تواريخ مكتشفاتي الموسيقية الهامة، وصولا إلى الدقيقة التي تمّ فيها الاكتشاف. وقد وقعتْ تلك الاكتشافات كلّها وأنا في حال من التوحّد، بعيدا عن فروض البيانو الضاغطة التي عيّنها لي أبي والمعلّمون… ويخيّل إليّ أنّ هذا الانشقاق بين شعوري تّجاه الموسيقى وبين ممارستي الفعلية لها قد شحَذ ذاكرتي إلى حدّ بعيد، وهو ما سمح لي بأن أحفظ، ثم أن أؤدّي على السمع، عددا كبيرا من المؤلفات الموسيقية المعدّة للأوركسترا والأدوات والغناء وأن أفقه الكثير عن فترة تأليفها أو مميزات أسلوبها. وقد عذبتني على الدوام ندرة تجربتي الموسيقية الـ«حيّة»، وما تنطوي عليه من قيمة يصعبُ استيعابها بالكامل، وكنتُ دائم البحث عن وسائل للتشبث بها».
أخيرا، يدين إدوارد سعيد إلى بتهوفن بالكثير، فبفضله تعززت أكثر تربيته الموسيقية: «أغْنَى بتهوفن، أكثرَ من أيّ موسيقي آخر، تربيتي الذاتية الموسيقية على نحو هو الأكثر انتظاما. لم يعتقد المعلّمون أنّي جدير بأداء سوناتاته على البيانو (كان موتزارت معذّبي في هذا المجال) مع أنّي بذلتُ محاولات سرّية عدة لعزف سوناتا «باتيتيك» ونمت عندي خلالها شهية للاستيعاب البصري تفوق بكثير طاقاتي على الأداء الإصبعيّ. وعندما يجري تأنيبي لأنّي لا أتمرّن على فروض «هانون» و«سزيرني» التي كُلّفتُ بها، رغم حضور أمّي مراقبا دائما. كنتُ ألجأ إلى الأسطوانات فأفكّ ألغاز مقطوعات البيانو المحظورة «المعدّة للكبار»… وقد أّسْقِطتْ من برنامجي الموسيقيّ لصالح الحثالة التي فُرِض عليّ المواظبة عليها لساعات لا تنتهي».
رف الكتب
ذكريات مغربية
صدر كتاب «ذكريات مغربية» لخوسي ماريا دي مورغا المشهور في طبعةٍ أنيقة تُعيد إحياء سحر الماضي عبر منهجيةٍ علميةٍ مُتجددة. يُقدِّم النص سردًا تحليليا لسيرة المغامر الإسباني «خوسي ماريا دي مورغا»، الذي تجسَّدت فيه ثنائيةٌ ثقافيةٌ فريدة، حيث اشتُهر في إسبانيا بلقب «المورو بيسكاينو»، بينما عُرِف في المغرب باسم «الحاج محمد البغدادي». يتجاوز هذا العمل كونه مجرد روايةٍ استشراقيةٍ لرحلاتٍ تقليدية، ليُقدِّم تصويرًا حيويًّا ومعمقًا للواقع المغربي في القرن التاسع عشر. فمن خلال تبنّيه هويةً مُزيَّفة، اخترق دي مورغا طبقات المجتمع المغربي، مُقدِّما رؤيةً أنثروبولوجيةً استثنائيةً تتداخل فيها التأملات الفلسفية ذات الأبعاد الوجودية بالتاريخ والذهنيات. هكذا، يتحوَّل الكتاب إلى رحلةٍ استكشافيةٍ نحو الأبعاد المُغيّبة في التاريخ، حيث تُعيد الأصوات المهمَّشة كشفَ طبقاتٍ من الأسرار المُتراكمة. وتأسيسًا على ذلك، تُنشئ هذه الطبعة حوارًا بينَ نصٍّ أدبيٍّ جريءٍ لواحدٍ من أبرز الرحّالة الإسبان، وفضاءٍ جغرافيٍ تاريخيٍ تختزل تضاريسُه إرثًا من الألغاز. ومن هذا المنظور، تُوجِّه الطبعةُ دعوةً إلى القارئ لاستكشاف عالَمٍ يجمع بين سحر الاكتشاف وعمق التحليل، في مُقاربةٍ تُعيد قراءة التبادلات الثقافية بين الضفَّتين المتوسطيتين. صدرت هذه الطبعة الجديدة عن مركز جسور للدراسات التاريخية والاجتماعية بطنجة ضمن سلسلة ترجمات، وهي من إنجاز الباحث والمُترجم محمد المساري المُتخصص في اللغة والآداب الإسبانيين. ويعدّ المورو بيسكاينو، واسمه الحقيقي خوسي دي مورغا، من بين أبرز الرحالة الإسبان في المغرب خلال القرن التاسع عشر، حيث يسطع اسمه فوق الجميع، فقيمته التاريخية والاثنوغرافية تتجاوز مساهمات كل من دومينغو باديا (علي باي) والجاسوس خواكين غاتيل.
