
محمد اليوبي
أصدرت الغرفة الجنحية بمحكمة الاستئناف بفاس، أول أمس الثلاثاء، حكما يقضي بإلغاء القرار الصادر عن قاضي التحقيق بالغرفة الثانية بالمحكمة الابتدائية بالمدينة نفسها، والأمر من جديد بإيداع كاتب مجلس جهة فاس مكناس، يوسف مراد، السجن المحلي «بوركايز»، رفقة عميد شرطة يعمل بجهاز أمني.
وجاء قرار الغرفة الجنحية بعد طعن تقدمت به النيابة العامة في قرار قاضي التحقيق الرامي إلى الإفراج عن كاتب مجلس جهة فاس مكناس، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، وهو رجل أعمال يملك شركة للنقل السياحي، وذلك على خلفية تورطه في شبكة متخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات وغسل الأموال، كانت تنشط بمدينة فاس.
إيقاف متزعمي الشبكة
حسب معطيات حصلت عليها «الأخبار»، تمكنت الفرقة الجهوية للشرطة القضائية بفاس من تفكيك شبكة متخصصة في الاتجار الدولي في المخدرات، وذلك بناء على معطيات تقنية وميدانية وفرتها مصالح المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني، حيث تم إيقاف ثلاثة أشخاص يتزعمون الشبكة، أمر الوكيل العام بمتابعتهم في حالة اعتقال، فيما يتابع باقي المشتبه فيهم في حالة سراح، يواجهون تهما تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، والتزوير واستعماله، والارتشاء، ومخالفة قانون الـصرف، وقبول شيكات على سبيل الضمان، وغسل الأموال.
ويتجلى الأسلوب الإجرامي لهذه الشبكة في غسل أموال المخدرات، عن طريق اقتناء سيارات فارهة واقتناء مقاه وعقارات وتأسيس شركات للنقل السياحي، وقامت الشبكة بتأسيس مكتب للصرف بمدينة فاس، لتوظيفه في تمويل أنشطة مشبوهة. وأفادت المصادر بأن أعضاء الشبكة قاموا بعدة عمليات لتهريب المخدرات من المغرب إلى دول أوروبية، حيث يتزعم هذه الشبكة المسمى «الحسين.د»، ويساعده «ميمون.أ»، و«عبد السلام.ب»، وعلى اعتبار أن زعيم الشبكة على دراية وإحاطة كبيرة بعالم بيع السيارات واستيرادها من الخارج إلى المغرب، استغل هذا الأمر، وذلك بهدف مقايضة المخدرات بالسيارات، وإحضار السيارات إلى المغرب ومعاودة بيعها على أساس أن هذا النشاط هو النشاط الفعلي للشبكة الإجرامية، بالإضافة إلى ذلك، فإن السيارات نفسها يتم استعمالها في نقل المخدرات، ومن أجل ذلك، فإن أغلب السيارات التي يتم استيرادها هي سيارات نفعية من الحجم الكبير تستعمل في عمليات الشحن مثل «إيفيكو»، ومرسيدس «فيتو»، و «سبرانتر» وفولز فاكن «كرافتر».
وبخصوص المصاريف الجانبية التي يحتاجها أفراد الشبكة، تم إحداث مكتب للصرف باسم زعيم الشبكة، وهذا المكتب يتم استعماله أساسا في تمويل المصاريف الجانبية المتعلقة بتسجيل السيارات وتحويل ملكيتها وأداء مستحقات المتقاعدين الذين يتم استعمالهم في مختلف عمليات التعشير، كما يتم استعمال هذه المبالغ المالية من أجل أداء مستحقات الأشخاص الذين يقومون بنقل المخدرات. وتبين من خلال الأبحاث والتحريات أن مكتب الـصرف كان بمثابة صندوق أسود لتمويل مختلف المصاريف المتعلقة بهذا النشاط الإجرامي.
عمليات خارج نظام المحاسبة
كان مسير مكتب الـصرف يتسلم من مشغله، الذي يتزعم الشبكة، مبالغ مالية بالأورو ويطلب منه الاحتفاظ بها بالخزنة الخاصة بالمكتب، دون إدخالها بالنظام المعلوماتي الخاص بمكتب الصرف ويطلب منه تسليمها لمجموعة من الأشخاص الذين يترددون على المكتب دون إدراج هذه العمليات بالمحاسبة، وأضاف أنه لا يتم تضمين سوى نسبة تتراوح بين 20 و30% من المداخيل الحقيقية للمكتب. وكان مجموعة من الأشخاص يترددون باستمرار على المكتب ويتسلمون مبالغ مالية دورية بناء على أوامر زعيم الشبكة، ويتعلق الأمر بالمسمى «ي.و»، الذي يعمل شرطيا بجهاز أمني، وهو شريك في مقهى يملكها زعيم الشبكة، كما أسس شركة للنقل السياحي باسم زوجته بمساعدة كاتب مجلس جهة فاس مكناس، وكان يتردد على المكتب قاض كان يعمل بفاس قبل تنقيله إلى مدينة مجاورة للحصول على مبالغ مالية.
