
أثار مشروع القانون المتعلق بتعويض المصابين في حوادث تسببت فيها عربات برية ذات محرك، الكثير من الجدل، خلال الجلسة التشريعية التي خصصها مجلس النواب للمصادقة عليه، وسط اتهامات بالتشريع على المقاس، وتدخل «اللوبيات» لعرقلة تعديل هذا القانون، وتأخير تاريخ تنفيذه إلى غاية سنة 2027.
وفجر النائب البرلماني عن حزب الاتحاد الاشتراكي، سعيد بعزيز، فضيحة من العيار الثقيل داخل الجلسة، عندما تحدث عن وجود برلمانيين من داخل الأغلبية يدافعون عن من وصفهم بـ«فراقشية التأمينات»، ووجه اتهامات خطيرة لبرلمانيين بإدخال تعديلات على مقاس شركات التأمين، من أجل تأخير دخول هذا القانون حيّز التنفيذ في 2027 عوض شهر يناير 2026، حتى تربح سنة كاملة.
وفي رده، تحدث وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عن وجود لوبيات داخل البرلمان، وليس ملائكة، وقال إن عددا من الحكومات مرّت منذ 1984 وأرادت أن تغير الظهير الشريف المذكور، لكنها لم تستطع، وقال «هدشي علاش قديّت، الغالب الله».
ما قاله البرلماني بعزيز والوزير وهبي يكشف عن خطورة اختراق اللوبيات للمؤسسة التشريعية، التي تمثل السيادة الشعبية، ومن المفروض أن تشرع لجميع المغاربة وليس على مقاس فئات معينة، والدليل على ذلك هذا القانون الذي ظل جامدا لمدة 41 سنة، دون أن يطوله أي تعديل، رغم التغيرات الكثيرة التي طالت المجتمع المغربي ومعه القوانين التي تنظم حياته اليومية.
فقد ظل تعويض المصابين في حوادث السير يخضع لظهير صدر سنة 1984، خلال فترة انتقالية لم يكن فيها البرلمان قائما، ولم يخضع للمسطرة التشريعية المعمول بها واستمر سريانه ما بعد انتهاء هذه الفترة إلى غاية الوقت الحاضر، ناهيك عن أن تطبيق الظهير المذكور، على مدى أكثر من 41 سنة الماضية، أبان عن مجموعة من الثغرات والنواقص ترتب عنها تضارب التأويلات واختلاف الاجتهاد القضائي من محكمة إلى أخرى مما يؤثر على حقوق الضحايا.
ولم يواكب هذا الظهير التطورات العميقة التي عرفها المغرب دستوريا وحقوقيا، سيما أنه صدر في ظل دستور 1972 واستمر سريانه في ظل دستور 1992 و1996 و2011، أي أنه عمر طويلا وأصبح خارج الزمن الدستوري والحقوقي بكل تداعياته المختلفة.
اليوم لم يعد هناك مبرر لتحديد تعويضات ضحايا حوادث السير بالاعتماد على الحد الأدنى للأجر المحدد في 9270 درهما سنويا منذ 1984 (حوالي 30 درهما في اليوم)، فقد أصبح مجحفا ولا يتماشى مع التطور الذي عرفه الحد الأدنى للأجر سواء في القطاع العام أو الخاص، ولهذا رفع مشروع القانون من قيمة التعويضات المالية عبر رفع الحد الأدنى للأجر المعتمد في احتساب التعويضات بنسبة 54 في المائة تدريجيا على خمس مراحل، ليصل من 9270 درهما حاليا إلى 14270 درهما.
خلاصة القول، هناك لوبيات تتحرك تحت قبة البرلمان، للدفاع عن مصالحها الشخصية، ففي الوقت الذي توجد قوانين لم يقدر المشرع على تعديلها، هناك العديد من مقترحات القوانين ومشاريع القوانين التي بقيت منذ سنوات مجرد حبر على ورق داخل رفوف مكاتب غرفتي البرلمان أو القطاعات الحكومية المعنية، مقابل ذلك نجد قوانين تتم دراستها والمصادقة عليها في وقت قياسي.
إذن، يجب وضع آليات للقطع مع «اللوبيات» التي تتحكم في دواليب الآلية التشريعية من خارج مؤسسة البرلمان، كما تتحكم في صنع القوانين التي تخدم مصالحها وتعرقل القوانين التي تمس مصالحها أو تخدم مصالح منافسيها.