وُلِد خوسي ماريا دي مورغا، المعروف باسم المورو بيسكاينو عام 1827 في إحدى المناطق الباسكية (بلباو). وهو ينتمي إلى أسرة نبيلة، وكان قائدًا في سلاح الفرسان، وشارك في الحروب الكارلية. بين عامي 1854 و1859 زار لندن واسكتلندا والقسطنطينية، وكان شاهدًا على أطوار حرب القرم. ولأنه كان مفتونًا بالبلدان الإسلامية فإنه درس اللغة العربية في باريس. في عام 1861، وبعد انتهاء حملة إفريقيا التي قادها الجنرالان أودونيل وبريم، طلب التقاعد من الجيش ليسافر إلى المغرب بمفرده. عندما وصل مورغا إلى المغرب عام 1863، عاش كـ«مرتد»، وهي الطبقة الأكثر احتقارًا في الإمبراطورية المغربية، واندمج في الحياة اليومية والممارسات الدينية للبلاد لدرجة أنه قرر ارتداء الجلباب والعمامة، متخذًا اسمًا إسلاميًا مثلما فعل دومينكو باديا، حيث سمى نفسه «الحاج محمد البغدادي». في المغرب، وبصحبة خادم ودليل وحمار أجرب، عمل كمعالج، وقلّاع أسنان، وقابلة توليد النساء اليهوديات، وطارد أرواح شريرة، وبائع متجول ووليّ. كان هدفه فهم روح الشعب المغربي وقد نجح في ذلك. في عام 1866، وبعد ثلاث سنوات من التجوال المستمر في مدن المغرب الشمالية، عاد إلى إقليم الباسك، حيث كتب «ذكريات مغربية للمورو بيسكاينو»، وهو نص لاذع وساخر مليء بالملاحظات والأوصاف حول العادات والأوضاع السياسة بالمغرب وكذا الجوانب التاريخية والجغرافية لهذا البلد المغاربي العظيم.
ألّف دي مورغا كتابه وهو في بلده وبين أهله وعشيرته، وذلك بعد أن تحلل من القناع الذي تخفى تحته ما يقارب الثلاث سنوات وهو يطوف بأزقة مدن المغرب ويعاشر الناس في البوادي، ويشاركهم نمط عيشهم. وكان خلالها حُرّا ومتحررا لكي يصرح بما يشاء، وأن يفصح عما يدور في خاطره. وبالرغم من الصورة القاتمة التي يقدمها دي مورغا عن الأوضاع الاجتماعية والسياسية بالمغرب، وهي كانت كذلك إلى حد كبير، إلا أنّه في الوقت ذاته تأسره الحياة في هذا البلد، ففي أحد فصول الكتاب يعبِّر قائلا: «لقد قضيت أجمل أيام حياتي بين العرب. ولو قدر لي، لأسباب سياسية أو لانتكاسات الحظ، أن أختار منفى خارج وطني، فلا شك ستجدونني بينهم. لأنني لن أجد صعوبة في التأقلم مع نمط عيشهم الذي أعرفه جيدا، لأنني اليوم، وأنا أحيا مستريحا وسط ما توفّره الحضارة، تنتابني حرقة ويستولي علي الحنين إلى سكون بوادي أرض البربر وكرم حصير الدواوير».