واعترف يوسف مراد، كاتب مجلس جهة فاس مكناس، عن حزب التجمع الوطني للأحرار، بأنه يعرف زعيم الشبكة الإجرامية، وصرح أنه شريك لموظف شرطة في مقهى توجد بشارع الجيش الملكي بمدينة فاس، وأن شراكتهما غير موثقة بأي عقد، وأكد أنه قام كذلك بإنشاء شركة لكراء السيارات سجلها باسم زوجة الشرطي، وبناء على اتفاق بينهما، قام بتمكينه من سيارتين، عن طريق إبرام عقد شراء صوري بينه وشخص آخر يسمى «عثمان.ف»، وأنه أدى مقابل هاتين السيارتين بواسطة شيك بنكي مبلغ 600 ألف درهم، على أساس أن يقوم الشرطي برد هذا المبلغ إليه بمجرد انتهاء عملية تحويل ملكية السيارتين من شركة للنقل السياحي في ملكية كاتب مجلس الجهة إلى الشركة التي أسسها الشرطي باسم زوجته، والمتخصصة في النقل السياحي كذلك.
عمليات وتواطؤات
كشفت المعطيات أن الشبكة كانت تقوم بتهريب المخدرات عبر الزوارق المطاطية، وكذلك عبر المعابر الحدودية بميناء طنجة المتوسط وميناء بني انصار، بتواطؤ مع شرطيين، أحدهما موظف بجهاز أمني حساس، وتمكنت الشبكة من القيام بعدة عمليات، حيث كانت العملية الأولى في سنة 2022، حيث تم نقل كمية من المخدرات إلى المنازل بمنطقة كتامة وتم تقسيمها إلى قسمين تنفيذا لتعليمات زعيم الشبكة «ح.د»، وأخبرهم أن قسطا سيتم تهريبه عبر ميناء طنجة المتوسط، بمساعدة بعض الأشخاص، وقسط آخر سيتم نقله عن طريق المسالك البحرية عبر زوارق مطاطية سريعة من نوع «فانطوم»، حيث تمكنت الشبكة من تهريب هذه الكمية ونقلها في ظروف عادية إلى الضفاف الأوروبية، لكن بعد أن تم وضعها بأحد المرائب بدولة هولندا تمت سرقتها، فيما القسط الذي تم تهريبه عبر ميناء طنجة المتوسط جرى حجزه من قبل السلطات الأمنية بالميناء المذكور.
العملية الثانية تكلف بها أحد المشتبه فيهم، وتوصل بمستحقاته، لكن تم رفض هذه الكمية من قبل أشخاص أجانب بسبب رداءة جودتها وتسرب مياه البحر إلى جزء كبير منها، واتفق أعضاء الشبكة على تنفيذ عملية ثالثة في أواخر سنة 2023، حيث تم الاتفاق على تهريب 500 كيلوغرام من المخدرات، بعد الاتفاق مع أشخاص آخرين على إخراجها عبر ميناء طنجة المتوسط، وتكلف المشتبه فيه «ح.د» بكل تفاصيل العملية، وتوصل بمستحقاته نقدا، وبعد نجاح هذه العملية، خططت الشبكة لتنفيذ عملية رابعة جرى القيام بها خلال شهر غشت الماضي، حيث تكلف زعيم الشبكة بالتنسيق مع صديقه الشرطي المسمى «س.ح» الذي ساعده في هاته العملية، وتم شحن الكمية على متن سيارة «فاركونيط»، واجتازت السيارة النقطة الحدودية دون تفتيشها أو مرورها عبر جهاز السكانير، وتسلم الشرطي نصيبه من هذه العملية.
أما العملية الخامسة فتمت بتنسيق مع شخص إسباني يدعى «الفونسو»، الذي طلب من زعيم الشبكة إرسال كمية من المخدرات، وبالفعل جرى التنسيق مع باقي أفراد الشبكة الإجرامية وتم تدبر الكمية المذكورة وبعد وصولها إلى مدينة الناظور، وبتنسيق مع الشرطي «س.ح»، لم تكتمل هاته العملية وجرى إيقاف السيارة المذكورة على مستوى ميناء بني انصار.