
سُجل انتقال الفعل الاحتجاجي بالمغرب، من الممارسة الميدانية وسلك الإجراءات القانونية والتنسيق مع الجمعيات الحقوقية والتوجه نحو المؤسسات الرسمية، للتوعية بالمسالك القانونية التي تضمن الحقوق، إلى غابة الفضاءات الافتراضية واستعمال المنصات الاجتماعية، من أجل التعبير عن الاحتجاج وسط فوضى عارمة، وقلب الحقائق في أحيان كثيرة، ومحاولة تحويل كل قضية، مهما كانت بسيطة أو تافهة، إلى قضية رأي عام.
إن الاحتجاج حق دستوري مضمون لكل مواطن يحس بالظلم، أو يتم هضم حقوقه من قبل مسؤولين أو منتخبين أو حتى أشخاص عاديين أو مؤسسات وهيئات، لكن طرق التعبير عن هذا الاحتجاج هي التي أصبحت محط تساؤلات، لأنها تميل إلى العنف في حق الذات والغير، ما يستدعي وقفة تأمل حقيقية، من أجل دراسة المتغيرات الاجتماعية وإيجاد الحلول المناسبة في إطار مقاربات متعددة.
قد يقول قائل إن بعض الحالات المنفردة التي يتم نشرها على المنصات الاجتماعية وتحويلها إلى قضية رأي عام، تلقى مسارها إلى الحل وفتح تحقيق من قبل المؤسسات المعنية، وهو ما يشجع البعض على سلك النهج نفسه، ولكن في جميع الأحوال لا يمكن تعويض العمل المؤسساتي والشكايات الرسمية، بالاحتجاجات الافتراضية وما تُحرض عليه من عنف في حق الذات والغير، والمشاهد المؤلمة التي تنتهي بها الأمور، وتتعارض لاشك والثقافة المغربية والقيم التي تربى عليها المغاربة. وحتى نكون منصفين، فإن جميع الشكايات التي توضع لدى المؤسسات المعنية، وجب أن يتم أخذها بعين الاعتبار، مهما كانت بسيطة، والتدقيق في مضمونها والعمل استباقيا لتفادي الاحتجاج، أو الإحساس بالظلم والتهميش من الأصل، وحسن وجودة استقبال المواطنين ومراعاة التحولات الاجتماعية والاقتصادية، لأنه في الكثير من الأحيان تكون الأزمة ناتجة عن غياب ثقافة التواصل وسوء الفهم، فضلا عن تبعات الفساد الإداري والصورة السلبية التي يحملها المرتفق في مخيلته، وتجعله مستعدا للشك في كل شيء وتفسيره بشكل سلبي.
لقد أكدت العديد من الخطب الملكية السامية على التفاعل مع شكايات المواطنين من قبل المؤسسات المعنية، وفق السرعة والنجاعة المطلوبتين، وإلا لا معنى لوجود هذه المؤسسات من الأصل، وهي رسائل وجب التقاطها والعمل بها، حتى تتم تسوية مجموعة من الملفات محليا، عوض التراكمات وتوجيه الضغط نحو المركز الذي يُفترض أن يقوم بمعالجة المشاكل المستعصية، وتنزيل الاستراتيجيات الكبرى.
إن الاحتجاج الافتراضي وممارسة العنف بحق الذات والغير ليس حلا ولا تعويضا عن سلك الإجراءات الرسمية، لكن هذا لا يعني أن الأمور تسير على ما يرام، بل الواجب هو تحرك كل مؤسسة من منطلق اختصاصاتها، للبحث في اختلالات التفاعل مع الشكايات، وتفعيل المحاسبة بشأن الإهمال أو التقصير، والوضوح في جواب الإدارات والإقناع واحترام القانون ومبدأ تكافؤ الفرص، لكي لا تتحول الصفحات الفيسبوكية التافهة إلى منابر إعلامية لإيصال صوت المواطنين، عوض اللجوء إلى المؤسسات الرسمية والثقة فيها التي تعتبر هي الأصل والباقي استثناءات لا يقاس عليها، وليس العكس.