لم يكن دي مورغا كاتبا متمرسا في حياته. فلا يُعرف عنه أنّه كتب شيئا قبل تأليف هذا الكتاب ولا بعده. لذا جاء أسلوبه مطبوعا بنوع من السجية، إلى درجة أنه يقارب في بعض جوانبه السرد الشفوي. وإذا كانت تلك ميزة إيجابية ومستحبة في بعض الأحيان، إلا أنها تطرح صعوبة جمة أمام المترجم. فالكثير من التعابير الجاهزة والألفاظ والمفاهيم والصور البلاغية التي اعتمدها الكاتب، وهي حتما كانت عادية ومفهومة لمعاصريه، لم تعد كذلك اليوم لكونها أصبحت متجاوزة بفعل الزمن، مما يفرض على المترجم بذل جهد مضاعف حتى يتمكن من تقريب المعنى الذي توخاه المؤلف، ولا يكون النجاح حليفا له في كل الأحوال. غير أن المصاعب تهون أمام منافع الكتاب المتعددة. ولعل أفضلها، كونه يقربنا، نحن المغاربة، من حقبة هامة من تاريخنا نحن أحوج ما نكون للاطلاع على تفاصيلها؛ لأن في ثناياها قد نعثر على أجوبة لبعض الأسئلة التي تؤرق حاضرنا.
مقتطفات
تغيّر العقل
في كتابها «تغيّر العقل/ كيف تترك التقنيات الرقمية بصماتها على أدمغتنا»، تعمد الكاتبة البريطانية سوزان غرينفيلد Susan Greenfield، التي تعتبر حجّة عالمية في العلوم العصبية، وتشتهر في المملكة المتحدة بتحدّيها للآراء التقليدية الراسخة حول العلوم العصبية، إلى الدمج بين مجموعة متنوعة من الدراسات العلمية، والفعاليات الإخبارية، والنقد الثقافي لصنع لقطة شاملة لـ«الآن العالمي». هذا العالم، الذي نعيش فيه، لم يعد بالإمكان حتّى تخيّله قبل عقود قليلة من الآن: هو عالم من الشاشات الإلكترونية، والمعلومات الفورية، والتجارب المفعمة بالحيوية التي يمكنها تجاوز الواقع الممل والكئيب الذي نعيشه. توفر تقنياتنا الجديدة الشجاعة فرصا هائلة للّعب والعمل، ولكن بأيّ ثمن؟
ومن خلال تحدّي افتراض أنّ تقنياتنا الحديثة ما هي إلّا أدوات غير مؤذية، يستكشف الكتاب ما إذا كانت مواقع شبكات التواصل الاجتماعي، ومحركات البحث وألعاب الفيديو قادرة على تغيير بنية أدمغتنا، وما إن كانت أدمغة الأشخاص المولودين قبل الإنترنيت وبعدها تختلف بدرجة كبيرة. ومن خلال التشديد على تأثير «المواطنين الرقميين»، أي الذين لم يعرفوا العالم من دون الإنترنيت.
تكشف المؤلفة كيف يمكن أن تتأثر الشبكات العصبية بالقصف غير المسبوق من المحفزات السمعية والبصرية. وكيف يمكن لممارسة ألعاب الفيديو صياغة مشهد كيميائي في الدماغ، والذي يشبه ما يحدث لدى المدمنين على المقامرة، وكيف أنّ الاستخدام المفرط لمواقع التواصل الاجتماعي يقلل من نضج التعاطف والهوية ذاتها. في عالم يقضي فيه البالغون عشر ساعات يوميا على الأقلّ متصلين بالإنترنيت، والذي تمثل فيه الحواسيب اللوحية الوسائل الشائعة للعب وتعلّم الأطفال. يكشف الكتاب، بصورة لم تحدث من قبل، التأثيرات الفسيولوجية والاجتماعية والثقافية المعقدة للعيش في العصر الرقمي.
