
يسرا طارق
منذ أن خرج الإنسان من الغابة، تاركا الفردوس وراءه، وهو يلاحق سعادة تتمنع عليه. يعتقد بأن سبب تعاسته هو الجوع، لكنه حين يشبع لا يحس بنفسه سعيدا، أو حتى حين يحس بفرح امتلاء بطنه، تكون سعادته سريعة العطب. يعتقد بأنه سيكون بخير حين يقضي على عدوه، غير أنه حين يتمكن منه يحس بالفراغ من حوله. يريد ذهبا، وفضة وأثوابا ثمينة، ويخيل إليه بأن الحصول على ما يريد سيجعله يطير فرحا، وما أن تصير كل أمانيه في حوزته حتى تفقد سحرها، فيهاجمه الملل والقنوط.
لا ينتبه الإنسان إلى صحته، بل يعمل على تخريبها، وحين يفقدها يصير تصوره للسعادة هو أن يستعيد ما كان يمتلكه ولا يعرف قيمته. يحب ويرى أن منتهى سعادته هو أن يرتبط بمن يحب، لكنه حين يصل لذلك، وتلد المؤسسة أولادا ومطالب لا تنتهي تملأ التعاسة حياته. لا أحد في هذا العالم عاش أو سيعيش سعادة ممتدة، إنها لحظات خاطفة فقط، سرعان ما تزول ويحل محلها الخصاص والفقد واليأس وانعدام الجدوى.
هل السعادة، إذن، وهم يطارده الإنسان، ولن ينال منه إلا ما يناله من سراب؟ أم أن السعادة حالة بإمكان الإنسان أن يحققها من خلال وضع أهداف قابلة للتحقيق؟
لا أحد يملك الكلمة الفصل في موضوع السعادة، ولا أحد من الفلاسفة، قدامى ومحدثين، قال الكلمة النهائية.
رأى البعض أن السعادة تكمن في الوصول للحقيقة (الحكمة)، فهي شأن الروح وليس الجسم والحواس، ورأى البعض الآخر بأن السعادة تكمن في القناعة والرضى التام بما هو قائم، عوض تعذيب الذات بما ينبغي أن يكون، وذهب البعض إلى أن السعادة تكمن في تحقيق الذات، بينما ذهب آخرون، وخصوصا المتصوفة، إلى أنها تكمن في قهر الذات وإذلالها، بل السعي لفنائها. أجمل شوبنهاور مأزق الإنسان مع السعادة في كون الإنسان يراوح بين الأمل والملل، فالإنسان يرغب ويكون كله أمل في تحقيق رغباته، أما حين يحققها يصاب بالملل لأنه يفقد الرغبة التي كانت تحفزه، وعليه أن يبحث عن رغبات أخرى.
مشكلة الإنسان الكبرى مع السعادة أنها لا تشترى، لا بمال ولا بعقار ولا بذهب ولا بسلطة ولا بنفوذ، إنها إحساس فقط، قد يراودك وأنت في كوخ، ويهرب منك وأنت في قصر.