تقول الكاتبة: «دعونا ندلف إلى عالم لم يكن بالإمكان تصوّره… وهو عالم لم يكن له مثيل في تاريخ البشرية. إنّه عالم ثنائي الأبعاد مؤلّف من البصر والصوت فقط، والذي يقدّم معلومات فورية، وهوية متّصلة، ويتيح الفرصة للخبرات الآنية والمباشرة التي تتسم بكونها حيوية وفاتنة… إنّه عالم يعجّ بالكثير من الحقائق والآراء التي لن يكون هناك مطلقا ما يكفي من الوقت لتقييم وفهم حتّى أصغر جزء منها. أمّا بالنسبة إلى عدد متزايد من قاطنيه، فقد يبدو هذا العالم الافتراضي أكثر مباشرة وأهمية من نظيره الثلاثي الأبعاد الذي يغذي حواس الرائحة، والمذاق واللمس: إنّه مكان يصبح مفعما بالقلق المزعج أو الابتهاج المظفّر خلال اندفاعك في دوامة الشبكات الاجتماعية للوعي الجماعي. إنّه عالم مواز حيث يمكنك أن تكون متحركا في العالم الحقيقي، ومنجذبا في الوقت نفسه دائما إلى زمان ومكان بديلين. يمثّل التحوّل اللاحق للكيفية التي يمكننا أن نعيش بها جميعا في القريب العاجل موضوعا غاية في الأهمية، بل ربّما كان أهمّ قضية في عصرنا الحالي. لماذا؟ لأنّ الوجود اليومي المتمركز حول الهاتف الذكي، والآيباد، والحاسوب المحمول، وأجهزة الإكس بوكس قد يغيّر جذريا ليس مجرّد أنماط حياتنا اليومية، بل أيضا هوياتنا وحتّى أفكارنا الداخلية بطرق لم يسبق لها مثيل. وكعالمة بالأعصاب، فإنّني مفتونة بالآثار المحتملة للوجود اليومي المرتكز على الشاشات على الطريقة التي نفكّر ونشعر بها، وأريد استكشاف كيف يتفاعل هذا العضو القابل للتكيّف على نحو رائع، أي الدماغ مع البيئة الجديدة، التي أطلق عليها أخيرا اسم «حرائق الغابات الرقمية».
في العالم المتقدّم، هناك الآن فرصة واحد إلى ثلاثة لأن يعيش الأطفال إلى عمر المائة. بفضل التطورات التي تحققت في مجال الطب البيولوجي، يمكننا توقّع حياة أطول وأكثر صحة. وبفضل التكنولوجيا يمكننا أن نتوقع وجودا متحررا على نحو متزايد من مشاكل الحياة المنزلية اليومية التي اتّسمت بها حياة الأجيال السابقة… لذلك ليس من المستغرب الاقتناع بأنّ هذه التقنيات الرقمية ليست أشبه بحرائق الغابات المستعرة، بل أقرب إلى أن تكون مدفأة مرحّبة في قلب أنماط حياتنا الحالية».
متوجون
جائزة الشيخ زايد للكتاب
أعلنت جائزة الشيخ زايد للكتاب، في دورتها 19، عن فوز الكاتبة المغربية لطيفة لبصير بجائزة فرع أدب الطفل والناشئة عن كتابها «طيف سَبيبة»، الصادر عن المركز الثقافي للكتاب، والذي تقدّم من خلاله معالجة أدبية مؤثرة لاضطراب طيف التوحد، بأسلوب سلس يحقق تقاليد القراءة للأطفال والناشئة. ويعتمد السرد في الكتاب على منظور الأخت الكبرى التي تروي قصة شقيقها، وتبرز أهمية الوعي المجتمعي والتعامل الإيجابي مع التوحد، بأسلوب فنيّ راقٍ يجمع بين الجمالية السردية والرسالة التوعوية العميقة.
وفي فرع الفنون والدراسات النقدية، فاز بالجائزة الباحث المغربي الدكتور سعيد العوادي عن كتابه «الطعام والكلام.. حفريات بلاغية ثقافية في التراث العربي»، الصادر عن دار أفريقيا الشرق. يقدم الكتاب مقاربة نقدية رصينة للعلاقة بين الطعام والخطاب البلاغي في التراث العربي، محللاً النصوص الأدبية من شعر وأمثال وحكايات من منظور ثقافي موسّع، ويتميّز العمل بعمق التحليل وسعة المادة البحثية، ويُثري الدراسات البلاغية بمقاربات تتجاوز الأطر التقليدية.
وتمّ تتويج الروائي الياباني هاروكي موراكامي بشخصية العام الثقافية، تقديراً لمسيرته الإبداعية ومدى تأثره وتأثيره الأدبي العابر للحدود على الثقافة العربية والعالمية، إذ تُعد أعماله من بين الأكثر قراءة وترجمة في العالم، ما يعكس قدرة الأدب على التقريب بين الثقافات المختلفة.. إضافة إلى تميّز أدبه بالطابع العالمي ومزجه بين الأدب الياباني من جهة والتأثيرات العالمية من جهة أخرى، وبأسلوبه السردي الذي يجمع بين الواقعية والخيال.
جائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية
توّجت الكاتبة الكويتية نجمة إدريس بجائزة الملتقى للقصة القصيرة العربية 2025 في دورتها السابعة، عن مجموعتها القصصية «كنفاه». وضمّت القائمة القصيرة لهذه الجائزة الأعمال القصصية: «حفيف صندل» (كيان للنشر) للمصري أحمد الخميسي، و«الجراح تدل علينا» (دار المتوسط) للفلسطيني زياد خدّاش، و«روزنامة الأغبرة أيام الأمل» (منشورات رامينا) للسوري عبد الرحمن عفيف، و«الإشارة الرابعة» (دار ليميتد بوكس) للسعودي محمد الراشدي، و«كنفاه» (دار صوفيا) للكويتية نجمة إدريس.
تستمد المجموعة القصصية «كنفاه» عنوانها من إحدى قصصها، وهو اسم مستوحى من فن التطريز على النسيج برسوم ملونة، كما يظهر في تصميم غلافها، في إشارة رمزية إلى تفاصيل الحياة المتداخلة التي تنسجها القصص. تمنح المجموعة صورة غنية عن المجتمع وتحمل في طياتها دعوة للتأمل في مصائر الشخصيات وصراعاتها الداخلية.
من أجواء المجموعة: «قماشة الكنفاه، أعكف عليها حين ينام البيت، وتخفت أضواء الغرف. هي جسري إلى منطقة العدم، حيث لا شيء غير الإبرة تدخل وتخرج جارّة وراءها خيطها الرقيق، تحيك علامة (الضرب) جيئة وذهاباً، طولاً وعرضاً. هو الوقت الذي بلا زمن، أو هكذا أتوهّمه عارياً من الدقائق ومسفوحاً في الفراغ، ورأسي خشبة عائمة تجاهد الأفكار المتقحّمة، فيما تربض حواسّي في اللحظة الآنية كسحلية». في قراءة للمجموعة القصصية وبيان لجنة التحكيم «المجموعة القصصية كنفاه عودة إلى القصّة الرصينة، المتخفّفة من «صناعة القصّة»، بمعناها المكشوف والظاهر، وكأنّنا أمام حكاية في أصل نشأتها، همس خفيض لأناس عاديين عن أحوالهم في أيّام عادية…».